رغم ما تحمله هذه المقولة الشعبية من معانٍ ودلالات سلبية قد تسيء إلى التراتبية المجتمعية، ورغم خلفياتها الثقافية اليهودية المغرضة، والمهينة للرمزية الأخلاقية المتصلة بتراثنا الحضاري، إلا أنها تحمل في ثناياها كثيرا من المعاني الواقعية، وتبرر بعض الممارسة التي تفرضها السياقات المتعاقبة على المجتمع والدولة الجزائرية لما بعد الحقبة الاستعمارية، ويمليها الصراع السلطوي المركزي من أجل الحكم الممتد إلى المكونات السياسية الهامشية… المقولة تصور مشهدا حكيما في سياق تهكمي جرى في إحدى البيوت الجزائرية الأصيلة، حيث، وفي ليلة ظلماء، انفلت "العتروس" من العقال وراح يعيث في البيت فسادا، وهلع كل من بداخله من أبناء ونساء، فصاح رب البيت في أولاده أن قوموا واعقلوا العتروس، فلبى سريعا "صالح"، وهو اسم الابن الطيّع والبار في العائلة دون غيره، لكنه للأسف لم يأخذ احتياطاته الكافية وهو يطارد "العتروس" فأحدث ضررا أكبر بأواني البيت وسلامته، وزاد من هلع العائلة بشكل أكبر، فصاح الشيخ الحكيم في ابنه الثاني، وبصوت عال وحاسم أن "إربط صالح وخلي العتروس".. لقد تحسّر الكثيرون من الغيورين والأفاضل المجرّبين في هذا البلد وغيره من البلاد العربية الإسلامية لجلد الفاجر وقعود "الصالح" في التعاطي مع متطلبات التسيير والسياسة، وحتى العلاقات الخارجية المكافئة للعصر.. ورغم الضجيج الذي يحدثه الكثيرون من المثاليين، وربما المزايدين، عندما يرافعون لصالح أن يتقدم "الصالحون " لقيادة الشأن العام وتسيير مصالح الناس، ورعاية أمورهم فقط لأنهم صالحون، ويؤسسون ذلك ويبررونه تارة باسم "الكفاءة" لمجرد حمل هؤلاء لشهادات علمية وتشبعهم بالنظريات والمفاهيم، وتارة باسم "النزاهة" و"نظافة ذات اليد"، ولم يختبر هؤلاء أحد عندما تؤول السلطة في أيديهم وتتكشف حقيقة أخلاقهم، وتارة باسم "الثوابت"، وهو الأدهى والأخطر، فترفع الشعارات واللافتات حتى إذا جاءها الناس لم يجدوها شيئا، فيصابوا بالإحباط واليأس من حيث أرادوا النجاة… قد تتعاظم آمال الناس في الصالحين بسبب طغيان الفساد وجبروته ونكد العيش والعنت المسلط عليهم، بل والتباس الحق بالباطل ونكرانه بينهم، وكتمان الشهادة وحجبها، لكنهم ما لم يستجيبوا لمتطلبات عملية التغيير من حكمة ونضج وموازنات لا يستطيعها إلا الدهاة المحنكين، فإن خطرهم سيكون أكبر وأعظم، أكبر من صالح في مطاردته ل"العتروس". إن حالة التعقيد التي تطبع المجتمع، والكلفة التي تربط شبكة العلاقات بين الناس والمؤسسات والدول، والسياقات الناظمة لها، تفرض مستويات جبارة من الفهم الجماعي المؤسسي، ودرجات عالية من التنسيق والمرونة، وبحث وتطوير دائمين، وكذلك إلى التزام وانضباط وأخذ بالأسباب وعدم المغامرة بأوضاع مستقرة، ومصالح مستمرة وأمن حاصل، والخروج بكل ذلك إلى أوضاع لا يقين فيها، وتهديد قد يطال حياة الناس وممتلكاتهم، وقد يتعداه إلى تهديد وحدة المجتمع وسلامة التراب وضياع المكتسبات… أقول هذا ليفهم من يريد الإصلاح بإثارة النعرات الجهوية وتكريس الفتنة بين جموع الجزائريين بالإقصاء والتهميش من أمثال بعض من يكتب من هنا وهناك، أو بالمزايدة عليهم بالشعارات الجوفاء والخطاب الفارغ البعيد عن كل مشروع سياسي واضح يجمع عليه الجزائريين في غالبهم، وإلى من يتجرأ بالاستقواء عليهم بعدوهم، كما يفعل بعض "السياسيين" ممن يرتمي في أحضان الاستعمار كلما سمع صيحة أو نوقش الحساب. إن الجزائر للجميع، وأن الجزائريين لن يرضوا إلا بالعدل في كنف الحرية، ويطالبون صالح بإنارة البيت والتثبت، فلا ضرر ولا ضرار في عقال "العتروس".