الأيام الجزائرية زوريخ ( وكالات): أعلن مصدر دبلوماسي ارمني أمس أن مسالة المجازر بحق الأرمن التي تعتبرها أرمينيا "إبادة" كانت وراء تأخر توقيع اتفاق تطبيع العلاقات بين أرمينيا وتركيا ونددت أذربيجان أمس الأحد باتفاق التطبيع بين أرمينيا وتركيا وحذرت في الوقت نفسه من أن فتح الحدود الأرمينية التركية قد يتسبب بزعزعة الاستقرار في جنوب القوقاز. وقالت وزارة الخارجية الأذربيجانية في بيان "أن تطبيع العلاقات بين تركيا وأرمينيا قبل انسحاب القوات الأرمينية من المنطقة الأذربيجانية المحتلة يتناقض بشكل مباشر مع مصالح أذربيجان ويلقي بظلاله على العلاقات الأخوية بين أذربيجان وتركيا المبنية على جذور تاريخية". وأضافت "أن أذربيجان ترى أن فتح الحدود التركية الأرمينية من جانب واحد قد يهدد السلام والاستقرار في المنطقة". وكان وزير الخارجية الأرمني «ادوارد نالبنديان» ونظيره التركي «احمد داود اوغلو» وقعا السبت اتفاقات تاريخية لتطبيع العلاقات بين البلدين وفتح حدودهما المشتركة. والاتفاقات التي لا يزال يتوجب أن يصادق عليها برلمانا البلدين تشكل الخطوة الأولى نحو المصالحة بعد حوالي عقد من العداء اثر المجازر بحق الأرمن إبان حكم السلطنة العثمانية. وعارضت أذربيجان بشدة تطبيع العلاقات التركية مع أرمينيا وفتح الحدود قبل حل نزاع باكو مع أرمينيا حول منطقة «ناغورنو كاراباخ» المتنازع عليها بين البلدين. وكان انفصاليون أرمن استولوا بدعم من «يريفان» على جيب «ناغورنو كاراباخ» وسبعة أقاليم مجاورة له من أذربيجان في مطلع التسعينيات في حرب أدت إلى مقتل حوالي 30 ألف شخص. وأغلقت تركيا حدودها مع أرمينيا عام 1993 تضامنا مع أذربيجان في هذا النزاع. ورفضت أرمينيا أي ربط بين النزاع وبين جهود المصالحة مع تركيا. وقطعت أرمينيا وأذربيجان العلاقات الاقتصادية وروابط النقل المباشرة بينهما ولم تتمكنا من التفاوض على تسوية لنزاع «ناغورنو كاراباخ» رغم سنوات من المحادثات. وتنتشر قوات أرمينية وأذرية على طول خط وقف إطلاق النار في «ناغورنو كاراباخ باخ» ومحيطه. حضروا شهودا على توقيع اتفاق اعتبروه تاريخيا وقالت واشنطن أن الاتفاق الموقع بين تركيا وأرمينيا سيقضي على عقود من العداء بين البلدين في وقت توقع فيه الاتحاد الأوروبي أن تستفيد منطقة القوقاز من هذه الخطوة. ووعدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بأن تقوم بلادها بكل الجهود لتعزيز الاتفاق الذي وصفته ب"الإنجاز التاريخي". وكانت تركيا وأرمينيا وقعتا مساء السبت في «زيورخ» اثنين من بروتوكولات التعاون يمهدان الطريق لحقبة جديدة من العلاقات الدبلوماسية والعلاقات الثنائية وفتح الحدود للتمهيد لإنهاء قرن من العداء بين البلدين. وبدوره قال فيل غوردون مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الأوروبية والأوروآسيوية في تصريح صحفي "إننا حضرنا الليلة شهودا على توقيع اتفاق تاريخي". وأضاف أن من شأن الاتفاق "إنهاء عقود من العداء والانقسام". من جهتها نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول أمريكي رفيع المستوى قوله إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما اعتبر الاتفاق "خطوة كبيرة نحو الأمام". وفي ذات السياق رحبت المفوضية الأوروبية بالاتفاق ودعت إلى التصديق على البروتوكولين وتنفيذهما "بما يتوافق مع الجدول الزمني المتفق عليه دون أي شروط إضافية". وقالت المفوضية في بيان صدر في بروكسل "إن هذا الاتفاق الأرميني التركي سيفيد كل الدولة في منطقة جنوب القوقاز". وقالت المفوضة الأوروبية للعلاقات الخارجية «بينيتا فيريرو فالدنر» "إن التوقيع على البروتوكولين يؤكد رغبة تركيا وأرمينيا في طي صفحة الماضي وبناء مستقبل جديد". ومن المقرر أن تدخل مواد الاتفاق حيز التنفيذ بعد تصديق برلماني البلدين عليها. وكانت أنقرة ويريفان قد قطعتا العلاقات بينهما عام 1993 عندما أغلقت تركيا حدودها مع أرمينيا بعد غزو الأخيرة لإقليم «ناغورنو كارباخ» في أذربيجان. وتقول أرمينيا إن 1.5 مليون شخص من مواطنيها قتلوا بشكل ممنهج إبان فترة الحكم العثماني في العامين 1915 و1917، لكن تركيا تنفي ارتكاب أعمال إبادة وتعد التقديرات الأرمينية لعدد القتلى مضخمة. أين مكمن الإشكال بين أرمينيا أذربيجان؟ يمكن وصف الأزمة بين أذربيجان وأرمينيا بالتاريخية بالنظر إلى جذورها الحضارية والثقافية والدينية. فكل من الشعبين يدين بدين مختلف عن الآخر، الأرمن يوصفون بأنهم أول من اعتنق المسيحية كشعب، فيما أن الأذريين من المسلمين الشيعة، وتداخلت مناطق إقامتهم وهاجروا في اتجاهات عدة بسبب ظروف المنطقة التي يعيشون فيها، حيث كانت ساحة للحروب والتزاحم في فترات مختلفة، تبادلت فيها النفوذ والسيطرة ثلاث قوى كبرى، العثمانية والفارسية والروسية، فيما اختلفت ولاءات الشعبين بينها تبعا لطموحاتهم وتوجهاتهم السياسية والدينية. ويعيد الباحثون صورة الصراع في العصر الحديث إلى النزاع بين البلدين على إقليم «ناغورنو كاراباخ» في عشرينيات القرن الماضي عندما كان البلدان لا يزالان ضمن الاتحاد السوفياتي، حيث افتعل الرئيس جوزيف ستالين عدة مشاكل حدودية في مناطق الاتحاد، منها أنه قرر عام 1923 ضم منطقة «ناغورنو كاراباخ» التي كانت تقطنها أغلبية أرمينية في ذلك الوقت إلى الجمهورية السوفياتية الجديدة أذربيجان ومنحها حكما ذاتيا، وفي المقابل أبقى إقليم «ناختشيفان» بأغلبيته الأذرية معزولا داخل أرمينيا، ما أوجد بؤرة خلاف حساسة بين الجمهوريتين وبما يضمن موقفا قويا لموسكو. وعندما بدأت قبضة الاتحاد السوفياتي تتراخى على الدول التي تدور في فلكه، تفجر الخلاف بين أرمينيا وأذربيجان على الإقليم عام 1988، وبلغ النزاع ذروته مثقلا بكل أعباء التاريخ مع إعلان الدولتين استقلالهما عن الاتحاد السوفياتي عام 1991، إلى أن تم التوصل عام 1994 إلى هدنة ما زالت سارية حتى الآن. وفضلا عن الخسائر في الأرواح التي بلغت ما لا يقل عن 25 ألف قتيل أرست الحرب حقائق ديموغرافية وجغرافية جديدة، فقد تسببت بحركة لجوء في الاتجاهين قدرت بأكثر من 1.2 مليون غالبيتهم من الأذريين ولم تحل مشكلتهم حتى الآن، وسيطر الأرمن على الإقليم وانتزعوا علاوة عليه أراضي حدودية أذرية أخرى أمنت لهم تواصلا طبيعيا -ممر لاتشين-مع دولة أرمينيا. «ناغورنو كاراباخ» ... ماذا نعني بذلك...؟ «ناغورنو كاراباخ» هو الاسم الأذري للإقليم، أما اسمه الحالي في ظل السيطرة الأرمينية فهو «أرتساخ»، ومساحته تقدر بحوالي نحو 4400 كلم2 أي ما نسبته 15% من مساحة أذربيجان، وعدد سكانه يقدرون بحوالي 150 ألفا أصبحت غالبيتهم الساحقة من الأرمن. ورغم عدم الاعتراف به دوليا استكمل الإقليم في ظل السيطرة الأرمينية بناء مؤسساته بوصفه دولة مستقلة عاصمتها «ستيباناكريت»، وأقر دستورا في نهاية العام 2006 يكرس استقلاله عن أذربيجان، وتجري فيه انتخابات منتظمة آخرها العام الجاري فازت فيها «باكو سهاكيان». وترفض أذربيجان الاعتراف بالواقع الجديد المفروض على الإقليم من الأرمن، وتعرض عليهم سلطات استقلالية واسعة في سياق حكم ذاتي حلا للأزمة، وهو ما يرفضه البتة أرمن الإقليم ومن ورائهم أرمينيا. ولا يزال الاتحاد الأوروبي يقوم بوساطة لحل النزاع بين أرمينيا وأذربيجان منذ رعى قيام الهدنة بين البلدين عام 1994، من خلال ما يسمى مجموعة منسك، نسبة إلى عاصمة بيلاروسيا الذي تم فيها التفاوض، وهي تضم مجموعة من الدول برئاسة فرنسا والولايات المتحدة وروسيا، وحتى الآن لم تحقق أي إنجازات تذكر. ويسود تشاؤم حول إمكانية تخفيض التوتر بين البلدين فضلا عن فض الاشتباك التاريخي بينهما ما لم يوجد حل لهوية وانتماء إقليم ناغورنو كاراباخ، بحيث يكون مقبولا من الطرفين ويحظى بدعم المجتمع الدولي. هل بجرة قلم تُطوى صفحة الماضي الأليم بين الأرمن والأتراك؟ وقع وزيرا خارجية تركيا وأرمينيا السبت في «زوريخ» (سويسرا) اتفاقات تاريخية تهدف إلى تطبيع العلاقات بين الطرفين اللذين يعانيان من خلافات تاريخية منذ المجازر التي وقع الأرمن ضحيتها في مطلع القرن الماضي. وتصافح الوزيران «ادوارد نالبنديان» و«احمد داود اوغلو» مطولا بعد التوقيع وسط تصفيق الحضور ومن بينهم وفود من أوروبا والولايات المتحدةوفرنسا وروسيا. ولم يخل التوقيع من الإثارة حيث تأخر حوالي ثلاث ساعات ونصف ساعة عن الموعد المحدد بسبب "إشكال ظهر في اللحظة الأخيرة" طرحه الوفد الأرميني بشأن الخطاب الذي كان من المقرر أن يلقيه وزير الخارجية التركي حسب ما قال دبلوماسي تركي. لكن مصدرا دبلوماسيا أرمينيا أعلن أمس الأحد أن مسالة المجازر بحق الأرمن التي تعتبرها أرمينيا "إبادة" كانت وراء تأخر توقيع اتفاق تطبيع العلاقات بين أرمينيا وتركيا. في النهاية ولحل الإشكال تم الاتفاق على عدم إلقاء كلمات حسب ما أفاد المصدر التركي نفسه. وأضاف "لم نكن نريد حصول ذلك وكنا نتمنى لو أن الأجواء بقيت ايجابية" مضيفا أن الخيار أمام الوفد التركي كان "بين إلغاء العملية برمتها أو عدم إلقاء خطاب". واستنفرت الوفود المشاركة في حفل التوقيع لحل الإشكال. وقبيل الساعة 17:00 15:00 تغ) أي الموعد الأساسي للتوقيع كانت سيارة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون متجهة إلى جامعة «زوريخ» عندما عادت إدراجها فجأة باتجاه الفندق الذي تقيم فيه مع عدد من الوفود. وجرت محادثات كثيفة بين وزير الخارجية الأرميني وفيل «غوردن» مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الأوروبية الذي كان بدوره على اتصال دائم بالوفد التركي حسب ما أفادت مصادر أمريكية. وأخيرا تم الاتفاق وانتقل الوزيران الأرميني والأمريكي إلى جامعة «زوريخ» بتأخير بلغ ساعتين. وكان وزير الخارجية التركي في الانتظار في الجامعة إلى جانب وزيرة الخارجية السويسرية «ميشيلين كالمي راي» ووزير الخارجية الروسي «سيرغي لافروف» والفرنسي «برنار كوشينر» والمنسق الأعلى لسياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية «خافيير سولانا». ومع ذلك فان حفل التوقيع تأخر أيضا ساعة ونصف ساعة إلى أن تم في الساعة 20:20 بالتوقيت المحلي (18:20 تغ). ويعود الخلاف التاريخي بين الأتراك والأرمن إلى المجازر التي وقع ضحيتها الأرمن في مطلع القرن العشرين على أيدي السلطنة العثمانية. ويصر الأرمن على اعتبار هذه المجازر أعمال إبادة في حين يرفض المسؤولون الأتراك تحمل مسؤولية ما حصل. ويواجه المسؤولون الأتراك والأرمن كل في بلده معارضة من الداخل ضد التقارب بين البلدين. وتوجه الرئيس الأرميني «سيرغ سركيسيان» بكلمة إلى الشعب الأرميني السبت أكد لهم فيها "أن لا بديل عن إقامة علاقات من دون شروط مسبقة مع تركيا". وتابع "أن قيام علاقات مع تركيا لا يمكن أن يضفي أي شك حول حقيقة وقوع إبادة" مضيفا "هذا واقع معروف جدا ولا بد من الاعتراف به". وسارت تظاهرة حاشدة في «يريفان» الجمعة ضد التوقيع على هذه الاتفاقات مع تركيا. وينص الاتفاق على إعادة فتح الحدود المشتركة بين الدولتين بعد شهرين من دخوله حيز التنفيذ، ما أثار حفيظة الأتراك القوميين الذين اعتبروا هذه الخطوة خيانة ل "إخوانهم" في أذربيجان". وفي ظل هذا التنافر كان لا بد للوساطة السويسرية من الدعم الأمريكي والأوروبي والروسي لتعزيز مساعيها. وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قابل في اسطنبول وزيري خارجية تركيا وأرمينيا ودعاهما لإيجاد حل "سريع". أما موسكو، فدعمت أيضا هذه العملية انطلاقا من موقعها الجيواستراتيجي القوي. والواقع أن الدولتين ستستفيدان من هذه المصالحة، لان تركيا تخطو بذلك خطوة إلى الأمام في مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي من اجل الانضمام إليه. أما أرمينيا التي تقع في بقعة مغلقة وتفتقر إلى موارد نفطية، فسيخرجها هذا الاتفاق من عزلتها. ولن يصبح البروتوكولان ساريي المفعول إلا بعد أن يصادق عليهما برلمانا البلدين، ما يعني أن هذه العملية قد تتطلب بعض الوقت، لان الماضي لا يزال يرخي بظلاله على النواب في البرلمانين.