تمر أغلب المسارح الجهوية في الجزائر بحالة من اليأس والصدمة نظرا للقرار الأخير الذي اتخذته وزارة الثقافة والقاضي بتقليص ميزانية المسارح بنسبة تفوق الخمسين بالمئة، ما جعل عمال المسارح من تقنيين وفنانين يدخلون في دوامة من الخوف خصوصا وأن بعض هذه المسارح لا يمكنها حتى ضمان الأجور الشهرية لبقية السنة. "المصائب لا تأتي فرادى" مثل ينطلق تماما على ما يعيشه المسرح الجزائري، فبعد الأخبار التي راجت مؤخرا عن إلغاء مهرجان قالمة وسيدي بلعباس والتي تعتبر التصفيات المحلية المؤهلة للمهرجان الوطني للمسرح المحترف، هذا الأخير ولحد كتابة هذه الأسطر، لم يتم تحديد تاريخ تنظيمه فبعد أن كان من المقرر إقامته نهاية شهر ماي الماضي، تم تأجيله بسبب إعادة النظر في خارطة المهرجانات، ورغم تداول خبر تنظيم المهرجان بداية شهر أكتوبر القادم إلا أن الأمور لا تبشر بالخير، خصوصا مع الحالة التي تعيشها أغلب المسارح الجهوية في الجزائر، ناهيك عن رواج اشاعة تقليص ميزانية المهرجان الوطني للمسرح المحترف، وهو الخبر الذي علمته "الفجر" من مصادر من داخل محافظة المهرجان. وحسب نفس المصدر فان الميزانية المخصصة للمهرجان من المستحيل أن تكفي لتغطية تكاليف المهرجان الذي يعد أكبر لقاء للمسرحيين في الجزائر. المسرح في الجزائر مازال يتخبط في ظروف سياسية منذ الاستقلال، ماعدا تلك الفرق الحرة التي حاولت الانفصال والاستقلالية عن مؤسسات الدولة، وبداية المبادرة كانت من طرف علولة ثم القلعة، وغيرها التي سعت لخلق تعاونيات، غير أنها بقيت غير معترف بها قانونيا لغاية اليوم، رغم أن الوزارة في وقت خليدة تومي حاولت إعطاء وثيقة شبه اعتماد للفرق الحرة لكي يتسنى لها الحصول علي برمجة، وأصبحت بعد ذلك نقمة على التعاونيات التي لم تتحصل عليها ولن تتحصل عليها، وذلك بقرار لفظي ارتجالي بعدم تقديمها. ويبقى الارتجال سيد الموقف في تأسيس وإلغاء المهرجانات في الجزائر، وهذا كله نتاج لعدم وجود استراتيجية ثقافية في مجتمع يخضع ويسير حسب الأهواء، ناهيك أن المناسباتية ومنذ 2006 استنزفت المال العام في إطار تسويق صورة الجزائر في المجتمع الدولي، لذلك تم خلق مهرجانات بموجب مرسوم وقانون يحميها من الزوال، ولكن ها هي الأمور تنقلب الآن، فحتى المكاسب المحققة من خلال مهرجانات المسرح بدأت تتراجع، فمهرجانا ڤالمة وسيدي بلعباس موعدان للتلاقي وتبادل الأفكار بين الجمعيات والتعاونيات، خصوصا مع افتقاد الأماكن ما عدا المهرجانات التي تجمع لم شمل الفنانين، كما أن النهضة المسرحية آتية من طرف المسرح الحر، وحقيقة إلغاء مهرجان سيدي بلعباس وڤالمة لا يخدم المهرجان الوطني للمسرح المحترف، لذا يجب إعادة تنظيم وتسيير المهرجانات بفكر أوسع، ويجب على الفنانين الحقيقيين أن يقتربوا من بعضهم البعض. إن المساس بالمسرح هو مساس بمشروع حر في هذا الوطن، فوزارة الثقافة من جهة تقول لا تقشف في الثقافة ومن جهة أخرى تتعدى على مكاسب هرم رجالات المسرح من أجل التأسيس لها بداعي التقشف، فالمسرح هو مكسب للمبدع والفنان وفضاء مفتوح يحتاجه المبدعون في كل أشكال وأنواع الثقافة بصفة عامة، كما أن المسرح لم يقم اعتباطا أو بصفة لتبذير المال أو لحاجة سيئة، بل بأهداف محددة وبعيدة، كما أن مهرجانات المسرح متنفس للفنانين وموعد للقاء ومشاهدة الأعمال المسرحية. المهرجانات الخاصة بالمسرح تبقى لحد اليوم بدون تواريخ مضبوطة ما يجعلها تسير في نفق مظلم، في وقت كان الأجدر أن ترتقي إلى التطور الفعلي في الرؤية المستقبلية للأشياء، وكان الأجدر أيضا أن تبقى مكسبا لا يمكن الاستغناء عنه، ولكن سياسة الارتجال في البحبوحة، ثم مراجعة الأمر في عز سياسة التقشف فعل يجب الوقوف عليه، لذا لا يمكن أن نتقشف على المسرح دون سبب ملموس ومدروس. يعد المسرح جامعا لكل الإبداعات التي اثبتت وجودها بالبحث والتميز والمثابرة التي تبقى منبرا للبحث والإبداع، رغم أنها تتخبط في عالمها، والآن مع تقليص ميزانية المسارح، فإن الدلة وعوض أن تحمي المواهب، تريد إلغاءها. الظاهر أن المكاسب التي حققتها الثقافة في العشر سنوات الأخيرة في المسرح، من خلال دعم الجمعيات والمسارح بصفة مستمرة، كل هذه المكاسب في طريق الزوال، ما يستدعي مراجعة الموقف من طرف وزير الثقافة عز الدين ميهوبي.