*الحلقة الرابعة والأخيرة *تنتهي هذه الحلقة الرابعة والأخيرة من الرد الذي ضمنه الأستاذ الحقوقي العيد جرمان، دفاعا عن الرئيس الأسبق المجاهد أحمد بن بلة الذي يعد رمزا من رموز إفريقيا، وأحد حكمائها الكبار ونتمنى أن تكون هذه المقالة تدعيما للذاكرة الوطنية. 4) الصحيح المهجور والخطأ المشهور: هناك من يكذبون على التاريخ بطريقة، »هوبلز« وزير الإعلام النازي، وهو القائل »اكذب وأكثر من الكذب يصدقك الناس«، يكذبون ويحاولون ان يحملوا الغير على تصديق انتاجهم من الكذب البواح، وفي هذا النحو يقول المتنبي: كم تطلبون لنا عيبا فيعجزكم ويكره اللّه ما تأتون والكرم ما ابعد العيب والنقصان عن شرفي انا الثريا، وذان الشيب والهرم صدق نحاة في مقولتهم: »عند الفجور، يصبح الخطأ المشهور، أولى من الصواب المهجور« حقيقية فعندما اخفوا تاريخ الزعيم بن بلا عشرات السنين، اصبح الذين كانوا في الصفوف الوسطى والأخيرة هم التاريخيون، والزعماء والأبطال والقادة العظام. ومن المغالطات التاريخية المشهورة، نكتفي بالإشارة إلى: 1) اسطورة أن الرئيس بن بلا ضرب الإقامة الجبرية سنة 1964 على الشيخ البشير الإبراهيمي، وهي أسطورة لكثرة تكرارها صدقها الناس، ود / احد طالب الإبراهيمي لم ينفها عنوة في مذكراته« مذكرات جزائري« المنشورة خلال سنة 2007 (وهي مكدسة في رفوف المكتبات) سكت عن قول كلمة حق في خصمه. تلك المغالطة نفاها الرئيس بن بلا عددا من المرات، ولكن يظهر أنها مستعملة قصد التنكيل به ان استطاعوا، يعرف الرسميون انها اكذوبة، ومنهم الشيخ الجليل عبد الرحمان شيبان، وهو الذي قال انه »كان يرافق الرئيس بن بلا في المناسبات لزيارة الشيخ الإبراهيمي في بيته«، تقديرا له، وتخفيفا عنه لكبر سنه، فالشخصيات في أي دولة هم من يزورون الرئيس في الرئاسة، غير أن الرئيس قلب المراسيم المتبعة وكان هو من يزور الشيخ الإبراهيمي في بيته، رغم أن الشيخ الإبراهيمي هو من اصدر بيان 16 ابريل 1964 يعترض فيه على انعقاد المؤتمر الأول لحزب جبهة التحرير الوطني، فيما بين 16 و21 ابريل 1964، والبيان منشور ومشهور مضمونه، وكان يقول عن الإشتراكية »اشتري كية«، وهو ما كان يوافقه فيه الشيخ عبد اللطيف سلطاني، صاحب كتاب» المزدكية هي أصل الإشتراكية« وكتاب »سهام الإسلام« . كان الشيخ سلطاني (البسكراوي) يعارض جهارا نهارا سياسة الرئيس احمد بن بلا، وكان إماما ولا يفوت خطبة جمعة الا ووجه لسياسته الإنتقاد الشديد اللهجة، يعترض على الإشتراكية، وعلى التعريب باستقدام الاخوة العرب من المشرق بصفة متعاونين، وكانوا من خيرة المعلمين والأساتذة وقد تتلمذنا عليهم، ورغم أن الشيخ سلطاني كان مجحفا في حق الرئيس، غير أن الرئيس اكتفى بأن فرض عليه الإقامة الجبرية، وعزله من الإمامة لئلا يحدث بلبلة في جماهير المصلين في العاصمة، فقد كان اماما في جامع »كتشاوة« الشهير، وكانت له قصص اخرى في عهد هواري بومدين والشادلي بن جديد. 2) الإشتراكية الجزائرية في مفهوم الرئيس وفي مفهوم بعض الدعاة: مشكلة بعض الدعاة انهم يزهدون في الإطلاع على الثقافات العامة، وعلى الإلمام بتمحيص الإيديولوجيات العالمية وتأصيلاتها وتاريخها، فمنهم من لايعرف من معاني الإشتراكية إلا الإشتراكية العلمية (الماركسية)، والحقيقة غير ذلك تماما، فالإشتراكية أنواع نظرية وتطبيقات عديدة، فالموازنة بين مصالح الأفراد والمصلحة العامة هي اشتراكية، والعدالة الإجتماعية بالمفهوم الإسلامي يسميها البعض مجازا اشتراكية، والعبرة بالموضوع والتطبيقات لا بالشكل والتسميات، والحقيقة ان الإسلام لا هو ليبيرالي بالمفهوم الغربي للقرن الثامن عشر، ولاهو اشتراكي بالمفهوم الشرقي للقرن التاسع عشر، انه نظام اقتصادي متكامل، له نظريته وتطبيقاته المعروفة منذ 15 قرنا، والإسلام دين الوسيطة، تجد فيه تطبيقاتها كل نظريات مفيدة للإنسان، عملا بالحديث الشريف »لا ضرر ولا ضرار ومبدأ« أنت حر مالم تضر« وهو يتماشي مع التطور التاريخي بأن يكون صالحا لكل زمان ولكل مكان وبذلك فالإسلام ليس اشتراكيا بالمفهوم الشرقي، ولكنه ليس ليبراليا بالمفهوم الغربي، انه نظام المصالحة والموازنة بين مصلحة الأفراد والعدالة الإجتماعية، لا هو يساري ولا هو يميني بالمفهوم الإقتصادي، هو دين التكافل الإجتماعي الشامل، لا يعترف بالفوارق والطبقات، لا بالشيوعية ولا بالرأسمالية، انما اشتراكية الإسلام هي عدالة اجتماعية، من ادواتها الزكاة وتوزيع الأراضي وتمليكها، واحتفاظ الدولة بالمشروعات الكبرى.. الخ، وفي هذا الإتجاه جاء بيان الفاتح نوفبر 1954 في قوله: »اقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الإجتماعية ذات السيادة ضمن اطار المبادئ الإسلامية« وهو البيان الذي حرره الزعيم أحمد بن بلا في القاهرة بمعية أهل خبرة في الدين والإقتصاد والسياسة، ثم قرأه من اذاعة صوت العرب ليلة الفاتح نوفمبر، كان ذلك هو البيان العام، ووزع البيان المختصر في داخل الجزائر قبل ذلك بقليل لتكون الإنطلاقة موحدة عبر الإقليم الجزائري، ورغم ذلك فالبيان لم يوزع في الكثير من المناطق خاصة في الغرب والجنوب وبسبب اهمال المرجعية الإسلامية في مقررات اجتماع الصومام 1956/08/20 اختلف الزعيم مع محرري تلك القرارات وعلى رأسهم عبان رمضان. ودستور سبتمبر 1963 كان من محرريه الأستاذ الدكتور محمد توفيق الشاوي وهو من الإخوان المسلمين، وكان احد مستشاري الرئيس بن بلا في الشؤون الإسلامية والقانونية إلى جانب عدد من الفنيين والأخصائيين الجزائريين، وجاء فيه: الجزائر جمهورية ديمقراطية شعبية (المادة 1)، وهي جزء لا يتجزأ من المغرب العربي والعالم العربي وافريقيا(المادة 2)، شعارها من الشعب وإلى الشعب (المادة 3) الإسلام دين الدولة (المادة 4)، والعربية هي اللغة الوطنية والرسمية للدولة (المادة 5)، الأستاذ / محمد حربي يقول: »كان الرئيس بن بلا يعتبر أن الإسلام هو الأساس وهو الإسمنت للمجتمع الجزائري « (جريدة الوطن 2001/05/21 ص / 4). ومعروف أن »الديمقراطية الشعبية« تعني الديمقراطية الإجتماعية أو الديمقراطية الإشتراكية، وان السلطة للشعب عن طريق المجالس المنتخبة وطنيا وفي البلديات والأقاليم، ومن ثم فان الديمقراطية الجزائرية هي ديمقراطية عصرية واشتراكيتها اسلامية، لا هي برجوازية ولا هي ماركسية، كما يظن خطأ بعض الدعاة ومنهم كان الشيخ البشير الإبراهيمي والشيخ سلطاني ولوسوء فهمهما المذهبي كان خلافهما السياسي مع الرئيس بن بلا. وأمير الشعراء احمد شوقي يصف في احدى همزياته، الرسول الكريم محمد عليه السلام بانه امام الإشتراكيين في قوله: الإشتراكيون أنت إمامهم لولا دعاوى القوم والغلواء انصفت اهل الفقر من أهل الغنى فالكل في حق الحياة سواء فلو أن انسانا تخير ملة ما اختار الا دينك الفقراء ومن ثم فإن الإشتراكية العربية هي اشتراكية إسلامية ولا علاقة لها بالإشتراكية الماركسية، والديمقراطية العربية ديمقراطية اجتماعية ولا علاقة لها بالديمقراطية الشيوعية ولا بالأممية بأنواعها. خرج الإستعمار الفرنسي مدحورا وترك الجزائر بلدا ينتشر فيه الجهل والفقر والمرض، ومخلفات حرب كانت أتت على الأخضر واليابس، وترك أملاكا شاغرة: مساكن واراض زراعية شاسعة، قام الرئيس بن بلا باعلان انها شاغرة، ولم يكن له من بد الا اللجوء الى التسيير الذاتي، ولم يكن يصلح للجزائر لا وقتذاك ولا بعده إلا النظام الإشتراكي ذي المرجعية الإسلامية. 3) قضية إعدام محمد شعباني: نشرت جريدة الخبر اليومي، تفاصيل إحدى القضايا الكبرى، بالإشهار لها في الصفحة الأولى، وبالخط العريض: الشاذلي بن جديد في شهادة مثيرة. بن بلا امر باعدام شعباني وبالإسراع في تنفيذ الحكم (مع صورة الشاذلي). واليكم ملخصا عما قال في تلك الشهادة في خصوص اعدام المرحوم شعباني : »... انه هو الذي أجهض تمر شعباني «، ثم شكلت محكمة ثورية (عرفية لا ثورية) لمحاكمته، فاتصل به بومدين ليقول له أن الرئيس بن بلا عينه عضوا في تلك المحكمة مع سعيد عبيد وعبد الرحمان بن سالم، يرأسها القاضي زرطال والرئيس يطلب منهم الحكم عليه بالإعلام، وإذا لم تصدقني (القول لبومدين) اتصل بالرئيس عندما تأتي إلى العاصمة، وانه صدق بومدين لأنه لم يسبق ان كذب عليه. لم تستغرق المحاكمة وقتا طويلا، وصدر الحكم باعدام شعباني بتهمة محاولة التمرد على الحكم وزرع الفتنة في صوف الجيش، وانهم (الضباط بن جديد والآخرين) طلبوا من شعباني ان يلتمس العفو من الرئيس، غير انه كان منهارا، فطلب منهم أن يقدموا هم الطلب بذلك باسمه، وهم كلفوا سعيد عبيد بتقديم الطلب بالعفو الى الرئيس. عاد اليهم سعيد عبيد وابلغهم انه اتصل بالرئيس وانه اهانه، واغلق التليفون في وجهه، ويوم الغد 03 سبتمبر 1964 اعدم شعباني في غابة بالقرب من كناستل (ضاحية وهران)، وحمل ليدفن في مكان مجهول، وفيما بعد قيل له (بن جديد) بان الرئيس بن بلا كان يستعد في اليوم الموالي (للاعدام) للسفر الى القاهرة، وانه حين قرأ في الجرائد خبر اعدام شعباني، صاح قائلا: »خسارة كيف يعدمون ضابطا شابا مثل شعباني « (أ ه) (جريدة الخبر اليومي 04 ديمسبر 2008 ص /3). إليكم بعض العناصر ولكم التعليق: أمر بالإعدام، وبالتليفون ، وفي ذلك شبهة كذب، واضرار بالمحكوم عليه، وبالمأمور باسمه، واهانة بالذي يقبل تلك الأوامر، بدل أن يرفضها ويستقيل. - قضاة يحكمون بالإعدام ثم يسعون لطلب العفو من الرئيس و(دائما) بالتليفون ، وقد يقبل وقد يرفض يتركون ما يستطيعون ويسعون للحصول على ما يحتمل أن يقبل و يرفض. - اهانة للعدالة وتلاعب بالأرواح - قضية يدين فيها خصم خصمه - يتصل ضابط مباشرة برئيس الجمهورية ويتجاوز وزيرالدفاع وقائد الأركان، والعسكري مطلوب منه ان يخضع بصرامة للسلطة السلمية. - حكم بالإعلام حيثياته. قال فلان وقال فلان، كلام فلتان، وقد يصدق فيه قول القرآن الكريم » يا أيها الذين أمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحواعلى ما فعلتم نادمين« (الحجرات / 06) وقول الشاعر الفرزدق: فكنت كفاقئ عينه عمدا فاصبح لا يضيء له النهار العقيد شعباني كان تمرد مرتين على بومدين، ومشكلاته كلها مع بومدين، وهو من كان صديقه الرئيس بن بلا، وكان يرى فيه قدوته وامل الجزائر (ذلك ما صرح به الرائد عمر صخري وهو أقرب اصدقاء العقيد شعباني، لجريدة الخبر الأسبوعي الصادرة فيما بين 25 فبراير و03 مارس 2009 ص / 12) وكان بومدين وقتذاك وزيرا للدفاع ونائبا لرئيس الحكومة، وهو من يخلف السيد بن بلا عند أسفاره الى الخارج. وقضية شعباني استثمرت للإضرار بالرئيس بن بلا وما تزال إلى الآن فوائد ذلك الإستثمار تدر ريعا على من يريدون الإتجار في التاريخ. 4) الكتاب الأبيض: بيان الإنقلاب في 19 يونيو 1965 اتهم الرئيس بالخيانة العظمى، ووعد بإصدار كتاب أبيض، غير أن ذلك الكتاب لم يصدر إلى الآن. وأخيرا: نتمنى أن يكتب تاريخ ثورة تحرير الجزائر بموضوعية، اليوم لا غدا، فكل يوم يمر قد ينقص من معطيات التاريخ المادية والمعنوية من شفوية وشهادات ومذكرات.. الخ، وقد ذهب الكثير من صناع التاريخ وشهوده دون أن يقولوا كلمتهم ومنهم : د / النقاش وحاج بن علا، وكريم بلقاسم ولعبيدي الحاج لخضر. الأستاذ / ع. جرمان حقوقي - باحث في التاريخ