معمر حبار طلب مني زميلي حسين، أن أقرأ مقطعا من كتاب "مدخل إلى معرفة الإسلام"، للشيخ عبد الرحمن بن الحفاف 1881-1957، ترجمة الأستاذ مولود طياب، منشورات المجلس الإسلامي الأعلى، الجزائر الطبعة الرابعة، 2010، من 227 صفحة، فلبى القارىء المتتبع دعوة زميله، فطلب منه الكتاب، لأن المقطع وحده لا يفي بالغرض. ولفهم الكتاب لابد من الوقوف من الناحية الشكلية على الملاحظات التالية، وهي..المجلس الإسلامي الأعلى هو الذي تكفل بنشر الكتاب، وأتعمد وضع هذه الملاحظة على رأس الملاحظات، والكتاب باللغة الفرنسية وترجم إلى اللغة العربية، وصدر سنة 1921، أي إبان احتلال فرنسا للجزائر. ومن خلال قراءة "الفصل الثاني: حياة محمد صلى الله عليه وسلم"، صفحات 87- 121، كانت هذه القراءة.. الشيخ عبد الرحمن بن الحفاف 1881-1957، ومحاولته شرح السيرة النبوية من خلال المقارنة مع الغرب أوقعته في مشاكل كثيرة لا تليق بالسيرة النبوية، سنذكرها لاحقا. و واضح جدا أن الكتاب موجه للفرنسيين والغربيين في تلك الفترة أي سنة 1921، وهي سنة تأليف الكتاب، وأرهق نفسه في محاولته توضيح أن ما حدث لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو نفسه ما حدث لسيّدنا عيسى عليه السلام، وقد تعمّد وعبر هذه الصفحات ذكر اسم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مجردا من النبوة، والرسالة، والسيادة، وكأنه يتحدث عن زميل له، وقد تكررت هذه الملاحظة بشكل كبير جدا وعلى لسانه وفي عدة مرات، وكان هذا سوء أدب من الشيخ الجزائري وقلة أدب مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع العلم أنه ذكر اسم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرونا بالنبوة والرسالة في بعض الحالات، لكن هذا لا ينفي سوء أدبه الذي ذكرناه. يتحدث في صفحة 97 وما بعدها، عن بداية أذى قريش لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول.. "لكنه عندما أخذ في الطعن في عبادة الأصنام "، ومعلوم أن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطعن في الأصنام، إنما ذكرها بما فيها، وهذا ليس طعنا، بل كلام الشيخ طعن في سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويصف المهاجرين الذين هاجروا إلى الحبشة ب "الكتيبة"، والكتيبة مصطلح عسكري، وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرسل جنودا، إنما أرسل فقراء مساكين، واستعمل مصطلح "الدين الجديد"، وهو يتحدث عن الإسلام، وهذا مصطلح استعملته قريش وأعداء الإسلام من العرب والعجم، وما كان للشيخ أن يستعمل مثل هذا المصطلح، ويحاول أن يثبت عبثا أن الإسراء والمعراج يشبه ما حدث من قبل لسيّدنا عيسى عليه السلام فيما يتعلق بالغياب، وكان عليه أن يكتفي بما هو متعارف عليه في كتب السيرة من أن الإسراء بالروح والجسد، ولست أدري لماذا لم ينتهج هذا المنهج وأقحم نفسه فيما ليس هو مطالب به. ويشبّه هجرة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفس ما تعرض له سيّدنا عيسى عليه السلام حين اختفى عن الأنظار، والهجرة النبوية ليست اختفاء عن الأنظار بل بروز وظهور، وإن كان الاختفاء عن أعين قريش لبعض اللحظات والأيام، وحين تعرض لوثيقة المدينةالمنورة بين سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة واليهود من جهة أخرى، اعتمد كمرجع على "لامارتين". يقول في صفحة 107 عن زوجات سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قبلن الزواج به "قبلن التضحية والزواج بالنبي "، وهذا كلام خطير يصدر عن شيخ جزائري في حق سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأن أحدا فرض عليهن الزواج، أو أُجبرن على الزواج بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أن به عاهة، أو نقصا ف "قبلن التضحية والزواج بالنبي". ويرى أن العبرة من تعدد الزوجات هو حفظ الوحي وإعادة نشره من خلال مداومة زوجات سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أعرف صحة هذا الرأي، لكن أعرف أن الله تكفل بحفظ الوحي وطلب من سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأيام الأولى للوحي أن لا يكرر من وراء سيّدنا جبريل عليه السلام قراءة القرآن ليحفظه، بل الله تعالى تكفله بحفظه وتثبيته في صدره، ولذلك ما ذكره الشيخ في هذا المقام لا قيمة له، ومردود عليه. في عدّة مرات وعلى مدار صفحات عديدة، الشيخ الجزائري لا يترضى على الصحابة، ولا على أزواج النبي، ولا يستعمل مصطلح أمهات المؤمنين، اللهم إلا في حالات نادرة جدا. ويعتمد الشيخ في كتابه هذا على صحيح البخاري المترجم إلى اللغة الفرنسية، ويصف الشاعر أبي العلاء المعري بقوله " الفيلسوف الأعمى". وعند قراءة صفحة 163-164، يتساءل القارىء المتتبع بمرارة من أين جاء بذلك البهتان الكبير، وقد كان حاقدا مبغضا لسيّدنا معاوية بن أبي سفيان رحمة الله عليه ورضي الله عنه وأرضاه، ووصل به الحقد والبغض أن يكتب اسم سيّدنا معاوية بن أبي سفيان بين شولتين، هكذا " معاوية بن أبي سفيان"، ويقول كان معاوية هكذا بين شولتين " معاوية"، إذن هو لا يعترف به اسما ويكتبه بن شولتين، ما بالك بكتابة الوحي التي يقول عنه " كان "معاوية بن أبي سفيان" الخصم الوراثي للنبي صلى الله عليه وسلم.. وجرثومة الحقد لم تزل تعشش في قلبه "، ثم ذكر بأنه أراد استبدال آية بآية، ثم ذكر بأن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "أقصاه عن كتابة الوحي، وبأنه رجل مشكوك في إخلاصه ".. ومثل هذا الكلام لم يقله عتاة الحاقدين على سيّدنا معاوية بن أبي سفيان، فكيف يقوله شيخ جزائري ؟.. ولا نملك بعد هذه القراءة السريعة إلا أن نقول.. أخطأ الشيخ، وما كان له أن يقع في هذا الحقد والكراهية على سيّدنا معاوية بن أبي سفيان غير المبررة، مع التأكيد نقل هذا الكلام تأييدا لا رفضا. وفيما يخص "الفصل الرابع- تاريخ القرآن " و"الفصل الخامس: فريضة طلب العلم عند المسلمين"، صفحات 162-215، كانت القراءة التالية.. ينقل عن الكاتب سواس باشا، قوله: " وكان "معاوية بن أبي سفيان" الخصم الوراثي للنبي صلى الله عليه وسلم مكلّفا بهذه المهمة الخطيرة (كتابة الوحي) حينا من الزمن، كان "معاوية" صاحب ميزة، عالما عرفا باللغة، ولكن جرثومة الحقد لم تزل تعشّش في قلبه وأظهر ذلك في مناسبة، وقد أملى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بعد اسم الله "غفور رحيم" وعوّض ذلك معاوية بلفظي "عادل حكيم"، فانتبه النبي صلى الله عليه وسلم في الحال فأقصاه عن كتابة الوحي، وقال: إن معاوية رجل ذكي عالم، ولكنه مشكوك في إخلاصه".. لم يعلّق الشيخ على المقطع، ولم يرفض ما جاء في النص، وكل الصفحات التي تلت تدل على أن الشيخ الجزائري معجب بهذا الكلام المتعلق بسيّدنا معاوية بن أبي سفيان، وهذا الكلام تمّ طبعه بإشراف المجلس الإسلامي الأعلى، وتحت إشراف الأستاذ بو عمران الشيخ رحمة الله عليه، واستعمل الشيخ عدة مرات عبارة مصطلح الكتاب المقدس عوض القرآن الكريم. يتحدث في صفحة 167 عن سيّدنا عثمان بن عفان، فيقول " ولكن لايجوز أن ننسى أنه من أقرباء أبي سفيان وأنه في عهده قد ارتقى أعداء أنصار محمد إلى السلطة العليا". أقول: هكذا يصف الشيخ الجزائري سيّدنا عثمان بن عفان بأنه وظف أعداء سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا كيف يستعمل لفظ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مجردا من النبوة والرسالة. وأثناء جمع القرآن الكريم يصف سيّدنا عثمان بن عفان بقوله: "فالخليفة الثالث لم يكن يستطيع أن يغيّر من نص الكتاب الذي قيّده زيد، خصوصا وأن جميع أصحاب النبي حاضرون، ولا سيما أعضاء اللجنة المكلفة بجمع أجزاء المصحف". أقول: هذا اتهام صريح من الشيخ الجزائري لصدق وإخلاص سيّدنا عثمان بن عفان، وكأنه يقول لو كان سيّدنا عثمان بمفرده، لغيّر وبدل في المصحف !!. أبدع الأستاذ في الفصل الثالث171- 214، حين أظهر تفوق العرب في مجال العلوم التجريبية، ويعتبر أحسن فصل في الكتاب لأنه يشيد بالحضارة الإسلامية معتمدا على نصوص غربية صادقة لم تتأثر بالحقد تجاه العرب. وكان على الكاتب أن ينشر الفصل في دراسة مستقلة، وكان على المجلس الإسلامي الأعلى أن ينشر الفصل الثالث في كتاب مستقل عوض إعادة نشر السقطات التي وقع فيها الشيخ، كاتهامه لسيّدنا معاوية بن أبي سفيان بتحريف القرآن، واتهام سيّدنا عثمان بن عفان بأنه وظف أعداء سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا موقفه تجاه القرآن الكريم، كما زعم الكاتب. أقترح على المجلس الإسلامي الأعلى، باعتباره ناشر الكتاب في عهد الأستاذ أبو عمران الشيخ رحمة الله عليه، إعادة قراءة الكتاب والاكتفاء بالفصل الثالث الذي يتحدث عن تفوق العرب في المجال العلمي التجريبي الذي أبدع فيه الكاتب، والتغاضي عن الفصول الأخرى التي أساء فيها الكاتب كثيرا لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولسادتنا الصحابة رضوان الله عليهم جميعا، أو تكليف من يقوم بتحقيق الكتاب، ويقوم بالتصويب والتقويم على هامش الكتاب.