جودو : تجديد الثقة في عبد المالك آيت موفق في منصب مدير فني وطني    عطاف يستقبل سفير اليونان لدى الجزائر    اجتماع الحكومة: دراسة مشاريع نصوص قانونية والاستماع إلى عروض تخص عدة قطاعات    استئناف أشغال مؤتمر الإسكان العربي الثامن بالجزائر العاصمة    الوادي..مشاركة 120 عارضا في الطبعة ال8 لصالون الدولي للفلاحة الصحراوية "أقرو سوف 2024"    معرض الإنتاج الجزائري: الطبعة ال32 تفتتح غدا الخميس بالجزائر العاصمة بمشاركة أزيد من 600 عارضا    المجلس الشعبي الوطني-المحكمة الدستورية: "الإخطار البرلماني" محور يوم دراسي بالجزائر العاصمة    إعداد ورقة طريق للتعاون والشراكة بين قطاعي الإنتاج الصيدلاني والتعليم العالي والبحث العلمي    فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله    هذا جديد برنامج عدل3 ..    8500 رضيع في خطر بغزّة    استباحة سوريا لضمان الأمن الإسرائيلي    هذه مُقاربة الجزائر لمعالجة ظاهرة الحرقة    عطّاف: العالم يعيش حالة عدم يقين    رونالدو الظاهرة ينوي خوض تحد جديد    لوكمان أفضل لاعب إفريقي    وضع حجر الأساس لإنجاز عدة مشاريع تنموية    اتّخاذ عدّة تدابير بشأن تسيير ورشات البناء بعنابة    اللغة العربية والتنمية محور ملتقى دولي    68 عاماً على تأسيس الإذاعة السرية    ربيقة يواصل لقاءاته    هيئة وسيط الجمهورية تُقيّم خدماتها    منظمة التعاون الإسلامي ترحب بتصويت الجمعية العامة لصالح مشروع قرار يؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره    استشهاد 12 فلسطينيا في قصف لجيش الاحتلال الصهيوني على شمال ووسط قطاع غزة    نقل بحري:تأجيل رحلة الجزائر-مرسيليا من الخميس إلى الجمعة بسبب سوء الأحوال الجوية    سلطات الاحتلال المغربي تواصل تضييق الخناق على وسائل الإعلام الصحراوية    قسنطينة توقيف شخص وحجز كمية من المخدرات الصلبة والمؤثرات العقلية    محتالون يستهدفون المسنين لسلب أموالهم    مستحضرات التجميل تهدد سلامة الغدة الدرقية    الرئيس تبون جعل السكن حقّا لكل مواطن    الشروع في إنجاز سكنات "عدل 3" قريبا    الرابطة الأولى موبيليس - تسوية الرزنامة: شبيبة القبائل ينفرد مؤقتا بالصدارة وشباب بلوزداد يواصل سلسلة النتائج الايجابية    شياخة: هذا ما قاله لي بيتكوفيتش واللعب مع محرز حلم تحقق    "الكاف" تواصل حقدها على كل ما هو جزائريٌّ    "الوزيعة"عادة متجذّرة بين سكان قرى سكيكدة    والي تيارت يأمر بوضع المقاولات المتقاعسة في القائمة السوداء    صيود يسجل رقما وطنيا جديدا في حوض 25 متر    رفع مذكرات إلى رئيس الجمهورية حول قضايا وطنية هامة    لقاء السنطور الفارسي بالكمان القسنطيني.. سحر الموسيقى يجمع الثقافات    تأسيس اتحاد الكاتبات الإفريقيات    حكايات عن الأمير عبد القادر ولوحاتٌ بألوان الحياة    إعادة إطلاق إنتاج أغذية الأسماك في 2025    إعادة فتح النظام المعلوماتي لتصحيح أخطاء حجز العلامات    اليوم العالمي للغة العربية: افتتاح المعرض الوطني للخط العربي بالمتحف الوطني للزخرفة والمنمنمات وفن الخط بالعاصمة    توقيف مروّج كيفٍ بالمطمر    نجاح الانتخابات البلدية في ليبيا خطوة نحو استقرارها    "اللغة العربية والتنمية" محور ملتقى دولي بالجزائر العاصمة    المالوف.. جسر نحو العالمية    الاتحاد يسحق ميموزا    سوريا في قلب الاهتمام الغربي    حرمان النساء من الميراث حتى "لا يذهب المال إلى الغريب" !    اتفاقية تعاون بين كلية الصيدلة ونقابة المخابر    خطيب المسجد الحرام: احذروا الاغترار بكرم الله وإمهاله    90 بالمائة من أطفال الجزائر مُلقّحون    الجوية الجزائرية تعلن عن تخفيضات    التوقيع على اتفاقيات مع مؤسّسات للتعليم العالي والبحث العلمي    الصلاة تقي من المحرّمات وتحفظ الدماء والأعراض    كيف نحبب الصلاة إلى أبنائنا؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أفسد الفساد
نشر في أخبار اليوم يوم 25 - 06 - 2015


بقلم: الأستاذ تهامي مجوري
يتكلم الناس عن الفساد ومؤشراته، فيتحدثون عن نهب المال العام والرشوة وتبييض الأموال، وتحقيق المنافع الخاصة باستغلال النفوذ، وغياب النماذج الاستثمارية الناجحة، وغياب التشريعات الرادعة للمخالفين لمصالح المجتمع. فيشعرون المتابع، بأن التحقق من وجود هذه المظاهر الفاسدة، والتفكير في محاربتها، يكفي للقضاء عليها، في حين أن ذلك ليس إلا مظهرا من مظاهر الفساد الحقيقي، الذي هو أفسد الفساد، وهو فساد التصور والفكر والمعتقد والأخلاق، الذي ينتج أنماطا سلوكية ومناهج علمية وعملية، تثمر لنا في النهاية ما يسمى بالفساد.
فالمخالفات الشرعية مثلا معاصي لله سبحانه وتعالى، والعاصي لله سبحانه، لا سيما فيما يتعلق بالواجبات الاجتماعية، يسهل عليه كل شيء، وفساده من أشر الفساد، وكذلك الخارج عن النظم الاجتماعية العامة، سواء بالخروج عن الأعراف السائدة أو تخطي القانون، لكونه لا يعير اهتماما للصالح العام، ولا يعبأ بما سيترتب عن مخالفاته من مفاسد، وعندما تتكرر المخالفات والخروقات وصيغ الخروج وتنوعها، تتحول إلى ثقافة تعم المجتمع، فينخرط فيها الجميع، فتهون المفاسد، وتصبح لا تمثل شيئا، وقد عبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذه الفكرة في قوله (مثل المؤمن مع المعصية، كرجل وضع على عاتقه جبل، أما المنافق فكأنها ذباب وقع على أنفه، فقال له هكذا بيديه..)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام. والفرق بين الحالتين هو أن المؤمن عندما يرتكب الإثم فإنه يندم فيعبر عن الضعف البشري والحاجة إلى المغفرة، أما المنافق فبحكم إدمانه على المعصية لا يراها على صورتها الحقيقية، كذلك الفساد، فإنه يتحول إلى ثقافة بكثرة الممارسة، وذلك لا يكون إلا بمقدمات عقدية وفكرية وتصورية وأخلاقية.
ولعل (تسمية الخوارج) المعروفة في المجتمع الإسلامي، يقصد بها هذا المعنى، وهو الخروج عن الإطار العام لواقع الأمة، ومخالفة سواد الأمة، وليس لمجرد رفع السلاح؛ لأن مخالفة المجتمع لا تكون بمجرد رفع السلام فحسب، وإنما برفع السلاح وغيره، حيث لا يمثل رفع السلاح إلا مظهرا من مظاهر الفساد وليس كلها.
إن الفساد قبل أن يصبح سلوكا، راشٍ ومرتشٍ وسارق ومبيض للأموال، يتشكل كفكرة في ذهن (العنصر الفاسد)، قبل أن تتحول إلى ثقافة تشيع بين فئة أو فئات من الناس، سواء كانوا من المتحكمين في مفاصل المؤسسات، أو من سائر طبقات الشعب. فالرشوة في المجتمع الجزائري مثلا كانت في فترات سابقة، كل مال يدفع بلا وجه حق، وبالتحديد ما يدفع للمسؤول في أي موقع كان، من أجل الوصول إلى حق من الحقوق، فكانت عند المواطن الجزائري سواء دفعها معتذرا بالضرورة، أو لم يدفعها مضحيا بحق أو حقوق له، لا يسميها إلا باسمها _رشوة-، وعلى مر الأيام بسبب فساد جوانب أخرى من المحتمع _التربية، الثقافة، الفن، الإعلام...- تحولت هذه الرشوة المنبوذة في ثقافة المجتمع، إلى حق لمن يأخذها وواجب على من يدفعها، وأعيطت اسم القهوة و(تشيبا، بل إن بعض آخذيها يسميها (حقي)، وذلك ظاهر في الكثير من القطاعات الاجتماعية والاقتصادية، كدفع الرشوة للحصول على السكن الاجتماعي، أو في التعامل مع الضرائب والجمارك والبنوك من أجل الحصول على القروض البنكية. اما على المستويات الأعلى فتظهر في العقود التي يبرمها المسؤولون مع المؤسسات الاقتصادية والتجارية الدولية التي تتحدث عنها وسائل الإعلام بين الحين والآخر.
وعلى المستوى السياسي قد يبلغ المجتمع مستوى من الفساد، إلى التمرد الكامل، بحيث يصبح المواطن لا يرى أن هناك دولة أو قانونا يحميه أو يحفظ له حقوقه، فيُحْدث من صيغ التعامل ما يراه مناسبا له ومحققا لمصالحه بقطع النظر عن انعكاس ذلك على غيره من أفراد وجماعات المجتمع.. فتكون الفوضى بسبب تضارب المصالح بين الأفراد والجماعات.
لا شك أن الناس ينشغلون بالبحث عن مدى معقولية هذا الفعل وذاك وجوازه شرعا، ويغفلون عن تمدد (ثقافة الفساد)، بحيث يفقد المجتمع جميع المعايير والمراجع التي يتحاكم إليها في أموره عادة.
إن أفسد الفساد في تقديري، في أي مجتمع هو فساد الأفكار التي تحكمه وفساد الثقافة السائدة فيه، حول الحقوق والواجبات، وحق الفرد في إطار الجماعة، وواجب الفرد نحو محيطه، وأدوار الأفراد والمؤسسات تجاه بعضها البعض، وتناغم حركة المجتمع فيما بين أفراده. فعندما لا يرى الفرد أن الإضرار بالمجتمع إضرار به هو، وأن حقوقه ينالها عندما يقوم الكل بواجباتهم، وأن الواجبات التي على عاتقه هي حقوق لآخرين ينتظرونها..
وعليه فإن ما تركز عليه المجتمعات في القضاء على ضعفها وانحرافها وفسادها وأفسد الفساد فيها، هو المنظومة التربوية، التي تنبثق عنها جميع النظم بعد ذلك؛ لأن العملية التربوية هي التي تعيد صياغة الفرد والجماعة وفق تصور وثوابت فكرية ثقافية واجتماعية، ورؤية تذوب فيها خصوصيات الحاجات الفردية في وعاء حاجة اجتماعية شاملة، ولا أدل على ذلك من تجربة اليابان، وسنغافورا وماليزيا وتركيا..، هذه المجتمعات قد قفزت قفزات نوعية راقية، في تقليم أظافر الفساد والقضاء على الكثير من آثاره السيئة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.