شكلت أحداث الثلاثاء 11 سبتمبر 2010 خطّا أحمر ما بين أمريكا والعالم، فقد حدث الانتقال من الثنائية القطبية إلى الامبراطورية انطلاقا من مقولة "من ليس مع الامبراطورية فهو ضدها"، وتحولت الدول العظمى إلى ملحقات بالامبراطورية الأمريكية فصارت بريطانيا وفرنسا في مقدمة الدّول المبشرة بالامبراطورية والصين وروسيا في مؤخرتها، وباتت أوروبا مخبرا لها. في حين صار "عرب أوباما" ممولين للامبراطورية في السر والعلن، فهل تستطيع الامبراطورية الأمريكية أن تهيمن على العالم دون اللجوء إلى العقيدة المسيحية أو "الإنجيليون الصهاينة"؟ الإسلام غير المرغوب فيه حرّكت أمريكا حلفاءها العرب لشنّ حملة ضد "الإسلام الحقيقي" الذي ينطلق من فكرة "الجهاد الأصغر" وهو تحرير الأرض إلى "الجهاد الأكبر" وهو تحرير الإنسان وبناء الدولة. بدأت فكرة الاستخفاف بالعقل من شعار "النفط مقابل الغذاء" أثناء حصار العراق، ثم "السلام مقابل الأرض" في المفاوضات مع الفلسطينيين، وها هي تنتقل إلى الأمن مقابل الاستيطان في فلسطين والاحتلال مقابل الديمقراطية في العراق وأفغانستان، تماشيا مع مشروع "فتنة" بين الشيعة العرب والشيعة غير العرب، ثمّ بين الشيعة والسنة، مع تعبئة الرأي العام العربي لصالح هذا التوجه الجديد، وتحضير الرأي العام الغربي نفسيا لحرب محتملة ضد الإسلام عبر تقنين "الممنوعات" في الدول اللائكية الغربية. ودخلت الكثير من الأقطار العربية والإسلامية في "الصف الأمريكي"، وكأنّ الامبراطورية الجديدة تتبع خطوات الامبراطورية الرومانية في عصر التكنولوجيا والهيمنة على المعلومات، ومن يعتقد بأن الحرب على "الشيعة" هي لصالح العرب والمسلمين مخطىء، ومن يعتقد من الشيعة أن العدوّ هم السنة مخطىء، فالعدوّ هو الصهيونية الأمريكية مجسّد في "الدويلة العبرية اليهودية" وحليفتها أمريكا. تصوّروا أن كفيفا مثل عمر عبد الرحمان يمثل خطرا على أمريكا ويسجن مدى الحياة، وتصوروا معي أن من يعيش في مغارات ولا يملك وسيلة اتصال صار خطرا على أمريكا. قد يصدق البعض بأن أحداث 11 سبتمبر 2001 من صنع إنسان من "العصر الحجري" وقد يصدق البعض الآخر أن الإرهاب "صناعة إسلامية"، مثلما صدق الرأي الأوروبي عام 1973، بعد حرب أكتوبر، أن بلوغ برميل البترول 40 دولارا سيكون كارثة على العالم، ولكن أمريكا رفعته إلى أكثر من 100 دولار ولم تحدث الكارثة. والفرق بين 1973 و2010 هو أن حرب أكتوبر كانت أول انتصار للجيوش العربية بقيادة الفريق سعد الدين الشاذلي. وهذا الانتصار سرعان ما تم تصغيره وتحجيمه بمشروع "كامب ديفيد" ولولا انتصار حزب الله عام 2006 على إسرائيل لكانت سوريا ولبنان تحت الراية الصهيونية. ومشكلة اسرائيل ليست مع "عرب أوباما"، وإنما مع عرب نصر الله و"عرب صدام في العراق"، والطالبان في أفغانستان، ومحمود أحمدي نجادي في إيران. والقاعدة "صناعة أمريكية" نجحت في إسقاط الشيوعية في أفغانستان، وكادت أن تنجح في إشعال حرب أهلية في الجزائر، وتثير الفتنة في مصر، وتقسم اليمن. قد يقول قائل: هناك يد إيرانية وراء بعض الأحداث، ولكن يجب أن نفرق بين "المشروع الإيراني" في الانتقام من النظام العراقي وحلفائه، وبين المذهب الشيعي ومعتقديه. صحيح أن السلطة الدينية في المذهب السني في يد الحاكم، وكثير من الحكام في أيدي أمريكا، وصحيح أن السلطة السياسية في المذهب الشيعي في أيدي رجال الدين، ولكن المشكلة ليست في المذهب ولكن في النظام السياسي فالمشكلة هي في الأنظمة وليست في الأشخاص ولا في المذاهب، فالاستخفاف بالعقل البشري يبدأ من "الإسلام - فوبيا" أو التخويف من الإسلام، إلى استفزاز المسلمين بالرسوم المسيئة إلى رموز الدين أو حرق كتاب المسلمين، وبالتالي فالإسلام غير المرغوب فيه هو الذي لا يخدم "الأنظمة السياسية"، ولا يخدم مصالح الغرب في الوطن العربي والإسلامي. دول الجوار أو جامعة عربية وحين تتخلى الجامعة العربية عن مفردات المقاومة ولا يعترف العرب بالدولة الفلسطينية التي أنشئت في الجزائر عام 1988، ويطالبون "الأممالمتحدة" بتحمل مسؤولياتها في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فهذا معناه "تدويل القدس" وتمكين اسرائيل من التوسع في الاستيطان، والتفاوض مع "حماس" حول "الدولة الإسلامية" مقابل الدولة اليهودية، ولكن يصعب على المقاومة أن تقع في هذا "الفخ الصهيوني"، بالرغم من أن التاريخ يسجل أن بعض "الحركات الإسلامية" كانت وراءها أيد أجنبية، ومنها القاعدة. وحين يعجز القادة العرب في الانتقال داخل الجامعة من المنظمة إلى الاتحاد، بعد أن نجح الأفارقة في ذلك، فهذا يعني أن "العقل العربي" لم يعد قادرا على استيعاب "العربي"، ويريد الانفتاح على غير العربي بحجة الحوار مع دول الجوار: من لا يستطيع التحاور مع نفسه ومع عائلته كيف يتحاور مع غيره. هذه الفكرة شبيهة بنكتة ظهرت في السبعينيات تقول بأن الملوك والأمراء والزعماء والرؤساء اتفقوا على توحيد الأمة العربية، فدرسوا "النظام العربي" وتوصلوا إلى نتيجة تفيد أنه يتكون من "ثلاثة رؤوس" إذا ما انتحر ممثلوهم تتوحد الأقطار العربية. "أخذوا طائرة لينفذوا مشروعهم الوحدوي" تحدث ممثل النظام الاشتراكي فادعى أن شعبه سيبكي عليه أكثر من غيره، وتحدث ممثل النظام الليبرالي باللهجة نفسها، وتحدث ممثل النظام الملكي باللهجة نفسها كذلك، اختلفوا حول الشعب الذي سيبكي على حاكمه أكثر من غيره، كانوا يحتاجون إلى حكم، شاءت الصدفة أن يتفقوا على قائد الطائرة حكما بينهم، فكان رده عليهم "شعب بلادي" سيبكي أكثر، فسألوه لماذا فقال: لأنّ حاكمه غير موجود معكم، والحقيقة هي أن الفساد في نظام الحكم وليس في الحكام أنفسهم. والإرهاب ليس في الدين الإسلامي أو المسيحي أو اليهودي أو البوذي أو غيره وإنما في أولئك الذين يوظفون الدين لأغراض سياسوية. وإذا كانت افريقيا قد تخلصت من "الأبارتهايد" بفضل نضال أمثال نيسلون مانديلا، فإن العرب لم يستطيعوا أن يتخلصوا من "الأبرتهايد" في فلسطينالمحتلة، لأنه لا يوجد النموذج الذي يقاوم في ظل أنظمة "تُصدّر مشاكلها إلى الخارج. إذا لم نعد للجهاد قيمته في مجتمعاتنا العربية والإسلامية فإن مفهوم المقاومة يتحول إلى تمرد، والخطر يزداد علينا، ويحاصرنا الآخر ب (دينه) و(ثقافته)، ونفقد شرعية انتمائنا إلى الإسلام أو حمل صفة المسلم، فمتى يدرك "عرب أوباما" أنّ عصر الأعراب انتهى، وعصر عرب الآخر سينتهي.