تحدث الصحفي و رئيس تحرير الأخبار بقناة الخبر كاي بي سي رياض هويلي، في حديث مع "الحوار"، عن أهمية الصحافة المكتوبة في الارتقاء بمستوى الصحفي خاصة أمام سطحية القنوات التلفزيونية، مشددا على ضرورة رفع احتكار السلطة للإشهار وترك المجال لأصحاب المهنة على المتطفلين، كما كشف عن أسباب إبانة قناة "الأطلس" على إمكانيات واحترافية كبيرة في فترة وجيزة، موضحا أسباب غلقها.
* بداية حدثنا عن تجربتك الإعلامية؟
بادئ ذي بدء اسمح لي أن أوجه تحياتي لطاقم جريدة "الحوار" لفتحهم فضاءات الحوار بما يخدم المشهد الإعلامي، أما بخصوص تجربتي الإعلامية فهي متواضعة جدا مقارنة بأساتذتي الذين رضعن أخلاقيات وآداب الصحافة من حبرهم وهم كثر. بداياتي كانت من تربص بالتلفزيون الجزائري في عهد مدير الأخبار احمد ابراهيم وعبد الحق صداح، وقد كنت تحت إشراف الصحفية القديرة أنذاك ومقدمة الأخبار نصيرة مزهود وصحفيين آخرين لم يبخلوا علينا بالنصح والتوجيه، بعدها خضت تجربة أخرى في الصحافة المكتوبة في جريدة الشعب العريقة، حيث اكتشفت هناك متعة الكتابة وقوة الخبر وقيمة الصحفي ولأن الصحيفة كانت عمومية فقد بدأت أبحث عن مكان أرحب للكتابة، حيث التحقت مطلع عام 2000 بأسبوعية الجزائر الجديدة رفقة الكاتب الصحفي صغير سلام وسعيد مقدم وعبد النور بوخمخم وعبد الوهاب بوكروح ونور الدين مراح وسعد ساعد لأنتقل بعدها إلى جريدة الأحداث تحت إشراف الصحفي هابت حناشي والتي قضيت فيها 8 سنوات، حيث كانت تجربة غنية من أبرزها خوض غمار كتابة العمود واستكملتها هناك بتجربة رئاسة التحرير لما يفوق الأربع سنوات إلى أن غادرت عام 2009، حيث أعدت رفقة بعض الأصدقاء بعث صحيفة يومية الحياة العربية التي تشرفت برئاسة تحريرها، بعدها انتقلت إلى تجربة أخرى لا تقل أهمية وهي الصحافة الحزبية ممثلة في جريدة صوت الأحرار، لأنتقل فيما بعد عام 2012 إلى تلفزيون "الشروق" في بداياته الأولى لأكون واحدا من الفريق الذي أعد وأطلق البرنامج الكبير "هنا الجزائر" رفقة الزميلة ليلى بوزيدي، بعدها انتقلت إلى قناة الأطلس من موقع رئيس تحرير مركزي، إلى غاية الالتحاق بقناة الخبر كاي بي سي قبل انطلاقها بحوالي أربعة أشهر كاملة، فقط إن هذه التجربة البسيطة التي كانت غنية بحضور ملتقيات وطنية ودولية، تخللها أيضا مساهمتي في تنظيم الصحفيين وتأطيرهم في الفيدرالية الوطنية للصحافيين الجزائريين والتي جمدت من قبل الاتحاد العام للعمال الجزائريين.
* بحكم خبرتك في الصحافة المكتوبة بماذا أفادتك هذه الأخيرة في التلفزيون، وما تقييمك لتجربة "الحوار" الفتية؟
الصحافة المكتوبة مدرسة، لأنها تقوم على المبادرة، تمكن الصحفي من التحرك في كل الاتجاهات، والغوص في أعماق الملفات والتسلل إلى دهاليز المؤسسات، وتشكيل شبكة من العلاقات والمصادر، لذلك أعتقد أنها كانت بالنسبة لي أرضية صلبة للتعامل مع الأحداث، ورصيد مهني قوي في القنوات التلفزيونية التي تعتمد على السطحية، أما تجربة الحوار، فأعتقد أنها قد تشكل لبنة جديدة في مسار التجربة الإعلامية التي يقودها أبناء القطاع. وفي رأيي أن المرحلة المقبلة ستشهد زوال الصحافة التجارية وبقاء وصمود الصحافة المهنية التي يقودها أبناء المهنة، ومنهم "الحوار".
* يشهد القطاع الإعلامي انطلاق العديد من القنوات التلفزيونية، ما تقييمك لهذا المشهد؟
المشهد الإعلامي اليوم معقد وغامض، بل يكاد يكون محفوفا بالمخاطر، سواء من الناحية التنظيمية أومن ناحية الممارسة أوالواقع المهني الذي يسير بسرعة نحو التخلي عن أخلاقيات المهنة وميثاقها، ذلك لأن هذه السلطة تمنعك من الدخول عبر الباب لكنها لا تمانع أن قفزت عبر الحائط، إنها سلطة لا تؤمن إلا بالأمر الواقع، أولا هذه القنوات ليست جزائرية الجنسية وإن كان محتواها كذلك. وبحكم الأمر الواقع ورفض السلطات لأي انفتاح طبيعي، فقد قفزت هذه القنوات عبر الحائط ولم تدخل من الباب، إلا أنها تمكنت من تغيير المعادلة الإعلامية في البلاد رغم قلة التجربة وضعف الإمكانيات، ونقص التأطير وغياب الإطار القانوني، فتجربة القنوات الخاصة مكنت من لم يسمع صوته منذ الاستقلال من سماعه، ومكنت نقاط الظل والتهميش في القرى والمداشر من رؤية انشغالاتهم في نشرات الأخبار، وأضحت المنابر الإعلامية المتاحة مفتوحة أمام المعارضين والممنوعين من الكلام في التلفزيون الرسمي، أما من الناحية الاقتصادية، فقد وفرت هذه القنوات عشرات المناصب للصحفيين الشباب وتقنيين، وسائقين وإداريين، وحركت وكالات الإنتاج، إذن التجربة مهمة، علينا المواصلة مع النضال والضغط على السلطات من أجل الإفراج عن النصوص التطبيقية لقانون السمعي البصري قصد تأطير التجربة وحمايتها والانتقال إلى المرحلة الثانية المتعلقة بالاحترافية والنوعية.
* على ذكر هذا الكم من القنوات والتهافت نحو السمعي البصري، هل هذا يستولي على الصحافة الورقية والمطبوعات؟
التهافت على السمعي البصري شيء طبيعي وعادي بعد غلق للمجال فاق الخمسين سنة، فطموح الصحفيين وسعيهم للارتقاء وتحسين مستواهم المهني والاجتماعي والرغبة في خوض تجربة جديدة والمساهمة في التأسيس للانفتاح في السمعي البصري، جعلتهم يتهافتون – كما قلت -على القنوات الناشئة، لكن دعيني أقول لك: القنوات لا تلغي الصحافة الورقية، فلكل خصائصه ومتعته، فكم من قناة تلفزيونية عالمية تعتمد على جرائد كمصدر خبر والعكس صحيح، فالدول المتطورة والتي تجربتها كبيرة في مجال الإعلام تقوم فيها الصحافة بكل أطيافها على التكامل.
* في رأيك هل هناك حظوظ لرجوع الصحافة المكتوبة إلى مكانتها أمام هذه التعددية الإعلامية؟
الصحافة المكتوبة ما تزال في مكانها، ومشكلتها ليست في بروز قنوات تلفزيونية خاصة، إنما مشكلتها في المحيط السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي تتحرك فيه، فعندما تحتكر السلطة الإشهار العمومي ثم تغرق المشهد الإعلامي وتميعه بمئات العناوين إلى درجة أن قهواجيا مع احترامنا "للقهواجية الحقانية" يملك جريدة ويأخذ إشهارا عموميا، وعندما نرخص لمقاول بامتلاك جريدة ونائب في البرلمان وابن رئيس حزب….ونمنع الصحفيين من الحصول على الاعتماد أولا وعلى الدعم ثانيا، فهنا النية مبيتة لتحطيم الصحافة وإخراجها من إطارها المهني إلى الإطار التجاري الذي تغيب فيه الأخلاق والقيم، لذا ليس القنوات الخاصة من يشكل تهديدا للصحافة المكتوبة، إنما السلطة السياسية التي ترفض أي سلطة موازية تراقب أعمالها وتتبع حركاتها.
* من هي الأقلام التي يراها هويلي أنها تستحق القراءة وفي نظرك من تراه مقنعا من مقدمي البرامج ؟
هناك الكثير من الأقلام التي تستحق القراءة سواء من الجيل القديم أوالجديد، أنا من قراء الأستاذ سعد بوعقبة، عابد شارف، احميدة العياشي، نجيب بلحيمر، معمر فراح ، أما بالنسبة لمقدمي البرامج، فأنا أحاول أن أتابع كل البرامج والحكم عليها مازال بعيدا لأن التجربة فتية والتقييم سابق لأوانه.
* كنت من طاقم قناة "الأطلس" والتي تفوقت على باقي القنوات في انطلاقتها وفي فترة قصيرة، هل هذا يعتبر تفوقا للإعلام الحزبي على الحر؟
أولا، قناة الأطلس لم تكن قناة حزبية على الإطلاق، فقط بعض إطاراتها ينتمون إلى حزب مجهري لا أثر له في الميدان كما تعرفين، وسر نجاحها هو تسييرها من قبل الصحفيين، فإشراف ليلى بوزيدي التي ألقت بخبرتها في السمعي البصري، وتجربتي في إدارة غرف الأخبار حيث كنت رئيس تحرير مركزي، وبعض الصحفيين الآخرين، تمكنا من فرض أصول المهنة والارتقاء بها في ظرف وجيز، وكسبنا جمهورا واسعا في الجزائر وخارج الجزائر.
* على ذكرك لانتماء بعض إطاراتها إلى حزب سياسي، هل فرضت هذه التجربة على رياض هويلي أن يتحول من صحفي إلى مناضل سياسي ؟
لا لا أبدا، رياض هويلي صحفي والفريق الذي عمل معي في قناة "الأطلس" صحفي مائة بالمائة، صحيح أننا نتنفس السياسة ونشمها ونمارسها من خلال التعاطي مع انشغالات الناس، مع طموحاتهم، مع ملفات عامة، ناهيك عن قضايا السلطة والحكم، والخوض في مسائل الحكومة والنظام، وهذا ما يجعل الفرق بين الصحفي والسياسي مجرد شعرة رفيعة.
* الكل يجزم أن الأسباب الحقيقية وراء غلق قناة "الأطلس" هي أسباب سياسية، هل يمكن اعتبار مضمون البرامج الساخرة والمعارضة للسلطة تجاوزا لأخلاقيات المهنة؟
أولا ليعلم القراء الكرام أنني غادرت الأطلس نحو قناة الخبر يوم 18 نوفمبر 2013 أي قبل غلق القناة بحوالي شهرين، وقبلها بشهر أوما ينيف قليلا انسحبت المشرفة على القناة ليلى بوزيدي، ومعنى هذا الكلام أن هناك فريقا جاء من بعدنا سيّر القناة وأعاد رسم خطها الافتتاحي ليحوله من الخط التحريري المهني إلى خط سياسي انتخابوي. صحيح أن هذا الفريق لم نكن نعرفه في قطاع الإعلام، لكن إقرار غلق القناة من قبل السلطات وبتلك الطريقة أمر رفضناه وعبّرنا عن رفضنا له وسنبقى نرفضه لأننا مع حرية التعبير ولسنا مستعدين للتفريط في مكتسبات دفعت المهنة خيرة أبنائها من أجل الحرية والمهنية.
* تشغل منصب رئيس تحرير الأخبار بقناة "الخبر" التي تحتل المراتب الأولى في قائمة أهم القنوات التلفزيونية العامة، ماهي مشاريعك المستقبلية؟
صحيح، قناة الخبر كاي بي سي، تعتبر واحدة من القنوات الأولى العامة في المشهد الإعلامي، لكن أمامها عمل كثير من أجل الارتقاء بالممارسة المهنية في التلفزيونات الخاصة والمساهمة في التأسيس لتجربة السمعي البصري ببلادنا بعد نصف قرن من الغلق التعسفي للمجال السمعي البصري إلى جانب القنوات الأخرى. وبخصوص المشاريع المستقبلية تتمثل أساسا في بلوغ نسبة الإنتاج الداخلي مستو كبيرا جدا، مع فتح فضاء أوسع للحوار والنقاش، والسعي للتقرب من المواطن ببرامج حوارية وترفيهية وتعليمية ذات نوعية واحترافية وهادفة.