تقع بلدية أعفير بدائرة دلس، أقصى شرق ولاية بومرداس، بين أحضان جبال شاهقة وتضم بين جنباتها 13ألف نسمة بينما تبعد عن الولاية ب20 كلم فقط، غير أن طبيعتها الخلابة ومؤهلاتها السياحية لم تخرج سكانها من قوقعة التهميش والعوز والإقصاء لسبب بسيط وواحد هو تأخر المسؤولين الذين يترأسون البلدية وحتى الولاية عن تجسيد وعودهم التي قطعوها ببعث التنمية، وهو للأسف -كما قال السكان – مالم يحدث على الإطلاق، وربما لن يحدث إذا استمر الصمت والتجاهل سيد الرد على كل انشغالاتهم وأسئلتهم.
لم تكن وجهتنا لبلدية أعفير بمحض الصدفة وإنما كان نتاج تشنجات سكانية صادفناهم يشكون وضعهم المزري والغياب الكلي للتنمية بالمنطقة، منها قرر"الحوار"، القيام باستطلاع ، فما إن تطأ قدمك ببلدية أعفير يخال لك كأنها مجموعة قرى متناثرة كحبات اللؤلؤ فوق بساط أخضر على سفوح جبال راسمة على جوانبها ضلالا امتدت إلى الناحية الغربية لمدينة تيفزيرت. وباحتكاك بالسكان تستشف أنهم يعيشون في بحر من الضياع والمعاناة، جراء النقائص والمشاكل التي يتخبطون فيها كل يوم دون أن يحرك ساكن المسؤولين في شيء.
وفي مقدمة المشاكل التي يعاني منها السكان، شبح البطالة الذي يطارد الشباب لاسيما منهم خريجو الجامعات، حيث وجدوا أنفسهم دون أي مصدر رزق يساعدهم في إعالة أنفسهم قبل إعالة عوائلهم، مبرزين أن ما زاد الطين بلة غياب المرافق الترفيهية والرياضية والتي من شأنها أن تخرجهم عن ضيقهم.
ويشتكي سكان أعفير من غياب التهيئة العمرانية وانعدام أهم العناصر الحيوية، منها الغاز الطبيعي والماء الشروب، حيث يعيشون معاناة حقيقية مع رحلة البحث عن قارورة غاز أو يحتطبون لأجل الطهو والتدفئة، فضلا عن العطش الذي يلازمهم على مدار أيام السنة دون أن يثير في نفس المسؤولين أي شفقة تحركهم نحو إيصالهم بشبكة المياه الصالحة للشرب.
ويعاني السكان وتحديدا المسافرين من أزمة نقل خانقة عرقلت العديد من أشغال المواطنين الذين يجدون أنفسهم مجبرين على تأجيل أشغالهم بسبب غياب حافلات النقل، فيما يجد أخرون أنفسهم مجبرين على قطع مسافات طويلة لأجل الذهاب إلى مقر العمل أو الدراسة.
وحسبما صرح به سكان المنطقة ل"الحوار"، فإن بلدية أعفير تترجم بكل ما تحمله الكلمة من معنى الإقصاء والتهميش والتخلف ومعنى الحقرة والغبن، معبرين عن استيائهم وتذمرهم من الظروف الاجتماعية الصعبة وغياب المشاريع التنموية في بعض الأحياء والقرى. وقال السكان" التنمية غائبة بالمنطقة فلا تهيئة عمرانية ولا شبكة طرقات وممرات ومسالك موجودة ولا مرافق عمومية، ولا وسائل نقل ولا ماء ولا مرافق شبانية ولا غاز للمدينة الذي يعتبر المطلب الملح لديهم ولا مسؤول زار المنطقة و لا مسؤول وفى بوعده الذي قطعه معنا خلال الحملات الانتخابية".
وتساءل شباب المنطقة عن نصيبهم من مناصب عمل باعتبارهم قضوا سنوات في التعليم واعتقدوا بتخرجهم يمكنهم الحصول على منصب شغل، إلا أن أحلامهم ذهبت في مهب الريح، مطالبين الجهات المسؤولة بضرورة الوقوف وقفة جدية عند معاناتهم قبل أن يخرجوا عن صمتهم.
* سكان قرية تيلزازين .. عزلة وإقصاء
واصلنا الرحلة إلى بعض القرى التابعة لبلدية اعفير، أين توقفنا بقرية تيلزازين، وأول ما وجهنا به قاطنوها أزمة المواصلات، حيث اشتكى أهل القرية من الناقلين الخواص بسبب عدم تنقلهم إلى هذه الأخيرة، والتي أضحت ديكورا يوميا يكلفهم مشقة التنقل لمسافات تقدر بالكيلومترات. وحسب ما صرح به هؤلاء، فإن الأمر الذي أثار تذمرهم هو ما يضطرهم للانتظار لساعات طويلة على قارعة الطريق أو المشي على الأقدام لأزيد من ثلاثة كيلومترات، الذي انعكس سلبا على قضاء حوائجهم اليومية والتنقل إلى مقرات عملهم والذي يزيد من تعقيد الوضعية، كما أن المنطقة تعرف نسبة مرتفعة من التساقط بسبب موقعها الجبلي ومحاذاتها للبحر، لهذا الوضعية في فصل الشتاء تكون أسوء.
* البغال والحمير.. بديل وسائل النقل في مشاشكة
ولدى توجهنا إلى قرية مشاشكة مرورا بقرية البهاليل، استوقفنا مواطنوها ليشرحوا لنا الوضعية المزرية التي ما زلوا يعايشون هذه الوضعية بكل تفاصيلها، حيث عبّروا لنا عن استيائهم الكبير لانعدام وسائل النقل من قريتهم باتجاه مقر بلديتهم، وأضافوا أن الوسيلة الوحيدة للنقل هي السيارات القادمة من القرى المجاورة التي تجتازهم وتحمل معها عددا ضئيلا من القاطنين وتترك البقية ينتظرون تحت أشعة الشمس المحرقة التي تشهدها البلدية في فصل الصيف أوامتطاء سيارات نزلاء القرية القليلة من جهة، ومن جهة أخرى يلزمهم الأمر التنقل إلى مقر البلدية أو أقرب نقطة لركوب الحافلات وقطع مسافة لا تقل عن أربع كيلومترات مشيا على الأقدام أو امتطاء البغال أو الحمير التي شاهدناهم يسرون بها في الطريق وكأنها وسيلة نقل يعتمد عليها أهل القرى في التنقل إلى القرى المجاورة إلى جانب مشكل استوقفنا عنده سكان بعض القرى جراء ندرة الماء الشروب في بعضها والنقص الفادح وتحول الآبار التي يتزودون بها إلى مياه مالحة في بعضها الآخر، خاصة في فصل الصيف الذي يشهد ارتفاعا في درجة الحرارة. وحسب سكان بعض قرى الذين التقيناهم، فإن معاناتهم من ندرة الماء الشروب المزود عن طريق الشبكة المنزلية منذ عدة سنوات، لا تكمن هنا فقط، بل سعي القاطنون إلى جلب الماء بكل الوسائل الممكنة من الآبار الموجودة بها التي تكلفهم المشقة والعناء اليومي المتكرر، رغم تدخل السلطات المحلية بإمدادهم بالصهاريج دون مقابل لكنها لم تجد نفعا للحد من هذه المشكلة خصوصا وأنه غير صالح للشرب. أصيلة. ح