بقلم الأستاذ/ قسول جلول إمام مسجد القدس حيدرة فكعادتي دائما عند الانتهاء من صلاة التراويح، أقف أمام باب المسجد للإجابة على أسئلة النساء المتعلقة بالصيام، فإذا بأذني تلتقط كلمة تلفظت بها بعض النسوة المصليات اللواتي كن يستمعن لقرآني يتلى!…هذه الكلمة لو مزجت بمياه البحر لمزجته، وهي كلمة الهجالة، فنزلت على رأسي كالصاعقة، فقلت من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سنتناولها في الدروس والكتابة عبر جريدة "الحوار"، وتبيان ضررها وخطرها على المجتمع…..منكر من القول ….!! ((وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَتْ). اختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه أبو الضحى مسلم بن صبيح (وَإذَا المَوْءُودَةُ سألَتْ بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَتْ)، بمعنى: سألت الموءودة الوائدين: بأي ذنب قتلوها..وبأي ذنب ذبحوها بألسنتهم؟. إنّ ما جعلني أهتمّ بهذا الموضوع، هو بروز فئة من المجتمع تعاني الحداد والحزن والوجع والفجيعة والضّيق والكآبة وجها لوجه مع مقاومة عناصر الإحباط الذّي تولّدت جراء هذا الموضوع الصادم الهجالة، حيث العذابات والآهات والمعاناة النّفسية الخطيرة …. أردت من خلال هذا الموضوع تسليط الضوء على هذه الفئة، وما تعانيه لتحريك القلوب والمشاعر لعلهم يطلعون على معطيات هي أحقّ بالدّراسة النفسيّة، وأخرى ثقافيّة، وما يصاحبها من معتقدات وطقوس جماعية، وماينتج عن كلمة الهجالة !!. عجبا لا تقاس المرأة عندنا وبعض الدول مثلنا، بدينها ولا بأخلاقها، ولا بعلمها، ولا بأدابها، ولا بمعاملاتها، ولا حتى بجمالها، ولا بأصلها، وإنما توزن وتقاس ب…أجل اللّه قدركم؟، فالعقل يقول تفاضل المرأة على أختها بالدين، فإن تساوتا في الدين ننظر إلى الأخلاق، فإن تساوتا في الأخلاق ننظر إلى الجمال، فإن تساوتا في الجمال ننظر إلى السن، فإن تساوتا في السن ننظر إلى هل هي بكر أم ثيب، بمعنى يأتي هذا التصنيف في المرتبة الأخيرة عقلا!!، وأن كلمة الهجالة تلغي كل هذه المعايير…لماذا؟. سألنا الدين عن لسان خير النبئين والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وعلمنا منه سنة عملية، أي زواجه من عائشة رضي الله عنها، هي التي تزوجها بكرا فقط، والباقي من نسائه صلى الله عليه وسلم أرامل ومطلقات، أمهات المؤمنين أجلّ الله قدرهم، لا نصفهم بمثل هذه الأوصاف!!، فوجدت أن الجميع على اختلاف ثقافاتهم ينظرون إلى المرأة المطلقة أو الأرملة نظرة سلبية، باستثناء الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي تزوج أول امرأة في الإسلام وعمرها 40 سنة، ليكون قدوة للمسلمين في الرأفة بالأرملة والأخذ بيدها، بحيث جعل من يرعي شؤونها كالمجاهد في سبيل الله، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم، (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله)، وأكرمها صلى الله عليه وسلم عندما بشر كلّ أرملة تسعى على أولادها أنها تزاحمه في الدّخول اللجنة. قال تعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً}، التحريم 5، فما الحكمة في تقديم الثيبات على الأبكار؟. هنا في معرض التخيير ما يشعر بأوليتهن، وذلك لأن الثيبات لديهن الخبرة بالعشرة الطّيبة، ما لا يكون لغيرهن من الأبكار، فزوجات النبي صلى الله عليه وسلم كلهن ثيبات ماعدا عائشة رضي الله عنها، وأن الله لا يختار لنبيه إلا الأفضل، وتذكروا أن البكر تعود بعد يوم واحد فقط من الزواج ثيبا!!!، لكن في المقابل لم يظلم البكر وأعطاها حقها الذي تستحقه، حيث نجد النّبي صلى الله عليه وسلم، رغّب في الزواج من البكر، سألنا الثقافات، ووجدنا بأنها لاتلقي بالا ولا تفرق بين المرأة المطلقة، والأرملة، وبين البكر!!، سألنا العلماء، فلم نجد عالما يقول بتحريم الزواج من المطلقة أو الأرملة، ويفضل عليهما المرأة البكر، كمقياس للتفاضل!!، وسألنا علماء الطب فلم نجد ما يمنع أو يفضل زواج البكر على المطلقة طبيا!!، فما الذي يجعل أفكارنا وألسنتنا تشن حملة واسعة على ما تعارف عليه المجتمع بالهجالة بالأسماء والألقاب والصفات المحذرة والمرعبة تجاه هذه المرأة. 50 لقبا كافيا لتحطيم قلب امرأة!!، لتحطيم فئة من النساء ودخول جهنم أعذانا الله وإياكم منها!!. وهذه جملة مما أبدعته الثّقافة الشّعبية الجزائرية في وصف المطلقة أوالأرملة، أو كما يسمى عندنا "الهجالة". فالهجالة لفظ عامي يتداول في وسط المجتمع، بحيث لايوجد مصطلح آخر في المجتمع الجزائري يصف الأرملة أو الأيم سوى لفظ "الهجالة". أي المرأة التي تطلقت أو الأرملة التي توفي عنها زوجها، ومما يجب الإشارة إليه أن هذا اللّفظ خاص بالمرأة، فالرجل لا يسمى هجالا، كما تسمى المرأة بها، "دموع اللّفعة"، "وجه الهم"، "جلابة العار"، "قنبلة في بيتك"..!! يا"ولد الهجالة"، فغالبية المجتمع يرى في الهجّالة على أنها مجرمة ومنحرفة، وتحذر من يقترب منها، فأكثر من 50 مثلا شعبيا في الجزائر عن الأرملة كلها تحمل مدلولا سلبيا عنها، كأن جرما خطيرا لايغتفر اقترفته هذة المرأة سئية الحظ، مثل "الهجالة ربات عجل ما فلح، ربات كلب ما نبح"، «شرط العازب على الهجالة»، (ولّي عزبة ونتزوجك)، "ما تاخذ الهجالة لو كان يكون خدها مشموم ،أنت تصرف وتجيب وهي تقول الله يرحم المرحوم"، "لوم الهجالة على بنتها" "تربية الهجّالة" "لا تديش الهجالة ولو تكون بنت الخالة"، "لقد تزوج هجالة"، "المرأة الهجالة وثوب الدلالة يورّثو البلاء ّ- سقطت الشجرة"، "البصل يجعل حتى الأرامل يبكين"، "تبكي كأرملة"، "الأرملة كالفرس من دون فارس". كل إنسان عليه أن يعلم من فطرته أن ما يزعجه يزعج غيره، وما يؤذيه يؤذي غيره أيضا، التنابز بالألقاب تؤثر على النفس لما تحمله من معاني سلبية، إن طبائع النفوس تُقبل دائماً على كل ماهو حسن وجميل وتنفر من كل ماهو سيء وقبيح، ومن أوجه الإقبال على الحسن: الاستبشار والتفاؤل بالاسم الحسن الجميل، والذي يقع من قلب السامع موقعاً جميلاً، ويُحبب إليه الخير، وإن مما ابتلي به المجتمع وبعض ضعاف الإيمان صاروا يطلقون سما بألسنتهم ويظهرون ما في قلوبهم من إطلاق وصف على الآخرين مع وجود أسماء لهم والتلفظ بها وجعلها مثار للسخرية والضحك والاضطهاد..هجالة فتترك أثرا قبيحا في الأذهان، ثم يلخص الناس ذلك الأثر في كلمة أو جملة ويجعلونها لقبا لصاحبه، هجالة يوغلون في التنابز بالألقاب السيئة التي تشكل رسائل سالبة للحرية وللكرامة وللعزة.
وأن ظاهرة التنابز بالألقاب اعتداء على كرامة الإنسان، وهو محرم لكونه اعتداء على العرض الذي جاءت الرسالات السماوية جميعها، ومنها رسالة الإسلام للدفاع عنه والحفاظ عليه من كل مظلمة يتعرض لها، ولذلك حرمته الشريعة تحريما قاطعا وعدّت التنابز كبيرة من الكبائر. قال تعالى في تحريمه: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) – 11الآية من سورة الحجرات.. وأن الضرر اللاحق بغيرك بسبب التنابز أو الأسماء والألقاب،كالضرر اللاحق بأخيك والاعتداء على الأخوة شر غير مقبول، ونشر الأخوة أولوية دينية.
والآثار السيئة المذمومة للأسماء والألقاب والتنابز منها: 1 إشاعة القبائح من الأسماء ووصف المرأة المطلقة أو الأرملة بالهجالة في المجتمع، حيث يصبح المجتمع سيء القول، ويتعود على تلطيخ نفسه بهذه القاذورات، والأصل هو أن يكون المجتمع نظيفا من حيث سماع الأسماء والألقاب والأقوال المقبولة الجميلة لا العكس. 2 ظلم الناس بتلفظهم هذه الألقاب الهجالة ومعانيها السيئة، وهذا نتيجة طبيعة للتنابز والأسماء السيئة، فما التجأ إليه أحد إلا وكان الاستعلاء والظلم والغيرة وإلحاق الضرر للغير هدفه ومبتغاه. 3 طبعا تنشأ العداوة والخصومة الناتجة عن عدم الرضا بالأذى والشعور بتقليل الاحترام الواجب للإنسان على غيره، فيندفع الناس للدفاع عن أنفسهم ورد الأمور إلى نصابها. 4 التقاطع، فالذي يعلم أن الآخرين يؤذونه بكلمة الهجالة لا شك سوف يقاطعهم ويهجرهم، وقطع التواصل مما لا تشجع الشريعة الإسلامية عليه الناس. 5 على المجتمع تكاثف الجهود من أجل تغييرها وتنقية الأسماء من كل قول قبيح، الهجالة وآثار سالبة، كما أن ذكر هذا اسم الهجالة أو صفة غير لائقة في امرأة، يولد اليأس والتشاؤم والشعور بالنقص في نفسها، لأن الألقاب ترسخ في لاوعي الفرد وتعطي انطباعات معينة عنه وعن طبائعه، ويبدأ في الاقتناع بأنها هي حقيقته وواقعه الفعلي، وبالتالي يسبب له ذلك نوعا من الإحباط وعدم النجاح في حياته، فيصبح إنسانا سلبيا وانطوائيا ومنكفئا على ذاته وينسحب من المجتمع، ويتعرض لمتاعب ومضايقات لا يتحملها بعضهم فيصابون بأمراض نفسية كثيرة واضرابات عقلية، لكن عندما تكون تلك الأسماء حسنة ولها معان تدفع على الثقة بالنفس، فهنا يحدث العكس ويغرس فيه نوع من الثقة والاعتزاز بالنفس والقدرة على الأداء، فلا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب، ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة لأنها مجلبة لعذاب الله، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، وتقبل الله صيام الجميع …