الأستاذ: خالد رابح يعتبر الشيخ زيان عاشور مثالا للوطنية ورمزا من رموز النضال السياسي في الجزائر، كان يلقب بأسد الصحراء يناديه قادة الثورة "بالشيخ زيان عاشور"، لما في كلمة الشيخ من رمزية ودلالة وكانت شخصيته تمتاز بالوقار والهدوء والسكينة والصبر، كما كان رجلا صالحا ذي بصيرة ورأي في حلّ الخلافات بين قادة الثورة، قال عنه الشهيد الرمز مصطفى بن بولعيد " الشيخ زيان الرجل الذي يعوّل عليه في الصحراء". * مولد ونشأة الشيخ زيان عاشور: ولد زيان عاشور في 1919 في أسرة بدوية عريقة، من أبوين هما المبروك وبركاهم، بقرية البيض الجبلية بلدية البسباس بولاية بسكرة، تعيش على تربية المواشي، الأغنام والإبل، حفظ ما تيسر من القرآن العظيم عن معلم النزلة كغيره من أطفال البادية، كان يرافق عمه في رعي الإبل وجلب الماء من آبار ربيح أو خنافس. انتقل الشيخ زيان عاشور إلى زاوية سيدي أحمد بن رميلة بالقصيعات لمواصلة التحصيل العلمي ومنها إلى عين الملح ليحفظ القرآن الكريم وأخيرا الزاوية المختارية بأولاد جلال ليتتلمذ على مشايخها الشيخين العابد سماتي ومصطفى مبروكي فاستقر بأولاد جلال واشترى منزلا غرب المدينة العتيقة بالمكان المعروف "زريرش".
* الحرب العالمية الثانية 1939-1944م فرض على الشيخ زيان عاشور التجنيد الإجباري كغيره من الشباب الجزائريين، وأرسل إلى الجبهة الشرقية "تونس" لمواجهة جيش ثعلب الصحراء "رومل" وفي 1944 عاد إلى أولاد جلال برتبة ضابط صف، متعبا مرهقا لكنه استفاد من العمل الشاق في خبرة عسكرية وتكوين حربي، ساعده في تحمل المسؤولية كقائد لتكوين جيش التحرير الوطني والتدريب على السلاح والقتال.
* نضال الشيخ زيان السياسي: انخرط الشيخ عاشور زيان في حركة انتصار الحريات الديمقراطية 1947 فكان يقوم بدوره في التكوين وتدريب الشباب على العمل النضالي والقتالي وكان ينشط تحت اسم رئاسة لجنة البطالين ذات المطالب الاجتماعية لكن هذا العمل لم يخف على السلطات الإستعمارية وأذنابها، فزجّ به في السجن 1948، وبعد خروجه هاجر إلى فرنسا، حيث كلّف بمواصلة العمل التحسيسي والتكويني في صفوف عمال منطقة " ليون" في خلية كان يرأسها المناضل البشير بومعزة، فتوطدت العلاقة بينهما.
* التحضير للثورة: عاد الشيخ زيان عاشور إلى أرض الوطن واستأنف النشاط السياسي في حركة انتصار الحريات الديمقراطية مع رفاقة في الحزب وترسّخت علاقته بالشهيد الرمز مصطفى بن بولعيد في الأوراس، وأشرف الشيخ زيان على انتخابات 1952 وكانت له مشادات مع سلطات الاستعمار بعد أن اكتشف التزوير الفاضح لمرشحيها على حساب مرشحي حزب الشعب في منطقة البسباس، حيث قاطع الانتخابات فوضعته سلطات الاستعمار تحت رقابة مشدّدة ومستمرة. كما تم اعتقاله 1953 وفي نفس السنة غادر السجن و كلف بحضور مؤتمر بروكسل ببلجيكا، لكن المخابرات الفرنسية التي كانت تلاحقه منعته من السفر فانتدب عنه صديقه محمد بلكحل الذي مثّله. واصل الشيخ زيان نشاطاته لتحضير الثورة المسلحة، فكان على اتصال دائم بمصطفى بن بولعيد من جهة ومع خلايا التسليح التي كوّنها عبر خطّي وادي سوف والجلفة وكان يبعث الفائض من الأسلحة إلى الأوراس. وبعد اندلاع الثورة في الفاتح من نوفمبر 1954 اعتقلت السلطات الاستعمارية الشيخ زيان في أولاد جلال كما فعلت مع الكثير من مناضلي الحزب في جميع أنحاء الوطن وأودعته سجن الكدية بقسنطينة ، فالتقى بصديقه مصطفى بن بولعيد وفي جويلية 1955 تم إطلاق سراحه.
* جهاد الشيخ زيان عاشور: استأنف الشيخ زيان نشاطه فور العودة إلى منطقته بجمع الأسلحة وكثّف اتصالاته بالمناضلين في أولاد جلال وسيدي خالد والدوسن وأولاد زكري والجلفة ومسعد وعين الريش وعين الملح وبوسعادة، فكوّن جيشا تجاوز 1200 مجاهد. وقد أرسل فوج من الشباب المجاهدين بقيادة محمد بلكحل إلى ناحية باليسترو كما سمع خبر وجود عمر ادريس "فيصل" بناحية جبل بوكحيل، فاستدعاه واجتمعا بناحية اولاد جلال وتمّ التنسيق بينهما والاتفاق على أن يدعمه بالسلاح والرجال. وفي شهر أكتوبر 1955 تلقّى أمرا مكتوبا من طرف الشهيد الرمز مصطفى بن بولعيد ينصّبه قائدا للوحدات الموجودة بالمنطقة التي كانت تحت قيادة الشهيد عمر ادريس فيصل و بموجب هذا الأمر اكتسى عمله الصيغة القانونية لثورة التحرير الوطني، حيث كان من المقرر تعيينه في أول نوفمبر لولا دخوله السجن. وحسب شهادة المجاهد" الطيب فرحات احميدة" كان الشيخ زيان وسي الحواس حاضرين ساعة استشهاد مصطفى بن بولعيد بواسطة الراديو المفخخ "جهاز اللاسلكي" التي دبرها الاستعمار بإحكام، وأبّن الشهيد الرمز وصلى عليه صلاة الجنازة. وفي شهادة للعقيد أوعمران، نائب البطل الرمز كريم بلقاسم أن الثورة منذ اليوم الأول عينت الشيخ زيان عاشور قائدا على الصحراء وهي من أهم المناطق الاستيراتيجية. * التنسيق بين الشيخين سي الحواس و زيان: في جوان 1956 وقع اجتماع في "النسينيسة" بين سي الحواس والشيخ زيان بمشاركة إطارات من الجيش منهم سي الحسين بن عبد الباقي والصادق جغروري وتمت فيه عملية التوزيع الجغرافي بين سي الحواس والشيخ زيان وتوحيد المالية بتشكيل لجنة مشتركة أعضاؤها هم: محمد بن القرمي، مرزوق بلكحل، ابراهيم بن يوسف، الطيب خالوطة. وفي إطار توسيع رقعة الكفاح، وجّه سي الحواس فوجين إلى الصحراء الأول إلى غرداية أول أكتوبر 1956 ويتكون من محمد جغابة ورابح عصمان وزيان محمد وعمر بلقاسم وتوات سليمان وكان دليلهم عمر بن بلقاسم، أما الفوج الثاني الذي يقوده آرويني لخضر، روينة محمد " قنتار" ، حمدي بن عثمان وحليلو براهيم، فقد توجه في 26 أكتوبر 1956 ونزل في بريان وكان دليلهم عمر بن بلقاسم وقد بدأ العمل في غرداية بمساعدة محمد بن السعيد من متليلي وبوعمامة من المنيعة. كما وجّه الشيخ زيان عاشور عبد الرحمن بلهادي الذي اتصل بإن جلول المدعو العماري إلى جبل القعدة بآفلو ومحمد بن الهادي نحو جبال تفارة وعمر ادريس نحو جبال "مناعة وقعيقع" بالجلفة وشتوح العيساوي، أما بوشريط فقد كوّن جيشا بمبادرة منه والتحق به العماري في 1955 بقعدة القماتة ثم اتصل بالعربي بن مهيدي بالجبهة الغربية وبعد رجوعه أسس خلايا لجمع الأسلحة والأموال والمؤونة، ووجّه فرق عسكرية بلباس مدني إلى البيض وبوقطب ومشرية ومتليلي والأبيض سيدي الشيخ وامتد نشاطه إلى حدود أولاد نايل.
* أهم المعارك في منطقته واستشهاده: قاد الشيخ زيان عدة هجومات على مراكز العدو الفرنسي وخاض مع جيشه عدة معارك شهيرة في المنطقة التابعة لقيادته منها:
* الهجوم على مركز القومية في عين الريش: شنّ الشيخ زيان رفقة 35 مجاهدا هجوما مباغا على مركز القومية في عين الريش ماي 1956، قتل خلاله قائد المركز وخمسين " قوميا" وغنم أسلحتهم وكل عتاد المركز وقد سبق الهجوم اتصالا بين المجاهدين وبعض أفراد المركز الذين التحقوا بجيشه.
* معركة غزران بجبل بوكحيل: حدثت هذه المعركة بعد عودة الشيخ زيان من الأوراس بعد أن تلقى أمرا من البطل الرمز مصطفى بن بوالعيد بضرب العدو حيثما كان كما جاءت بعد قيامه بتقسيم المنطقة التابعة له إلى نواح وتعيين قائد على كل الناحية. لقد سبق هذه المعركة هجوم عمورة الذي غنم فيه المجاهدون أسلحة كثيرة وكرد فعل على ذلك وقعت معركة غزران في 25 ماي 1956 التي حشد لها العدو الفرنسي قوات ضخمة حوالي ألفي عسكري من اللفيف الأجنبي والمجندين الأفارقة مقابل 50 مجاهدا بقيادة الهاني محمد بن الهاني ولخضر رويني، الذين صمدوا في وجه العدو يومين كاملين خسر العدو فيها طائرة والعديد من عساكره، فقد كان يجلي الجرحى والقتلى بالشاحنات إلى قرية عمورة التي شهد سكانها بذلك وقد استشهد فيها 7 مجاهدين وكرد فعل على الخسائر في هذه المعركة قام العسكر بقتل أطفال المجاهد سعد بن لهصك الذي كانت خيمته قريبة من مكان المواجهة وشارك رفقة زوجته فيها لتخويف المواطنين من نفس المصير إذا تعاونوا مع المجاهدين وتعد معركة غزران أول معركة أعطت للثورة دعما قويا وكسرت حاجز الخوف عند المواطنين بالمنطقة لما حققته من انتصار باهر على القوات الاستعمارية وقد ترصد العدو للمجاهد سعد بن لهصك، حيث دخل في اشتباك معه فقتل 20 عسكريا واستشهد سعد وزوجته وأخيه فنالت الأسرة شرف الشهادة في سبيل الله والوطن. * معركة قعيقع: قاد هذه المعركة البطل الشهيد عمر إدريس (فيصل) النائب العسكري الشيخ زيان ومسؤول الناحية عبد الرحمن بلهادي وقعت في المكان المسمى " القعادي" شرق مدينة الجلفة في 10 جوان 1956 دامت يومين كاملين، كذلك سبق هذه المعركة إقناع جيش التحرير الوطني 13 عسكريا من فرسان الخيالة " السبايسية" بالالتحاق بالثورة فانضموا إلى صفوف المجاهدين بأسلحتهم كما قام المجاهدون بإحراق محطة السكك الحديدية بمدينة الجلفة وكذلك ورشة أشغال الطرق وقطع أسلاك الهاتف بين الجلفة وحاسي بحبح، كما قاموا بإطلاق الرصاص على القطار فأصابوا 03 من عساكر العدو، أدى كل هذا إلى إثارة العدو الذي اقتفى أثر المجاهدين إلى جبل قعيقع حشد إلى هذه المعركة قوات ضخمة في أرتال متنوعة من العربات المدرعة وناقلات العسكر وأسراب من الطائرات كان عدد المجاهدين 90 مجاهدا استدرجوا بحنكة وتجربة العدو إلى ميدان المعركة بعدما أن توزعوا في أماكن محصنة بين الصخور واشجار البلوط والصنوبر. هجمت القوات الفرنسية بقواتها الضخمة مستخدمة قنابل النابالم لأول مرة وقد استبسل المجاهدون في هذه المعركة وهزموا العدو الفرنسي الذي انسحب من المعركة وقد قتل فيها العديد من المجندين الأفارقة وإسقاط الطائرة من نوع "ت 06" وتحطم عدة سيارات عسكرية وغنم 32 بندقية آلية ومدفعين رشاشين من نوع 24 ورشاشا ثقيلا ألماني الصنع أما في صفوف المجاهدين فسقط 07 شهداء و 04 مسبلين وجرح عدد آخر. * استشهاده: حدثت معركة وادي خلفون في 07 نوفمبر 1956 إثر قيام قوات العدو بتمشيط المنطقة من طرف قوات اللفيف الأجنبي واكتشافها لوجود فرقة من المجاهدين 35 مجاهدا بقيادة الشيخ زيان فقامت بمحاصرة المكان بشكل كامل قوات ضخمة مدعومة بطائرات من الجلفة ومسعد وعين الملح ووادي الشعير وعين الريش وأولاد جلال وسيدي خالد، ورغم عدم إستيراتيجة المكان وقلّة المرافقين له ، قرر المواجهة وعدم الإستسلام وبعد ساعات من القتال نفذت الذخيرة من بعض المجاهدين وسقط الشيخ زيان عاشور و 07 من رفاقه شهداء في ميدان الشرف وهم سي العربي، أولاد موسى، وصادق سعودي والشيخ جهرة، عبد الحميد سعيدان وعبد الرحمن شخشوخ الجيلاني ثامر محمد بلقرمي، نقلا عن مطبوعة صادرة عن بلدية البسباس. وفي اليوم الموالي قاد عمر إدريس فيصل ولخضر الرويني 62 مجاهدا اشتبكوا من قوات العدو في جبل شفة قرب البيض، حيث اسقطوا طائرة مروحية من نوع " بنان" للعدو ولم تقدر خسائر جيشه وآليته، استشهد فيها 36 مجاهدا. يروي الرائد "جان ماري بوتيه"، الذي كان أحد قادة معركة وادي خلفون في كتابه Bataillon R.A.S أن الشيخ "زيان عاشور" سقط في الوادي برصاص نقيب فرنسي من أصول يوغوسلافية كان على متن مروحية.