من المؤكد أن خيارات جبهة التحرير الوطني لتشكيل الحكومة عديدة ومتنوعة، ويكفيها من الناحية التقنية أن تتحالف مع بعض التشكيلات الحزبية الموالية لبرنامج السيد رئيس الجمهورية حتى تطوي الملف، وتتفرغ لإدارة شؤونها. لكن يبدو أن رهاناتها أكبر وأبعد من تعاطيها شكل المسألة، فالسلطة من خلال الحكومة تسعى إلى ترتيب وتحضير انتخابات الرئاسة 2019 بوصفها مفتاح اللعبة السياسية، كما كانت دوما، لكن في ثوبها الجديد الناتج عن إعادة هيكلة النظام السياسي وبروح ونفس دستور جديد يراد له أن يكون منطلق التحدي الجزائري والمؤطر لنموذج الاستقرار السياسي وراعي النموذج الاقتصادي. في هذا الإطار تسعى السلطة إلى تشكيل حكومة تكون حركة مجتمع السلم فيها ثالثة الاثافي، لا من أجل الاستجابة لحكومة التوافق التي دعا إليها الأستاذ عبد المجيد مناصرة في كل مرة، ولا الاستجابة لمطالب الدكتور عبد الرزاق مقري الذي أرادها حكومة وحدة وطنية لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية في المرحلة القادمة، وإنما تسعى إلى تكبيل حركة مجتمع السلم في تحالف رئاسي يدفع بمرشح الرئاسة (الإجماع) إلى سدة الحكم، ويقطع الطريق أمامها لخوض انتخابات منافسة بمرشحها، أو الانحياز إلى قوى قطب التغيير بقيادة بن فليس ومن ثم إفساد عرس طالما انتظرته السلطة، وقد يترك لإسلامي آخر، جاب الله مثلا، أو أحد مرشحي الاتحاد لينشط حملة المنافسة. إن انخراط حركة مجتمع السلم في سعي الحكومة مع بقاء الدكتور عبد الرزاق في مركز القيادة قد يدين مسارها الذي تتجاذبه من الداخل توجهات قد تمس باستقرار الحركة، فلا يعقل بعد الخطاب الذي بلورته في الفترة مابعد رئاسيات 2014 والذي مس بشكل جوهري أركان حكم الرئيس بوتفليقة سواء في شخصه أو مؤسسات الدولة تحت قيادته أو سياسات حكومة سلال المتعاقبة، ولو استجابت الحركة دون تغيير لطاقم قيادة الحركة لكان ذلك صيدين بحجر واحد، تحقيق مرادها في ترتيب الرئاسيات وشيء من الصغار لحركة قادت المعارضة وطبعتها لسنوات طوال. كما أن عدم مشاركة حركة مجتمع السلم في الحكومة سيفتح الباب على مصراعيه أمام الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء ليلعب الدور البديل وإن كان بأقل وهج وبريق، وستتجه حركة مجتمع السلم إلى الزاوية فأوراقها مع المعارضة تكاد تكون قد استنفدت واحترقت، ولن ينفعها رهانها على خط الراديكالية إذا ما تبنته، فالشعب شبه مستقيل كما أن مسؤوليتها الاجتماعية ورصيدها لن يقبل أن تتوجه إلى طرف المعادلة. من هذا الوجه، يبدو أن هامش الحساب لدى حركة مجتمع السلم ضيق جدا، وعليها التفكير مرتين قبل القبول أو الرفض، مع التذكير أن حركة مجتمع السلم في المشاركة وفي الحكومة أنضجت الكثير من خياراتها وطروحاتها، وتوسعت قواعدها إلى دوائر جديدة لم يستطع التنظيم يوما الوصول إليها، وأن المعارضة في بلد يحاول جاهدا بناء مشروعه الديمقراطي في ظروف سياسية وأمنية مضطربة وسياقات اقتصادية خانقة لن تثمر إلا في اتجاه مزيد من العنف وتهيئة ظروفه. ——–