* نذلل الصعوبات أمام الجزائري حتى يشعر أنه في بلده الثاني * مشاكل الشرق الأوسط مردها التدخل السافر في شؤون البعض
"لم ولن ننسى المواقف البطولية للدولة الجزائرية" بهذه العبارة خاطبنا سعادة سفير دولة اذربيجان لدى الجزائر ماهر علييف، حيث اكد في كل مرة على ذلك الحب الذي يخفيه هذا الدبلوماسي وكل اذربيجاني يعرف الجزائر من قريب، فقد اكد لنا في هذا الحوار المطول انه رغم العلاقات الفتية بين البلدين، لكن سمعة الخارجية الجزائرية كانت دوما ما تسبقها في المحافل الدولية، مضيفا ان "باكو" تستلهم علاقاتها من وميض وبريق ثورة المليون ونصف المليون شهيد لتؤسس لعلاقة ستبقى كما بقيت هامات الجزائر في تاريخ الذاكرة البشرية.
* بداية وكسؤال نفتح به هذا الحوار الدبلوماسي رفقة سعادتكم، كيف تقيمون واقع العلاقات بين الجزائروأذربيجان؟ بالنسبة للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، او بصفة عامة العلاقات في صورتها الشاملة، نحن نعتبرها اتجاها رئيسيا في السياسة الخارجية لأذربيجان، وخاصة علاقات دولتنا مع الدول الإسلامية بما فيها الدول العربية، ومن خلال هذا الحوار معكم أريد ان انتهز الفرصة لأقول وأؤكد ان الشعب الأذري يحب كثيرا هذا البلد، لأن الجزائر كانت ولا زالت نموذجا للعديد من نماذج التحرر في كافة دول العالم، وهو ما قدمته من غال ونفيس لاسترجاع كرامتها، وهو ما نبني عليه علاقاتنا مع الجزائر واقفين وقفة تحية وتقدير وإجلال منحنين لشهداء الجزائر، وهو ما يميز بالطبع العلاقات بين البلدين، والتي تعد قديمة وحضارية وثقافية وخاصة دينية.
* هل لكم أن توضحوا لنا سنة تأسيس العلاقات بين البلدين، وما هي الظروف التي صاحبت ذلك؟ تأسست العلاقات بين بلدينا سنة 1993، وهذا بعد إعلان استقلال جمهورية أذربيجان، لكن بالمقابل لم تكن هناك سفارات او تمثيليات دبلوماسية بين الجزائروأذربيجان منذ ذلك الوقت، لكن والحمد لله سنة 2015 قامت الدولة الجزائرية بفتح سفارتها بالعاصمة الأذرية باكو، وهو الامر الذي شرعت فيه نظيرتها الاذرية بعدها بستة اشهر بفتحها لسفارة اذربيجان بالعاصمة الجزائرية، وهو الامر المتعلق كما تعلمون بالأمور التنظيمية خاصة أنها تدخل في نطاق حساس وركيزة اساسية في العلاقات بين البلدين، خاصة أنه شكل عاملا فارقا في تشكيل نظرة جديدة وآفاق سيكون لها بالتأكيد الأثر في تعميق العلاقات مستقبلا.
* هل بإمكاننا القول إن العلاقات الدبلوماسية والرسمية بين البلدين في بداية مشوارها الدولي؟ صحيح نحن في مرحلة بداية وضع أرضية لهذه العلاقة التي ستكون من دون شك ذات روابط وثيقة، وهذا من منطلق العامل الأساسي الذي يجمع البلدين والمتمثل في الدين الإسلامي، حيث اجرينا عديد المقابلات مع وزراء في الحكومة الجزائرية حيث بحثنا الى جانب اشقائنا خريطة بناء هذه الشراكة التي ستكون مضمارا ستسير عليه العلاقات مستقبلا، وهو ما يجري الآن من تنظيم للعديد من جلسات الحوار ومقابلات مع كافة السياسيين في الجزائر ونظرائهم في أذربيجان.
* ما هي أهم هذه الاتفاقيات التي ترون فيها الحاجة إلى تعميق هذه العلاقة بين البلدين؟ على ضوء هذا الحديث، شهدت هذه السنة بالذات زيارة قام بها وزير العدل الأذربيجاني شهر افريل الماضي الجزائر، حيث تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين البلدين في حقل العدل، واتفق الطرفان في الزيارة المقبلة والتي سيقوم بها وزير العدل حافظ الأختام طيب لوح خلال الأيام المقبلة الى نهاية الشهر حيث ستشهد التوقيع على اتفاقية دولية مهمة تخص هذا القطاع، اذ نعول كثيرا على هذه الخطوة الكبيرة من جانب البلدين، أضف الى ذلك انه تم إعداد اتفاقيتين بين وزارتي الخارجية، احداهما اتفاقية تخص رفع تأشيرات الدخول بين البلدين الخاصة بالسلك الدبلوماسي وحاملي جوازات السفر الدبلوماسية، ومن المتوقع ان تكون خلال شهر فيفري من السنة القادمة.
* فيما تكمن المواقف الثنائية المشتركة بين البلدين والتي تعولون عليها مستقبلا؟ اننا نرى في المواقف الجزائرية الدولية عامة وفي الحقل الدبلوماسي خاصة باعا طويل في العديد من المنظمات، سواء اقليميا او دوليا ودورها الفعال، والذي نقدره كثيرا داخل هذه المنظمات، وهو ما يتوجب علينا عمله مع الدبلوماسية الجزائرية، كما اريد ان اذكر ان الدولة الجزائرية من بين الدول القلائل التي تؤيد سيادة اذربيجان على اراضيها، فكما تعلمون نحن في نزاع مع دولة ارمينيا، وهو ما نسعى من خلاله كسب مواقف دول كالجزائر لدعم قضيتنا المنصفة لحق الشعب الاذري في سيادته على اراضيه، اضف الى ذلك اننا نريد توسيع هذه العلاقات الثنائية لتمس جميع القطاعات، فعلى سبيل الذكر ستكون هناك يوم الاثنين27 من الشهر الجاري زيارة لرئيس اكاديمية العلوم الأذربيجاني البروفيسور عاكف علي زاد والوفد المرافق له، وهذا للتبادل الثنائي في الحقل الأكاديمي العلمي، وهو ما ننتظره من هذه الزيارة الرفيعة المستوى، والتي سيتم التوقيع فيها اتفاقا بين الاكاديمية الجزائرية ونظيرتها الأذربيجانية.
* بالنسبة لنشاط الجالية الجزائرية داخل أذربيجان.. هل تملكون معلومات حولها ومجال نشاطاتها؟ في عهد الاتحاد السوفياتي كان هناك عدد كبير من الطلبة الجزائريين في صفوف الجامعات، بالنسبة لهذه الفترة بقيت علاقات الجالية الجزائريةبأذربيجان مقتصرة على المجال العلمي الثقافي، حيث كانت هناك العديد من النشاطات المشتركة في هذا المجال، اذ ندرس حاليا مشاريع تخص التبادل الجامعي بين البلدين فيما يخص المنح فكما تعلمون ان المواطن الجزائري له الحق في القدوم الى اذربيجان بدون اخذ التأشيرة او موعد من السفارة، اذ تدخل الجزائر ضمن قائمة الدول التي لها الحق في زيارة أذربيجان بدون تأشيرة، بإمكان أي جزائري حامل لجواز السفر الاستفادة من الخدمة الإلكترونية المعروفة "اصان" ويعني باللغة العربية "سهل" والتي تتيح لك خلال ثلاث ساعات استلام تأشيرة السفر.
* منذ أيام مرت الذكرى 26 لإسقاط المروحية الأذربيجانية التي كان على متنها مجموعة من النخب السياسية من قبل الأرمن.. لو نتحدث قليلا عن جديد الأزمة بين البلدين؟ اسمح لي ان اغتنم هذه الفرصة لكي اتوجه الى الجزائريين، وإحاطة مني للقارئ الكريم عما يجري في بلادنا، تعلمون ان النزاع القائم الآن في اذربيجان يدور حول منطقة ناغورنو قرة باغ، اذ كانت منطقة ذات حكم ذاتي ضمن اذربيجان بعد انضمامنا الى اتحاد الجمهوريات السوفيتية، فهذه الارض تاريخيا هي ارض اذربيجانية، فالمسألة الغريبة في هذه القضبة والتي يجهلها الكثير من الناس ان الأرمن في المنطقة هم دخلاء ولا يمتون بصلة لهذه المنطقة حيث كان لاحتلال روسيا القيصرية سنة 1923 لأذربيجان المطية التي ركبها بعدها الارمن في المنطقة واستيلائهم عليها، وهذا في خطة من روسيا القيصرية في حماية حدودها مع إيران ومع تركيا قدموا بالجالية الارمينية المترامية الاطراف بين ايرانوتركيا الى هذه المنطقة المتنازع عليها، والتي تعتبر في الاساس ملكا للشعب الاذربيجاني، حتى في الاراضي الارمينية الآن لم تكن المجموعات الارمينية تفوق العشرة آلاف، وهو الأمر الذي يترك هذا السؤال يتبادر في اذهاننا لماذا يطلق على المنطقة التي يزعم الارمن انها تعود إليهم بناغورنو قرة باغ؟ لأن الترجمة الى اللغة العربية والمنقولة من القاموس الأذربيجاني بالمرتفعات او المنطقة الجبلية، وهو ما يؤكد مرة أخرى للعالم وللهيئات الدولية ان هذه الأرض اذربيجانية، وهو ما جعل امراء قرة باغ قديما عندما لجأ الأرمن الى هذه المنطقة، اسكنوهم في المناطق الجبلية، فمكر الارمن لم يتوقف هنا بل قاموا بطمس هوية الشعب الاذربيجاني، فمراحل طمس الهوية الاذربيجانية من المنطقة مرت على عدة مراحل الى هذا اليوم الذي تشهد فيه تصعيدات في كل مرة.
* نلمس من خلال كلامكم أن من يقوض عملية السلام في المنطقة هم الأرمن بعنادهم.. هل هذا صحيح؟ إن شعبنا متسامح، فقد مل من الحروب التي لا تجلب سوى الدمار والخراب، هناك من يدفع الى ان تبقى المنطقة مشتعلة، خدمة لمصالح بعض القوى الغربية، فكيف لمجبس الأمن ان يصدر اربعة قرارات لانسحاب القوات المحتلة الارمينية، وأن تجلي قواتها من الاراضي الاذربيجانية لكنها في المقابل لم ولن تطبق أي قرار، نحن من جهتنا وبعد توقيع اتفاق وقف اطلاق النار اصبحنا نتجه شيئا فشيئا الى عملية عصرنة كل ما يخدم البلد من عصرنة للجيش النظامي، وهذا دفاعا عن ارض الوطن، الى النهوض بالقطاع الاقتصادي، وهو ما نحن مقدمون عليه تدريجيا، ولا زالت ارمينيا تحتل جزءا من اراضينا.
* هل يمكن تشبيه الحالة الأذربيجانية الأرمينية بما يقع في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، من منطلق ان هذا الكيان الأرمني وضع على هذه الأرض؟ نعم المقارنة معقولة، كلامكم صحيح، فمن أين خلقت مشاكل الشرق الاوسط، جلها من التقسيمات الحدودية التي أوجدت كيانات دخيلة، لكننا نحن نعتبر اننا على حق مئة بالمئة، لذلك نحن على اتم الاستعداد ان اكملت الحكومة الارمينية على ذات المنوال، فلن تلقى منا سوى المواجهة للحفاظ على سيادة اراضينا.
* لمسنا مؤخرا تطورات من قبل الهيئات الدولية، خاصة والخطوات التي اتخذتها مجموعة "المينسك" هل توافق الطرح القائل ان القضية ستعرف حلا قريبا؟ نعم فيه تطورات فيما يخص المفاوضات، لكن دائما ما تصطدم بما اسميه التقلبات السياسية من الجانب الارمني، فكلما يصل الموضوع الى حل تتراجع أرمينيا، وهو امر غير مقبول، فنحن لا نريد ان نطلق أي طلقة باتجاه أي دولة، وعلى أرمينيا ان تفكر قليلا لأن ميزان القوة بيننا بعيد جدا، ومن غير الإمكان لأرمينيا المضي بهذه السياسة، متمنين أن يرجع العقل الى القادة السياسيين.
* كان لافتتاح خط سكك الحديد الذي يربط آسيا بأوروبا نقلة في التوجه الاقتصادي الخارجي.. ما مدى تأثيره على سياسات المنطقة مستقبلا؟ الخط الجديد باكو الذي يربط الدول الثلاث في المنطقة والبالغ طوله 826 كم بين باكو وتبليسي ومدينة قارص في شمال شرق تركيا، هي مبادرة من اذربيجان، لكن بعض الدول الجبارة شككت في نوايانا ونجاح هذا المشروع، لكن شرعنا في إعادة إحياء هذا الخط، خاصة أن أجزاء من هذا الطريق كانت في حالة كارثية. للتذكير، فإن الجزء الكبير الذي يربط كلا من أذربيجانوتركيا تكفلت به الحكومة الأذرية فقط، ولما شارفنا على افتتاح الطريق تحرك العالم (يضحك) نحن معكم ونريد مساعدتكم، قلنا لهم انكم ستستفيدون من هذا المشروع وهو ما كان في النهاية ان كتب له النجاح الذي يربط الشرق الأقصى بحدود أوروبا، والذي يعمل على اختصار الوقت الذي تستغرقه الرحلة من الصين إلى غرب أوروبا مع تفادي العبور على روسيا حيث يمكنك القيام بالمبادلات التجارية في مدة تقل عن اثني عشر يوما من جهة، ومن جهة أخرى له عدة فوائد استراتيجية لدول المنطقة، وهو ما يزيد من فرص التعاون الثنائي.
* لا بد أن ما يحصل في الشرق الأوسط من اضطرابات سياسية وأمنية له التأثير الكبير.. كيف ترى أذربيجان مستقبلها في ظل هذه الأزمات وتداعياتها على المنطقة؟ بالطبع، نحن في منطقة واحدة، وعلى مسافة قريبة جدا من منطقة الشرق الأوسط، شخصيا أتمنى وأطلب من الله عز وجل ان يرزق الجميع الحكمة والحنكة السياسية، يجب على الحكماء في هذه المنطقة -اقصد القادة السياسيين- الحفاظ على وحدة الأراضي وفق برامج سياسية تخدم الشعوب، لا ان نسبق الحقد، فقد كنت سفيرا لعدة دول عربية، ومؤخرا كنت في لبنان وعايشت المواطن في هذه البلدان شعوب طيبة، وبإمكان الجميع الحق في التعايش السلمي، وعلى جميع الدول التقيد بالكلمة الواحدة حيث أستذكر موقف الدولة الجزائرية في اجتماعات القمة العربية، والتي طالبت بسحب عضوية جمهورية سوريا، وكيف اكدت على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهو موقف مشرف يظهر القوة السياسية التي تتمتع بها الجزائر، لست هنا ادافع وأشرع للنظام السوري وبشار الاسد، لكن نحن في السنة السادسة والأسد لا زال قائما في سوريا بعدما قالت جل الدول العظمى ان مسألة بقائه لن تدوم اكثر من خمسة اشهر، لذلك نتمنى ان يرجع السلام الى المنطقة عن طريق المفاوضات التي تجري بخصوص سوريا.
* كلمة أخيرة سعادة السفير بخصوص ما تطمحون إليه من علاقات ثنائية بين البلدين!! أريد القول ان بإمكان بلدينا الخوض في العديد من المسائل الثنائية المشتركة التي من دون شك ستخدمنا وتخدم طموحات الشعبين الشقيقين اللذين ان لم تربطهما مسافة الجغرافيا فقد جمعتهما رابطة الاسلام، وشكرا لكم على اتاحة لنا هذه الزاوية. العفو شكرا سعادة السفير.