الأحداث الجارية في عالمنا الإسلامي أوقعت صدمةعنيفة في عقل المسلم ووجدانه,فقد استيقظ ذات يوم فسمع من علماء حدثوه وقد كان قولهم صدقا أن امْرَأَة دَخَلَتِ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ,ثم انقلب هؤلاء على أعقابهم فإذا بهم يمجدون حصار المسلمين,ويزينون قطع الرحم ,ويدعون على المسلمين في ليل رمضان. لقد كان الأجدر والأولى بهولاء صون قدسية الدين من أشكال الاستخدام والاستغلال الذي يسيء لِلْعَالِمِ أولا وللدين ثانيا. والملاحِظ البصير يجد أن المؤسسة الدينية الرسمية ما هي ديكور في بلاط الحكام ,وأن دورها ليس إلا تجميليا أكثر من شيء آخر. فعلماؤها يظهرون في المحافل الرسمية وأمام عدسات الكاميرات،وتحرص المؤسسة السياسية عليها لتظهر في الصورة أمام الجماهير أكثر صدقا. والمؤسسة الدينية لا تنحصر في المؤسسة الدينية الرسمية فقط,فهي أسرة ومسجد ومدرسة وزاوية وجمعية,ومن الظلم البين تحميلها ما لا طاقة لها به. وقد كيد لها منذ عهد اللورد كرومر البريطاني (1849-1917)وقد كان من كبار دعاة التغريب والاستعمار في العالم الإسلامي وواحد من الذين وضعوا مخطط السياسة التي جرى عليها الاستعمار ولا يزال, في محاولة القضاء على مقومات العالم الإسلامي والأمة العربية. وجرى تنفيذ الخطة لجعل المؤسسة الدينية مقيدة، مسلسلة,محصورة في النطاق التجميلي الذي يزين وجه الحاكم القبيح, ويستر عورته المفضوحة,وبيرر فعله المشين,وضع لذلك المخططات وأوجد المؤسسات وأنشأ الأفراد (الصالحين) لتنفيذ المهام القذرة ولوكانوا من رجال الدين. والمطلوب من المؤسسة الدينية نشر تعاليم الدين الإسلامي وصقل مقومات الشخصية الإسلامية,والدفاع عن الحريات الشخصية والجماعية,وتحقيق الأمان والطمأنينة والاستقرار للاوطان، ورسم حدود فِعل الفرد في مجتمعه بما تسن له من واجبات ,وتكفل له من حقوق . وليس مجال الحديث الآن عن الأسرة والمسجد والمدرسة والزاوية والجمعية, فهي مازالت على ما يعتريها من نقص,وما يشوبها من خلط ,صمام أمان ومركز إشعاع,ومن الخطإ القول هَلَكَ النَّاسُ. وإنما الحديث عن المؤسسة الدينية الرسمية التي تتولى التوجيه والفتوى,والاجتهاد في النوازل وما يلم بالمسلمين,فهي مدعوة للحفاظ على الدين وحفظ ماء الوجه,والتمتع بالصدقية التي تشد الناس إليها ,وتقنعهم بالأخذ باجتهاداتها,وبالتالي سد الطريق أمام المتطرفين والمفرطين على حد سواء. عليها أن تعلم وتعمل على أن يرسخ في الأذهان أن الدين وحي السماء لا يجوز العبث به ولا بيعه ولا استخدامه منصة للقنص ولا الانتقاص,ولا أن يكون رجالها مجرد ديكور تماما كاللوحة المرسومة والمزهرية المنسقة أزهارها, والتحفة الأثرية القيمة التي تزين القصر. وعليها أن تبتعد على فتاوى الصراع السياسي,وأن تسمو إلى روح الأخوة الإسلامية,وأن لا يكون الدين تبعا للهوى,وأن لا يكون رجالها يمثلون "مفتي السلطان" وهي العبارة القديمة المتجددة وتعني من يدبج الفتاوى إرضاء لرغبات ومصالح السلطان. وأن لا يكون منها العناصر السيئة والمهزوزة والمتواطئة والمتخلّفة والفاسدة والغامضة والجاهلة والعميلة وما شاكلها. فهؤلاء يسيئون لأنفسهم ولتاريخهم بل ولتاريخ العلماء أجمعين . وأن لا تكون مؤسسة دينية لا سلطان لها ولا حرية لها وليس لها أن تدلي بدلوها حتى في أخص ما يلزمها إلا بعد ورود الضوء الأخضر وهذه هي الحقيقة للأسف وإن تشدق البعض بغير ذلك . إن إصلاح المؤسسة الدينية والغيرة عليها يجب أن يكون محل اهتمام جميع من يحب الخير لدينه ووطنه ,وبغير هذا فالخوف من انتظار طوفان يتحدث فيه الخيرون فلا يوجد من يسمع لهم,و يتولى التوجيه أناس آخرون صنعوا في مخابر الأعداء ,أو ملأ اليأس قلوبهم وسيطر على وجدانهم ,أو أعماهم الجهل فقاموا لإفساد دين الناس ودنياهم .