– الإعلام في الجزائر لم يعد سلطة رابعة مؤثرة تحدث الإعلامي محمد بلعليا، عن تجربته في الميدان الإعلامي وانطلاقته الأولى من جريدة "الحوار" التي مهّدت له طريق الوصول إلى كبريات الجرائد الوطنية والقنوات، يروي لنا شغفه بالكتابة الصحفية وحرصه على الاحتكاك بقامات إعلامية كبيرة خلال مسيرته التي يراها في البداية. وعن واقع الإعلام في الجزائر، يرى بلعليا أن التفاؤل مطلوب حتى وإن واجهتنا بعض الصعوبات، معترفا بأن المستقبل سيكون للصحافة الإلكترونية، وعلينا الإسراع في التأقلم معه، وإلا سنكون أمام انفلات معلوماتي خطير. *كيف كانت الانطلاقة الأولى للإعلامي محمد بلعليا في الصحافة وبمن احتك؟، وهل استطاع تحقيق ما كان يطمح إليه؟ – في البداية أشكر يومية "الحوار" على منحها لي هذه الفرصة، وعلى احتكاكها الدائم بالزملاء الإعلاميين، لا سيما وأن صفحتها "ميديا" تحظى باهتمام كبير من القراء والصحفيين. لا أخفيكم سرا أنني كنت مولعا بعالم الصحافة منذ الصغر، فكنت أتابع بشكل كبير الصحف الجزائرية التي انطلقت بداية التسعينيات، فرغم حداثة سني إلا أنني كنت أقتني الصحف وأطلع عليها بشكل يومي، وكنت حينها من قراء يومية "الخبر". حب الإطلاع على الصحف ولّد في نفسي رغبة جامحة في ولوج عالم الصحافة رغم أنني كنت علمي التخصص، وحين انتهائي من دراساتي الجامعية لم أطرق أي باب للعمل سوى باب الصحافة، وكانت بدايتي الفعلية حين التحقت بجريدة "الحوار"، وحينها استقبلني الأستاذ ناصر الدين قاسم، الذي أكن له كل التقدير. عملت في جريدة "الحوار" في القسم السياسي، الذي كان يشرف عليه الزميل فيصل صاولي، وفي وقت وجيز بدأت آخذ حيزا في الجريدة بين الدكتور عبد الرحمن طيبي والإعلامي إسماعيل فلاح والأستاذ محمد لخضاري المعروف إعلاميا بإسحاق ميمون وغيرهم، وهم الذين احتككت بهم كثيرا واستفدت من تجاربهم، وكان الأستاذ ناصر الدين قاسم يتابع ما أكتب باهتمام كبير، وكان غالبا ما يستدعيني إلى مكتبه لإعطائي توجيهات حول كتاباتي. ومن أبرز التجارب التي لن أنساها والتي استفدت منها كثيرا، هو التحاقي بجريدة "الخبر الأسبوعي" وعملي برفقة أخي كمال زايت الذي كان رئيسا للتحرير حينها، كانت تجربة رائعة جدا احتككت فيها بصحفيين من الطراز العالي، أمثال علي رحايلية، فيصل مطاوي، كمال منصاري، فتيحة زماموش وغيرهم. أذكر أننا كنا نكتب تحت ضغط متابعة كبيرة وفريدة من نوعها من قبل القراء، وأكثرهم كانوا من المثقفين والسياسيين، فكنا مطالبين برفع مستوى كتاباتنا، وكان كل عدد جديد من "الخبر الأسبوعي" يترك جدلا ونقاشا واسعا بين الجزائريين، لا سيما وأننا حينها كسرنا كل الطابوهات، وأقصد بالطابوهات تلك المتعلقة بالثورة التحريرية والجنرالات وكبار السياسيين وقادة النظام والوزراء، ولا أقصد بطابوهات الاغتصاب … فمثلا كانت هواتفنا لا تتوقف عن الرنين للسؤال من التالي في سلسلة كشف ملفات الفساد التي لم يجرأ أحد على تفجيرها من قبل ولا من بعد .. وبقيت عناوين "الخبر الأسبوعي" تجول وتصول إلى اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي، لكن جرأتنا وموضوعيتنا كانتا وراء توقيف هذه التجربة الرائعة، لألتحق بعدها بالموقع الإخباري "كل شيئ عن الجزائر"، وهي تجربة أخرى تعلمت منها الكثير، كما كانت لي تجارب أخرى ليست بالطويلة لكنها أكسبتني خبرة، منها إشرافي على هيئة تحرير أسبوعية "المحور"، مع الزميل أيدير دحماني، والفقيد نذير بن سبع، رحمه الله، كما ساهمت في إطلاق يومية الاتحاد، وعملت رئيسا للتحرير في قناة "النهار"، وهي فرصة أتاحت لي التعرف على خبايا السمعي البصري في الجزائر التي لا تزال فتية وينتظر منها الكثير.
*هل يمكن للإعلاميين الشباب أن يتفاءلوا بمستقبل واعد للصحافة في الجزائر بعد فتح قطاع السمعي البصري؟ -الجزائر تأخرت كثيرا في فتح مجال السمعي البصري، بسبب خوف صناع القرار من "بعبع" الإعلام، وإطلاقه كان أمرا حتميا لا مفر منه، فالهجمة الشرسة من الإعلام المصري الثقيل بعد لقاء الخضر بنظيره المصري، حتمت على السلطة الرضوخ إلى عجلة التطور ومواكبة العصر، لكن وللأسف التجربة اصطدمت بواقع صعب، فلم تنجح إلا أربع قنوات هي "النهار" و"الشروق" و"البلاد" و"الجزائرية"، في حين كان شح المداخيل وراء غلق قنوات من جهة وتعجرف مسؤولين في سلطة وراء التضييق على أخرى.. لكن مع هذا الواقع المر الذي نشهده ورغم فتوة تجربة السمعي البصري إلا أن نجاح صحفيين شباب وعطاؤهم المتواصل ينبئ بالأحسن ويمكن التفاؤل بتطوره، وهو مرهون بمدى إصرار الصحفيين، وما أقوله لهم لا تنتظروا من السلطة شيئا، بل عليكم بالمثابرة والعمل.
*ماذا ينقص الإعلام في الجزائر حتى يصل إلى الاحترافية؟ -أعتقد أن الإعلام في الجزائر لم يعد سلطة رابعة مؤثرة .. بل هو أداة في يد السلطة تفعل به ما تشاء ووقت ما تشاء، وهو أمر قد يمنعنا من الحديث عن الاحترافية التي لا تزال بعيدة المنال، فالصحفي أو مالك وسيلة الإعلام الذي ينتظر مكالمة من مسؤول ما ليتطرق لواقع معين أو يمتنع عن الخوض في مشاكل الفقراء إرضاء لمن يقفون وراءه أمر مؤسف جدا .. والصحفي الذي يفكر في المساء أين يقضي ليله أو يخشى جوع أولاده عند قوله الحقيقة أمر يحول دون الاقتراب حتى من الاحترافية. أتأسف حين أجد صحفيين شباب يفكرون في الهجرة هروبا من واقع الإعلام في الجزائر .. أضف إلى هذا فإن الصحفيين لا سيما الشباب يفتقدون إلى التكوين في ظل غياب مراكز تكوين مرموقة، وغياب طاقات بشرية مؤهلة لتكوينهم. أعتقد أن ما ينقص الإعلام الجزائري للوصول إلى الاحترافية هو تحرير قطاع الإشهار وتحسين وضع الصحفيين "المحقورين" وضمان حرية التعبير بإخراجه من اللعبة السياسية.
*يقال إن المستقبل سيكون للصحافة الإلكترونية، هل توافق على ذلك، أم أنك ترى أن الطريق لا يزال في بدايته؟ -العالم يتطور من حولنا بشكل كبير جدا، وهو ما يحتم علينا مواكبته، فالصحافة الإلكترونية فرضتها هذه الثورة الهائلة في التكنولوجيا، وفي حال غياب الصحافة الإلكترونية فإننا نمنح صكا من بياض للنشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي في نقل ما يشاؤون، وحينها فإن المجال سيكون مفتوحا على كل الاحتمالات السلبية، فالصحافة الإلكترونية ستكون موجهة لهذه "السيول " من المعلومات على مواقع التواصل الاجتماعي. الجميع يتذكر أن ما يعرف بالربيع العربي ساهمت في إثارته مواقع التواصل الاجتماعي، وإفشال انقلاب تركيا بفضل التكنولوجيا .. إذا فالمستقبل للصحافة الإلكترونية بات أمرا واقعا ملموسا ومشهودا، وعلينا الإسراع في التأقلم معه ،وإلا سنكون أمام انفلات معلوماتي خطير.
*رغم الانتقادات تبقى "النهار تي في" الوجهة الأولى للمواطن الجزائري في تلقي الخبر، كيف تقيّمون تجربة "النهار" كأول قناة إخبارية؟ -استهلاك المعلومة هو تماما مثل استهلاك الطعام، فإذا لم تنتج ما تستهلكه ستجد نفسك مجبرا على استيراده من الخارج، هو ما وقع للجزائريين قبل فتح السمعي البصري، فكان الجزائريون مجبرين على التنقل من قناة إلى أخرى، وحين انطلقت القنوات الجزائرية على اختلافها وتنوعها وجد الجزائريون متنفسا لهم يغنيهم عن "استيراد" المعلومة. قناة "النهار" كانت لها تجربة مميزة في نقل الأخبار ومعالجتها ومنحها الحيز الأبرز من خلال "الساعات الإخبارية"، وهي مثال مصغر عن عزيمة الشباب الجزائريين الذين يعملون تحت ضغط كبير ولساعات طويلة، دون نسيان عطاء بقية القنوات الأخرى ك"الشروق" و"البلاد" و"الجزائرية".
*ما رأيك فيما تقدمه جريدة "الحوار" اليوم لقرائها، بما أنك كنت أحد أبنائها وعايشت جزءا من مسيرتها؟ أفخر كثيرا بانتمائي لهذه الجريدة، وأعتقد أنها تقدم محتوى هادفا يمكن لطاقمها أن يفخر به، لا سيما من خلال منتدياتها الأسبوعية، التي تسهرون على تنظيمها بضيوف من وزن ثقيل وإثارة ملفات مهمة، وأعتقد أنها ضرورية في هذا الوقت الذي يجب على الصحافة المكتوبة أن تتحول فيه إلى منارات للنقاش الراقي، ولا ضير في هذا إن علمنا أن إعلاميا مرموقا بحجم محمد يعقوبي يقف وراءها. حاورته: سهام حواس