تعددت وتسارعت في السنوات الأخيرة وتيرة الخرجات الإعلامية والدبلوماسية لأنقرة باتجاه العالم الإسلامي والعربي على حد سواء· ولعل هذا التركيز الذي أخذ عدة أوجه، الاقتصادية منها والسياسية وحتى الثقافية، ربما تكون له خلفيات محاولة إحياء أمجاد الامبراطورية العثمانية، التي حكمت لقرون أغلب الدول العربية والإسلامية· هل هو الحنين لما كان يسمى بالباب العالي·· ربما، ولكن الظاهر أن الجمهورية التركية لا تدخر جهدا في مناصرة القضايا العربية وتكثيف ظهورها الدبلوماسي والسياسي في مختلف المحافل الدولية والإعلان دون أي تردد عن وقوفها إلى جانب المستضعفين من شعوب العالم· انتقاد إسرائيل، الدعوة إلى الحوار مع إيران، الحذر في التعامل مع الملف العراقي··· زيارات مكوكية بين العواصم العربية عرفت أنقرة كيف تتأقلم وتتكيف مع متطلبات دبلوماسية مرنة تجمع بين المصلحة وضرورة الدفاع عن هوية تركية خالصة دون الذوبان في هذا القطب أو ذاك· فتركيا عرفت كيف تصوغ حججا في انتقادها لإسرائيل رغم المصالح التي تربط البلدين وكيف ترضي أمريكا حليفها التقليدي مع الاحتفاظ بتلك المسافة الضامنة للمصداقية لدى دول تعد ضمن دول محور الشر، فالوساطات والمبادرات المتكررة توحي برغبة تركية في حجز مقعد بارز ودور فعال في التوازنات الإقليمية بل والدولية· في نفس الوقت، تعمل الحكومة التركية على استغلال هذه ''المصداقية'' السياسية لدى العواصم الأجنبية خاصة منها العربية من أجل تهيئة كل الأجواء لتصدير منتجاتها ودعم صادراتها باتجاه تلك الدول، فبالإضافة إلى الصالونات والمعارض التركية المقامة هنا، وهناك نجد أن المرافقة السياسية للحكومة التركية للمستثمرين ورجال الأعمال الأتراك لا يكاد يشوبها شائبة، خاصة إذا علمنا أن الآلة الاقتصادية التركية تعد من أنشط الاقتصاديات في المنطقة· يضاف إلى هذه الحيوية الدبلوماسية والاقتصادية عمل الأتراك على عامل آخر يساعد بشكل كبير على قبول المنتوج وكذا الهوية التركية لدى شعوب المنطقة العربية، وهو العامل الثقافي الذي تسعى الحكومة التركية إلى ترسيخه من خلال سياسة مدروسة وممنهجة تهدف إلى ترسيخ قبول كل ما هو تركي لدى المواطن العربي كالأفلام والدراما التركية التي غزت في الآونة الأخيرة الشاشات العربية، ولقيت شغفا لدى المسلمين والعرب· إذن، هل هو الحنين للإمبراطورية أم أنها الإمبراطورية التركية الحديثة والحداثية التي استطاعت الجمع بين علمانيتها وثوابتها·