صحيح أن منظومة الأممالمتحدة تشكو الضعف والنقد والمطالبة بإصلاح آليات عملها ومنذ مدة طويلة، لكن تبقى المرآة العاكسة لتوجهات قادة وساسة العالم بأسره، سواء عن طريق الخطابات، المشاريع، السياسات، القرارات.. التي تعرضها، تُمررها، تصوت عليها، أو تعارضها وتمنع خروجها من داخل المبنى الأممي، فيا ترى: ما هو الجديد هذه الدورة؟ وما المواضيع المختلفة المطروقة؟ خاصة ما يهمنا، ورقعتنا الجغرافية الممتدة إلى الساحل والصراء وحتى إفريقيا، إلى الشمال وما يقوله ويفعله الأوروبيون، إلى الشرق الأوسط كذلك. إنها المنصة التي تُلخص لنا المواضيع المرتبطة بالأحداث والأزمات والحروب الدائرة حولنا. إن المواضيع المهمة حسب ما جاء في الجلسة الافتتاحية أمام الجمعية العامة الأممية يوم الثلاثاء 19-09-2017 كوريا الشمالية وتوجهاتها الانتحارية حسب ما جاء في خطاب الرئيس دونالد ترامب، كما استخدم مفهوم "الدولة المارقة" مشيرا إلى إيران، وهو المفهوم الذي انخفض استعماله في الأدبيات السياسية والأكاديمية لمدة معينة، وها هو يرجع به للتعبير عن تباعد الرؤى بين إدارته وإيران، وهو الموضوع المحوي المُؤثر في كل منظومة الشرق الأوسط لأن تواجد إيران من عدمه، تقاربها من الولاياتالمتحدة من عدمه، يقلب كل الموازين. ثم موضوع الإرهاب والإرهاب الإسلامي تحديدا هو الذي سيركز الحرب عليه. وهو الاتجاه نعرفه جميعا عن الرئيس الامريكي والذي يُسوق له منذ توليه الحكم. وقد رد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف واصفا الخطاب ب " خطاب الجهل والكراهية". وهذا يُعيدنا إلى موضوع محوري في العلاقات الدولية اليوم وهو ارتفاع منسوب توظيف مواضيع الإرهاب، العنف، ونشر الكراهية على كل المستويات. الموضوع الآخر الذي يقترب منا جدا، من جوارنا الإقليمي، هو خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي عبر في خطابه عن مواقف بلاده من مختلف القضايا الدولية ورؤيتها لحل الأزمات، منها ضرورة التمسك بالاتفاق النووي مع إيران لتأطيره أكثر والتحكم في الموضوع والتراجع عنه أمر غير عقلاني وهي إشارة واضحة لعدم الاتفاق مع التوجهات "العشوائية المتهورة" للرئيس الأمريكي، نفس الموقف من اتفاق باريس المناخي الذي أكد أنه لن يتم "إعادة التفاوض حوله" وبإمكان الولاياتالمتحدةالأمريكية العودة إليه متى شاءت ذلك. هذا وتوصيفه للرئيس السوري بشار الأسد بمجرم حرب يجب مُقاضاته دوليا، وعمل بلاده على وضع خارطة طريق سياسية شاملة في سوريا، وتمسك بأهمية تنظيم انتخابات في ليبيا مطلع 2018 وهو الامر صعب التحقق وتستبعد العديد من الاطراف إمكانية تحقيقه على الأرض، دون أن ننسى اهتمام إدارته بملف دولة مالي. موضوع التطهير العرقي حضر في القاعة الأممية، بالتنديد بإبادة الروهينجا والمأساة الإنسانية التي تستوجب مواجهتها من المجتمع الدولي. ثم الأزمة الخليجية التي انتقلت من أروقة العراك والتلاسن في الجامعة العربية إلى الجمعية العامة بكلمة الأمير القطري الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والذي ركز على كل حيثيات الحصار، ما يُعبر عن عدم زحزحة الأزمة من مربعها الاول وعدم وضوح وبلورة أسس الحل التي تقع مفاتيحها في يد الولاياتالمتحدةالأمريكية التي لم تحسم في الأمر بعد، خاصة أنه في خطابه، ركز الرئيس ترامب على إيران في الشرق الأوسط وتوجهاتها المارقة، ويمكن ملاحظة أنه كلما ابتعدت الولاياتالمتحدةالامريكية عن إيران، فإنها تقترب أكثر فأكثر من السعودية وحلفائها، ما يؤدي إلى اسمرار أزمة الخليج للفترة القادمة على الأقل في ظل عدم وجود مؤشرا أخرى للحلحلة.هي صورة مصغرة عن تحرك الكبار وسكوننا نحن.