ولأن أمريكا تتوفر على كل مايلزم من قوة، مادية وناعمة، لإدارة السياسة الدولية، ولأن مراكز قرارها السياسية والأمنية – العسكرية تتدفق عليها وعلى مادار الساعة سيلا من المعلومات الدقيقة والموثوقة والمصنفة ومن طرائق مختلفة ومتنوعة، يرفعها خبراء ومحللون وديبلوماسيون وأمنيون، وعليه فهي تمتلك بنوكا من المعلومات والخطط والسيناريوهات يمكنها أن تدخل حيز التنفيذ حال ما اقتضت ضرورة الأمن والمصلحة القوميين ذلك، ولها من البراعة والمهارة ما تمرر به ذلك في إطار من المشروعية والقبول، وأن تكتم صوت المظلوم بل وتلبس الحق بالباطل. ولما كانت كذلك – وكله بجهد أبنائها وحرص مدرستهم، وعبقرية جامعتهم، ورؤيتهم بأنهم الأفضل والأقوى، ولا يحق لأي كان، أن ينافس الأمبراطورية أو يضاهيها قوة أو أن يفكر حتى في أن يكون الثاني من وراءها – صار بإمكانها التلاعب بطموحات باقي الفاعلين في العالم، فهي تقرب من تشاء، وتبعد من تشاء و لاحيلة لمن أبعدته، ولا هناء لمن قربته تستخف بالجميع ويرهبها الجميع، ويشتد المشهد الذي وصفناه، وضوحا في منطقتنا العربية والاسلامية، حيث يستنزف الجشع الأمريكي أموال العرب ويأخذ منهم أتوات مقابل السكوت عنهم في صلافة مهينة، تأخذ من هذا ملايين الدولارات لإنعاش مدينة ديترويت ليرفع يده ولو قليلا لاستكمال محاولة مشروع اقتصادي، وتأخذ من الآخر الملايير من أجل رفع العقوبات والسكوت على الملف النووي، وتستلم رشوة بالملايير من آخر لحمايته من إيران، وتوظف ملفات ونزاعات فصلت فيها المجموعة الدولية، وقرر بخصوصها مجلس الأمن للابتزاز وهز الوضع وزعزعته والمساومة عليه، تشعل حربا وفتنا هنا لكسر شوكة بلد "مارق"، وتنتهك حقوقا وتدمر بلدا وتمزقه من أجل زعيم " غير مسؤول " بحسبها… لقد ظلت "منطقة الشرق الأوسط " محل اهتمام وحماية من طرف الإدارة الأمريكية، ومن أجل ذلك أقامت قاعدتها المتقدمة "إسرائيل"، واليوم، وبسبب حالة الانتقال الطاقوي، وبداية تراجع قيمة النفط تعتزم على تفكيك المنطقة وتسليمها للفكر الصهيوني الذي يحلم أن يرى المنطقة قبائل كما قبل البعثة، وأظنه أوشك على ذلك… ولما كانت تركيا السنية، حليفة الأمس، تسارع في النهوض، وتحرص على لملمة شتات الحركات الاسلامية خاصة الإخوان المسلمين والتي تعتبرها العمود الفقري لبعث الأمبراطورية العثمانية، فهي اليوم في السداداة، ولا أخالها تتخطاها، مالم يتضامن المسلمون في كل العالم ضد هذا الطغيان والجبروت… إن قناة الجزيرة التي استطاعت أن ترفع منسوب الوعي في العالمين العربي والاسلامي، وأن تسمع صوت كل حر مظلوم، وسمحت للمواطن العربي أن يفهم كثيرا عن قضايا الاستبداد والفساد السياسي المدعوم أمريكيا وغربيا وجب إخماد صوتها وقبرها في الصحراء، للتفرغ للألة الجبانة بدك نموذج أردوغان المزعج، وطموحات الأتراك المسلمين… لقد أعياهم انتظار تورط الأتراك في المازق السوري، وهم يبحثون له عن مأزق آخر يشتتون جهوده ن ويبعدونه عن مسارات النجاح الاقتصادي والتجاري، وربما دفعه مع قطر إلى اختيار إيران كحليف ليسهل ذبحه باسم الارهاب، إنها لعبة القوي عند مداعبته خصمه الضعيف، كل ذلك يجري في سكوت أوروبي واستحسان، فالعدو واحد. على الدول العربية أو ما تبقى منها أن تسارع في الوقوف ضد مخطط التصحير، وكذلك ضد تأجيج مشاعر العنف بسبب الحيف الذي يعيشه أبناء الوطن العربي والاسلامي، أن السكوت على هذا الارهاب الممنهج هو انتظار ذليل للموت، اعلم أن حكومات الدول العربية والاسلامية تدرك جيدا اللعبة لكنها لا تهتدي لصدها، " فأبرهة "عازم على هدم البيت فوق رؤس أهله، وعبد المطلب لا يهمه سوى ملكه، وقد أوكل الأمر إلى رب الكعبة يحميها، والله المستعان.