يبدو واضحا لكل متابع للشأن الثقافي في الجزائر انعكاس الأزمة الاقتصادية "التقشف" على أداء المسرح الوطني والمسارح الجهوية التي يمكن أن تصنف من بين اكبر القنوات الثقافية المستفيدة سابقا من البحبوحة المالية (عهد الوزيرة السابقة خليدة تومي)، وهو ربما ما جعل استيعابها للمعطيات الاقتصادية الجديدة صعبا بعد تراجع الميزانية المخصصة لها من قبل وزارة الثقافة الى خمسين(50) بالمائة، معطيات استوجبت على الوزارة الوصية إعادة النظر في صياغة قوانين جديدة برؤيا جديدة، تبحث ميكانيزمات فعالة ترفع عبء المسارح الجهوية على الوزارة التي أشهرت تخليها عن السياسة القديمة "سياسة ملء الجيوب بالمال العام"، ليصبح التحدي أمام مدراء المسارح الجهوية الذي يصل عددها إلى 17 مسرحا للاستثمار فيما هو متاح وفقا للمعطيات الجديدة التي تستوجب اعادة النظر في سياسة التسيير الحالية التي يراها كل من تحدثنا اليه في هذه الورقة بانها سياسة قديمة فاشلة تستوجب التغيير. * مدير مسرح العلمة الجهوي سفيان عطية: علاقة الوزارة بالمسارح الجهوية لن تنحصر مستقبلا على ضخ المال علينا ألا نقزم ولا أن نضخم أداء المسارح الجهوية سابقا، علينا ان نضع الامور في نصابهابكل موضوعية، المسرح الجزائري سقط سقوطا حرا خلال مرحلة العشرية السوداء، واستطعنا تخطي تلك المرحلة خلال عهدة الوزيرة السابقة خليدة تومي حيث كنا نبحث عن الكم للعودة الى الواجهة وعلى الهياكل القاعدية ايضا للاشتغال، وفعلا المسارح الجهوية قدمت خلال السنوات الفارطة عددا غير مسبوق من الاعمال المسرحية، كما تحصلنا ايضا على الهياكل القاعدية الآن لدينا حوالي 17 مسرحا جهويا وأربعة آخرين في طور الإنجاز، وهذا ما لا نجده في كل الدول العربية وهذا مكسب، أيضا لا يجب أن نغفل أمرا مهما وهو التحاق عدد كبير من الشباب المبدع بالمسرح وهو ايضا مكسب يحسب لنا، ويفرض علينا الانتقال الى مرحلة جديدة في التسيير والتعامل مع الظروف الاقتصادية الجديدة، علينا إعادة صياغة قوانين جديدة تتماشى مع المعطيات الجديدة وتتماشى أيضا مع تطلعات المسرح، يجب أن نهتم بالتكوين لكي نؤسس للكيف، والتفكير في هذا موجود اليوم على أعلى مستوى أي على مستوى الوزارة الوصية التي تفكر جديا في تطوير المسارح من خلال تطوير القانون الذي يحكمها وطريقة تسييرها وتسطير آفاقها المستقبلية. في بعض الأحيان هناك خلل في التسيير لكن دفتر الشروط يضبط أمور التسيير وكل مدراء المسارح الجهوية مجبرون على التعامل به، شخصيا أنا حديث العهد بمنصب مدير مسرح جهوي وهناك كواليس وامور تتجاوزنا كمدراء ولا يمكننا الخوض فيها. هناك في التغيير، لكن يجب أن تعتمد على دراسة علمية إحصائية مختصة من خبراء على مستوى الوزارة الوصية تتحدث عن سياسة جديدة لتسيير المسارح، تحت أي غطاء، كيف يتم التعامل مع المسارح العريقة مثل مسرح قسنطينةووهران مثلا والمسارح الناشئة مثل مسرح العلمة مثلا. وكل هذه الامور يجب ان تقنن، كما أن العمل المطلوب من المسارح في المرحلة القادمة مختلف عن المهام التي قدمها في المرحلة السابقة. تعامل الوزارة مع المسارح سيتغير و لن ينحصر مستقبلا على ضخ الاموال فقط. المطلوب من المسارح مستقبلا أن تكون لها مردودية اقتصادية.
* المستشار السابق في المسرح الوطني نوال إبرهيم: لا نملك أدوات المناجمنت الثقافي في تسيير المسارح والقوانين مازالت اشتراكية في عهدنا الليبيرالي طريقة تسيير المسارح المعتمد حاليا في الجزائر لا تستجيب لتطلعات المثقف الجزائري، لأننا كما قلت في 2002 لا نملك أدوات المانجمنت الثقافي ولا نعاصر وقتنا في التسيير. أيضا ما يقال اليوم عن دفتر الشروط، الذي يرفض الكثير من مدراء المسارح الجهوية التعامل به، يعتبر تهربا واضحا من المسؤولية فكل مسارح العالم لها دفتر شروط تعمل على أساسها إلا الجزائر، كما علينا التخلي عن فكرة إبقاء المدراء لعهدات متتالية على رأس المسارح. فنحن بحاجة إلى مدراء يحملون مشاريع ثقافية وفنية وليس مدراء يسيرون المباني بطريقة ارتجالية، وعليه فعلى الوزارة الوصية أن تشترط في المدير أن يحمل برنامجا ثقافيا واضحا وأن يملك قبله "ريبرتوار ثري؛. وباعتباري ناقدا ومختصا في المناجمنت الثقافي لا أستطيع بصراحة ان أقبل المنهج المعتمد حاليا في تسيير المسارح الجهوية، والذي عبارة عن نصوص سطرت في سبعينيات القرن الماضي، ولم نراجعها ولم نحينها من ناحية أدوات التسيير لتتواكب مع متطلبات العصر التي نعيشها الاقتصادية المتفتحة اليبيرالية، ففي سبعينيات القرن الماضي كنا في عهد اشتراكي اليوم تغيرت المعطيات وعلينا تطوير أدواتنا. من ناحية أخرى فيما يخص الجانب التنظيمي، درست منذ مدة تقريرا تم تحريره من قبل بعثة اليونيسكو خلال زيارتها الى الجزائر منذ ازيد من 15 عاما، والذي تضمن توصيات بضرورة تطويل أدواتنا التنظيمية لم نطبق منها شيئا والوثيقة اليوم بحوزتي. ثم ما دور المجالس الادارية في المسارح وهناك الوزارة الوصية التي يمكنها ان تراقب تلك المسارح من الناحية المالية والتنظيمة وحتى الوظيفة الاجتماعية والتربوية للمسارح. ايضا هناك نقطة مهمة تتعلق بالموارد البشرية، فمنذ سنوات ونحن نطالب بتكوين الشباب المسيرين للثقافة المسرحية، لكننا لم نحصل على شيء، وشخصيا سعيد بما سمعته عن التدابير التسييرية الجديدة التي تفكر فيها الوزارة والمتعلقة بتحديد دفتر الشروط وأيضا تحديد عهدة مدراء المسارح التي يجب ان تحدد بمدة زمنية وبمردودية ليست اقتصادية وإنما ثقافية اجتماعية تربوية لان وظيفة المسرح ذات بعد تربوي اجتماعي ثقافي على اعتبار انه فضاء ليس متعددا بل هو فضاء ديداكي كما أراده مؤسس المسرح الجزائري مصطفى كاتب.
* المخرج المسرحي هارون الكيلاني: المسرحيون فشلوا في تسيير المسارح الجهوية كما فشل الإداري أو أكثر قضية تسيير المسارح الجهوية هي قضية ذات أبواب كثيرة وغير واضحة في الجزائر، يمكن وصفها بالمتاهة كلما أخذنا الأمور من خيط تراءت لنا خيوط أخرى، في العديد من الدول الاوروبية كل المسارح سيرت من قبل أشخاص من خارج البلد يعني اجانب مثلا بيتر بوك اوغروتوفسكي وآخرين.. تم استدعاؤهم من قبل دول أخرى وسيروا مسارحها ..في الوقت الذي نجهل فيه نحن في الجزائر من هو مسير المسارح ومن هو المسؤول عن المال والبرمجة والأمور التنظيمية .. الوزارة ذهبت لخيار مشروع المسرحي الذي يسير المسرح وهو الرجل الذي من المفروض لديه رؤيا وبرنامج ليحقق نتائج واضحة على مدى بضع سنوات، لكن في الجزائر للاسف مع ان الوزارة اعطت هذه المسؤولية للمسرحيين لكنهم فشلوا كما فشل الاداري أو أكثر. كما أشير في ذات السياق بان هناك فاصلة تغيب في اغلب الاحيان عن الكثيرين وهي منصب المدير الفني للمسرح هذا الموقع الذي لا يشتغل شيئا في المسارح الجزائرية هو فقط يشكل همزة وصل بين المدير والفنانين وهذا مشكل كبير. وشخصيا لا أرى لهذا المنصب إعرابا في تسيير المسارح الجهوية. وبكل صراحة يمكن اليوم ان نقول بأن المسارح الجهوية تتخبط بين إرادة التجربة الجديدة والنوم على التجارب القديمة الروتينية التي تحصر نفسها في برنامج الوزارة وكفى، وأقولها ببساطة المسارح في الجزائر اليوم تتجه لعقلية الانتخابات لا يهمها إلا عدد الجمهور الذي يدخل قاعات العرض حتى تحولت كل المسرحيات المقدمة الى هزل وكوميديا فارغة تذبح المتلقي ولا تقدمه له شيئا على المستوى الفكري وبهذا قتلنا الجمهور بايدينا، نحن لا نريد أن نملأ المسرح بقدر ما نريد أن نملأ العقول. ……………………………………………….. * قال بأن السياسي حقق أهدافه سابقا وعلى الفنان أن يحقق أهدافه اليوم المدير الفني للمسرح الوطني جمال قرمي ل"الحوار" : في عهد البحبوحة كان المال حاضرا والمشروع المسرحي غائبا أكد المدير الفني على مستوى المسرح الوطني محي الدين باشترزي، والمخرج المسرحي جمال قرمي في تصريح له على هامش مشاركته ضمن فعاليات المهرجان العربي للمسرح في وهران، بان المسارح الجهوية تشهد اليوم حالة سقوط حر على مستوى ميزانياتها وهو ما يجبر المسيرين اليوم على ضرورة التفكير في الاستثمار فيما هو متاح لهم من موارد بشرية ومادية، مؤكدا بان السياسي الذي حقق اهدافه خلال سنوات البحبوحة من خلال جر الفنان الى تقديم اعمال تهتم بالكم وليس بالكيف قد تخلى اليوم على المسرح ليكون على المسرحي وحده النهوض بالفعل الفني المسرحي وتقديمه بوجه مغاير جاد وابداعي، من شانه ان يصحح المسار الخاطي الذي تبناه في عهد البحبوحة المالية.
* أثار التصريح الأخير لمدير المسرح الوطني "محمد يحياوي" بخصوص بحث الوزارة في إعادة صياغة قانون تسيير المسارح الجهوية، حالة من الخوف بين مسيري المسارح،كيف ترى الأمور من منصبك كمدير فني بالمسرح الوطني؟ – المسارح الجهوية مرت على مرحلتين، مرحلة البحبوحة المالية، والذي غلب عليه طابع التسيير الآني والظرفي، والمرحلة الحالية التي تشهد سقوطا حرا بتراجع الميزانية المخصصة لها من قبل الوزارة الوصية. لذلك أظن أن المسارح الحالية وخاصة المسرح الوطني محي الدين باشطارزي هناك تفكير وعمل لاعادة النظر في طريقة تسييره بشكل اخر لا يركز فقط على الانتاج المسرحي بل من خلال فتح فضاءات ثقافية جديدة خلقنا من خلالها منابر تضمن تواصلنا مع الجمهور وتضمن ايضا إعادة الجمهور إلى المسرح، أيضا نحن اليوم نبحث في إيجاد سبل جديدة لخلق فرق داخل المؤسسة المسرحية التي من شأنها أن تؤسس لصناعة مسرحية من خلال الاستثمار في الموارد البشرية، عندنا موظفون وعندنا أيضا أرشيف نصوص وأرشيف ملابس مسرحيات قديمة وديكورات قديمة يمكن الاستثمار فيها بغض النظر عن الدعم الذي يقدم من قبل وزارة الثقافة.
* المسرح الوطني والمسارح الجهوية لم تقدم المطلوب منها خلال سنوات البحبوحة المالية في رأيك هل يمكنها اليوم أن تقدم المتميز في عهد التقشف؟ – في وقت البحبوحة المالية، كانت هناك أموال لكن في المقابل انعدام استراتيجية قائمة بذاتها، وايضا كان هناك غياب تام لمسرح فني مسرحي يجيب على سؤال: ماذا نزيد ان نصنع لرجل الغد؟ هل بالاموال نصنع "مسرح" أم بانعدام الاموال يمكن ان نصنع "مسرح"؟ . أظن ان سياسة التقشف ستكون نعمة لانها ستجبرنا على التفكير في ايجاد الجلول وايجاد البديل واننا نسطر مشروعا واضحا وجادا، سابقا كنا ننتج من اجل الانتاج والفنان مغلوب على امره يقبل باي شيء لان امره كان في يد السياسي والاداري، السياسي حقق هدفه في عهد البحبوحة وعلى الفنان أن يحقق اهدافه اليوم في عهد التقشف. حاورته: خيرة بوعمرة