الجزائر في طليعة المدافعين عن إفريقيا    رئيس المحكمة الدستورية يعزي في وفاة عضو مجلس الأمة البروفيسور وليد العقون    هذه رسالة مزيان للصحافة الرياضية    عرض استراتيجية قطاع الشباب    يوم الإبداع    تعليمات الرئيس انتفاضة ضد النقائص    نعمل على تحويل الجنوب إلى وجهة عالمية    تحديد مواعيد جديدة لفتح أبواب جامع الجزائر ابتداء من اليوم الاثنين    مؤتمراتحاد عمال الساقية الحمراء ووادي الذهب: التأكيد على مواصلة النضال لتحقيق الأهداف المشروعة للشعب الصحراوي    غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 51240 شهيدا و116931 جريحا    سلاح صهيوني جديد في حرب الإبادة    سِباق مثير بين المولودية وبلوزداد    ثلوج مُرتقبة    تسخير تسعة موانئ لاستقبال سفن الأضاحي المستوردة    شباب يرفضون العمل بأعذار واهية    الطبخ الجزائري يأسر عشاق التذوّق    حسن الجوار.. علاقة تلاشت مع الزمن    قسنطينة : اختتام الطبعة 14 للمهرجان الثقافي الوطني للشعر النسوي    موضوع ندوة علميّة : إبراز جهود جمعيّة العلماء المسلمين في النّهوض بالمرأة والأمّة    توثيق جديد للفهد "أماياس" بشمال الحظيرة الثقافية للأهقار    استشهاد 4 فلسطينيين بالنصيرات وخان يونس بغزة    الجزائر ستقود بجدارة جهود القارة ضد التضليل الإعلامي "    سقوط ثلوج وأمطار رعدية غزيرة    تخفيض سنّ تقاعد المعلّمين وتوحيد سعر الأضاحي    توبة يوجه رسالة قوية للاعبين مزدوجي الجنسية    مانشستر سيتي يريد مازة بديلا لكيفين دي بروين    إدارة مولودية الجزائر تندد    المجلس الشعبي الوطني يضبط برنامج أشغاله    شايب يلتقي مع أفراد الجالية الجزائرية المقيمة ببلجيكا ولوكسمبورغ    السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات تصدر مجلتها    عين تموشنت تتوقع جمع 442 ألف قنطار من المحاصيل الكبرى    نرحّب بكل مبادرة تضمن للشعب الصحراوي الحقّ في تقرير المصير    تقطير الزهور.. عبق الأصالة في زحمة النسيان    حذار من التجارة عبر الأنترنت    15 موقعا لاحتضان مهرجان العاصمة للرياضات    استنكار رسو "سفن الإبادة" الصهيونية بموانئ المملكة    توعية النواب حول مخاطر اختراق الهواتف النقّالة    توقعات بجني 2.5 مليون قنطار من الطماطم الصناعية بقالمة    انطلاق تظاهرة شهر التراث    بالله يا حمامي" و"باتا باتا" تجمعان شعوباً عبر الموسيقى    على الخشبة نلتقي" بقسنطينة    صادي يجتمع بالحكام    زيت زيتون ميلة يتألّق    التحوّل الرقمي وسيلة لتحقيق دمقرطة الثقافة    هذه مقاصد سورة النازعات ..    المنتخب الوطني لأقل من 17 سنة: برمجة عدة تربصات انتقائية جهوية عبر 3 مناطق من الوطن    البطولة الولائية للكاراتي دو أواسط وأكابر بوهران: تألق عناصر ساموراي بطيوة وأولمبيك الباهية    برنامج ثري ومتنوع للاحتفاء بشهر التراث    مسيرة الحرية بمدينة"تولوز" الفرنسية    سايحي: "تطوير مصالح الاستعجالات " أولوية قصوى"    تسهيل وتبسيط الإجراءات أمام الحجّاج الميامين    تقييم أداء مصالح الاستعجالات الطبية: سايحي يعقد اجتماعا مع إطارات الإدارة المركزية    حج 2025: اجتماع اللجنة الدائمة المشتركة متعددة القطاعات    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    التنفيذ الصارم لمخطط عمل المريض    ما هو العذاب الهون؟    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجزء الثاني : الراي الأغنية الجريحة شحن الهامش
نشر في الحوار يوم 20 - 12 - 2016


يسين بوغازي
تراتيل البادية 8
إن أغنية الراي رغم وضوحها التام في السنوات الأخيرة واستحواذها على الكثير من الفضاءات الغنائية والثناء الكبير من منابر الغناء والموسيقي في العالم برمته، رغم كل هذا بقيت كما بدأت أول مرة وكأنها تحاول من جديد أن تصنع كيانا أو تعلو عوالما أو تبني بنيانا جديدا، فهي الأغنية المستمرة دائما في البحث عن التكييف والتجديد.
ولعله جانب مهم من صلابة هذه الأغنية الرايوية كونها لا ترضى أبدا بما وصلت إليه، بل دائما وأبدا تطمح إلى الأحسن وتحلم بما هو جديد ومتاح، و قد غدت أشهر من نار على علم على أنها أغنية الأفراح والحفلات وأغنية الانعتاق من ضغوطات الأيام بموسيقاها الراقصة الإيقاعية وأشعار أغانيها المتأصلة القصيرة، تلك الحاملة للكثير من المعاني والتلميحات.
وأن أهم ميزة أبقت هذه الأغنية طوال عقود مسيرتها كما هي، كونها روح البداوة التي ترفض الانصهار في الآخر، وأن تراتيلها تلك الساكنة متنها الغنائي يتجدد دائما بما هو متأصل تراثي فلا تفارقه أبدا.
لقد بقيت صراخات البادية تسكنها وكأنها مختفية في متنها الموسيقي، ذلك المتفجر ربما، وفى أداءها المسكون بصرامة حناجر نجومها وكأنهم يكلمون الدنيا بالصراخ والآهات الداخلية؟.
بقيت وكأنها ما تزال نفسها تلك الأغنية التي كانت تردد في القفار الشاسعة في تلك السهول الفارغة إلا من الصدى، وهم الرايويين الرواد يصرخون عاليا بتلك الأشعار الشعبية الملهمة من الملحون العظيم، بقيت كما هي لمن يعرفها رغم لبوس العصرنة الذي سكن أنغامها وأشكال أغانيها وألاعيب كثيرة في الصوت بما تتيحه التكنولوجيات الجديدة، لكنها ترى أكثر في وجوه شبابها وأحزانهم بما يلقي من عذابات القول وجرح الكلام.
وبالقدر الذي ألتصق الراي بمورثاته التراثية من ذلك الغرب الوهراني، بالقدر الذي سطعت معه أغنية جديدة ملهمة تخفي الكثير من المعاناة والحزن، فلم تتمكن القوالب العصرية أن تنسي الراي أحزانه وآلامه التي بدأها أول مرة أغنية لأجل عيون المهمشين والحزانى والمغضوب عليهم، فكما طلع متمردا على القواعد الموسيقية ظل كذلك، فقد كان أغنية لا تقبل الضبط أوالسيطرة وأن توضع وفق قوانينهم السولافاجية الضيقة، منذ البدايات أريد له أن يتراجع عن غيّه إلى ساحاتهم طهورهم فرفض واستمر كما أغنية الأزقة الخلفية وشوارع الجوع، وأن الراي الذي بدأ مثلما التراتيل في البادية الوهرانية استطاع الاستمرار والتقدم إلى حلبات موسيقي العالم بعدما أبهر في موطنه الأصلي، فحرك تلك البرك الميتة من العادات والتقاليد التي حاصرته، وتلك الصيغ اللحنية التي لطالما حاولت سجنه أو جرّه إليها، =تلك المسماة بالأغنية الجزائرية والتي كانت ربما تسمى كذلك؟، فجميعهم قد عصفت بهم أغنية الراي بجرة واحدة، فلم تترك خلفها سوى حنينيات أولئك الذين ناصبوها العداء عن رومانسية ماضي ذهب بأفراحه وأقتراحه.
ومضت تتجاوز الحواجز إلى أن حفرت لها مكانا مميزا فيما وراء الحدود، وعادت منه كأروع ما يمكن أن يعود حلم أغنية عربية النطق وعالمية الموسيقى، فقد اكتسح الراي الأنماط العربية الأخرى كالأغنية الشرقية المصرية والخليجية وغيرهما، مما كانتا تحسبان من الآلهة التي لا تمس موسيقيا وغنائيا.
فالراي وحده الناطق بالضاد العربي المدرج على لهجة الأهالي في الغرب الوهراني الجزائري أصبح للعالم، ووحده تمكن من أن يفتك العديد من الاعتبارات والتكريمات والجوائز.
وهو الراي أيضا لطالما انشطر إلى عدة مدارس وانشغالات سنتناولها في هذه الكتابة، فمنه العصري والريتمي والمباشر والتكنوموسيقي، ومنه من بقي أغنية عروبية قاسية، ومنه من أخد أبعاد أغنية راي المهجر وغيره كثير، لكنه بقي هو هو كما أول مرّة متمردا حزينا، فلم يصمد سوى الراي المتأصل والمتشبث بموروثاتها والطالع من الشوارع الوهرانية، فيما جاءت الأشكال الأخرى صور طبق الأصل للراي، فكانت مؤقتة فلم تدم، فلا يبقى في الوادي غير أحجاره؟.
ولعل هذا الفصل الذي حاولنا فيه الاقتراب مما أسميناه ترايتل البادية وهي مختلف الانشغالات التي شكّلت بنية الأغنية من روحها البدوية إلى صيغتها العصرية والأنغام الإيقاعية إلى بقيت كما بدأت طاغية الحضور، والكلمات الشعرية الملحونة القصيرة، وكيف وظّفت عبر العقود والإسقاطات والمؤثرات الذاتية وأحلام الانعتاق بالأغنية على إيقاعات الدربوكة الأولى، تلك المستمدة من فسحة الأغنية البدوية، وما إلى ذلك الاقتراب الذي حوّلته رويدا رويدا، لأن الراي في الحقيقة أغنية وكأنها استجلبت من كوكب آخر؟.
فمن الضروري الحديث عن أغنية الراي كواحدة من التجليات الثقافية في صنفها الغنائي التراثي البدوي المعصرن، أغنية أبقت على روحها الإيقاعية رغم تطور موسيقاها، و التي بقيت تعلى موطنها الأصلي الذي نشأت منه في المحافل واللقاءات العالمية.
أن الراي الذي أصبح اسمه مرافقا بموطنه الجزائر، يقدم علاوة على صورة فن غنائي رائع صورة أخرى حالمة عن موطنه الحالم دوما بما متاح إبداعه في الموسيقي والغناء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.