تحدث الدكتور تحسين الأسطل نقيب الصحفيين الفلسطينيين للحوار عن معاناة الصحفي الفلسطيني في الداخل وتعرضه المستمر لمخاطر الاعتقال والتضييق، مؤكدا أن الأرقام المعلنة سنويا تؤكد أن أكثر من نصف الصحفيين الفلسطينيين تعرضوا للاعتداء المباشر من قبل الاحتلال مما يشير إلى حرب حقيقية واستنزاف نفسي يتعرض له الصحفيون يوميا وهو ما يستلزم رفع الصوت عاليا لكشف فضائع المحتل ضد من ينقلون يوميا مأساة شعب أعزل، مؤكدا أن النقابة لم تدخر جهدا في إماطة اللثام عن هذه الحقائق بالتنسيق مع النقابات العربية والمنظمات الدولية. * العمل الصحفي في فلسطين جهاد من نوع آخر وتحدٍ يعيشه الإعلاميون الفلسطينيون يوميا، هل يمكنك أن تشارك القارئ الجزائري بدايات مشوارك الصحفي والتحديات التي رفعتموها لترقية وتطوير الصحافة في فلسطين ؟ – بداية العمل الصحفي في فلسطين لم يكن سهلا وكل بداية صعبة فما بالك بمهنة المتاعب في ظل الظروف التي يمر بها شعبنا، تجربة أن تكون صحفيا في تسعينيات القرن الماضي في ظل اعتداءات صهيونية وتحويلات جذرية تمر بها القضية الفلسطينية مع بداية عودة منظمة التحرير الفلسطينية بعد اتفاق اسلو، في ذلك الوقت كانت البداية في الصحف التي كانت تصدر من القدس في صحيفة النهار والتي كانت خاضعة لرقابة الاحتلال الإسرائيلي، ولم نكن نتمتع بالحرية المطلوبة في العمل الصحفي الذي بدأ في غزة مع إنشاء قسم الصحافة والإعلام بالجامعة الإسلامية وأصبح مطلوبا في ذلك الوقت المواظبة على العمل الصحفي وفي نفس الوقت الالتزام بمقاعد الدراسة في الجامعة لم تكن مهمة سهلة وإن كانت تشكل حافزا لتطبيق الدراسة النظرية في ظل قلة الإمكانيات بالقسم الذي بدأ العمل به حديثا. ومع عودة منظمة التحرير وإنشاء صحيفة الحياة الجديدة عام 1995م كانت البداية الحقيقية للعمل كمراسل صحفي ميداني في محافظة خانيونس يتولى متابعة وإعداد التقارير والتحقيقات الصحفية لصحفية حديثة وسلطة وطنية بدأت تضع أقدامها لأول مرة على أرض فلسطين ومطلوب منها أن تنقل المواطن من عهد الاحتلال إلى مرحلة البناء للمؤسسات الوطنية رغم بقاء المستوطنات في قطاع غزة التي كانت تحتل ثلت مساحة قطاع غزة رغم أنه أكثر منطقة مكتظة بالسكان في العالم، وكانت أغلب هذه المستوطنات متواجدة في محافظة خان يونس، ما جعل العمل الصحفي تعترضه كثير من المخاطر في ظل تهديدات الاحتلال التي لم تتوقف واعتراض طواقم الصحفيين والاعتداء عليهم خلال التغطية الصحفية وخاصة اعتداءات المستوطنين اليومية على المواطنين الأبرياء. وبعد إنهاء المرحلة الجامعية الأولى أكملت الدراسات العليا للماجستير والدكتوراه في مجال الإعلام والذي شكل حافزا أمامي لتطوير القدرات الإعلامية والتعرف على كثير من التجربة العربية المحيطة وخاصة في مصر حيث أتممت الدراسات العليا في الإعلام والتي لم تخل من الصعوبات بسبب المنع الإسرائيلي من السفر حيث كان الاحتلال يمنع الصحفيين من السفر ويمارس التضييق عليهم حيث أكملت رسالة الدكتوراه بعد انسحاب الاحتلال من قطاع غزة بشكل كامل. وبعد إنهاء الدراسة شاركت في عملية إعادة تأسيس نقابة الصحفيين الفلسطينيين حيث انتخبت في العام 2010 في الأمانة العامة لنقابة الصحفيين والتي كان مطلوبا منها القيام بخطوات إعادة التأسيس للنقابة وتوفير الأجواء المناسبة للعمل الصحفي. وفي ظل الانقسام الفلسطيني وسيطرة حركة حماس على قطاع غزة وعملي في صحيفة الحياة الجديدة التابعة لمنظمة التحرير وترأس نقابة الصحفيين الفلسطينيينبغزة احدى مؤسسات منظمة التحرير كان مطلوب منا أن نعمل من أجل حماية الحريات في ظل هذه الظروف، ففي كل العالم الصحفي يكون مضطرا لمواجهة سلطة واحدة إلا أننا في فلسطين كنا نواجه ثلاث سلطات غير منسجمة ومختلفة وهي سلطات الاحتلال وحركة حماس في غزة والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وبالتالي فرضت هذه الظروف نفسها على العمل الصحفي بقوة وانعكست بشكل كبير على الحريات الإعلامية حيث كان مطلوبا منا أن نحمي الحريات الإعلامية ونعمل على تطويرها في ظل هذه الظروف، حيث كان انحيازنا الدائم إلى الصحفي والدفاع عنه ودعمه ليقوم بمهمته على أكمل وجه حيث استطعنا أن نطور العمل من خلال إقامة علاقات قوية مع كافة الصحفيين والمؤسسات الصحفية والعربية والاتحادات من خلال المشاركة في اجتماعات الاتحاد الدولي للصحفيين واتحاد الصحفيين العرب من أجل أن نوفر بيئة ملائمة للعمل الصحفي.
* أشارت أرقام وزراة الإعلام الفلسطينية إلى تسجيل أكثر من 600 اعتداء على الصحفيين خلال العام الماضي؟ كممثلين عن النقابة هل هناك خطة للحد من الاعتداءات الصهيونية ؟ – العمل الصحفي هو رسالة إنسانية ووطنية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فالصحفي الفلسطيني يواجه الاحتلال من منطلق واجبه الوطني والإنساني، وأغلب الصحفيين الفلسطينيين تعرضوا للاعتقال من قبل الاحتلال الإسرائيلي خلال رحلة عملهم الصحفي كما أن كل الصحفيين الفلسطينيين ممنوعون من حرية الحركة والتنقل بين محافظات الوطن من قبل الاحتلال الإسرائيلي ومن دخول القدس ومنذ أربعين عاما لم أستطع زيارة القدس أو الضفة الغربية إلا مرتين في حين لم يتمكن الزملاء في الأمانة العامة للنقابة بالضفة الغربية من زيارة غزة إلا مرة واحدة من خلال السفر للأردن ومنها لمصر ومنها لغزة واستمرت الرحلة للوصول إلى غزة التي تبعد مسافة سفر ساعة من رام الله في الوضع الطبيعي إلى ثلاثة أيام بفعل الإجراءات الإسرائيلية. بالإضافة إلى هذه الإجراءات المستمرة والدائمة من الاعتداءات هناك الاعتداءات اليومية في الميدان وعمليات الاستهداف اليومية من قبل قوات الاحتلال الذي يعتقل الآن 28 صحفيا بشكل دائم في حين تعرض الصحفيون لاكثر من 600 اعتداء ما يعني ان أكثر من نصف الصحفيين الفلسطينيين تعرضوا للاعتداء المباشر من قبل الاحتلال ما يعكس أن هناك حربا حقيقية يتعرض لها الصحفيون من الاحتلال مع الإشارة إلى أن 17 صحفيا استشهدوا في غزة خلال عدوان 2014 واصابة 23 صحفيا وقصف 23 مؤسسة صحفية بالطائرات الحربية. وإزاء هذه الاعتداءات الوحشية من قبل الاحتلال والتي تستهدف الصحفيين كما تستهدف الحق الفلسطيني والأرض الفلسطينية تعمل نقابة الصحفيين على مستويين المستوى الأول داخليا من خلال العمل على حماية كرامة الصحفيين وإيجاد البيئة الملائمة لعمل الصحفيين من خلال تمكينهم من حقوقهم المهنية وكذلك تطوير أدائهم المهني من خلال تنظيم الدورات التدريبية المهنية، بالإضافة الى تدريبهم على مواجهة اعتداءات الاحتلال من خلال دورات السلامة المهنية، وكيفية أخذ الإجراءات الملائمة لحماية أنفسهم خاصة أن الصحفي وحياته هي أهم شيء يجب أن نحافظ عليه من أجل التقليل قدر الإمكان من الخسائر في صفوق الصحفيين نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية في الميدان. أما المستوى الثاني فهو التواصل مع المنظمات الدولية وخاصة الاتحاد الدولي للصحفيين واتحاد الصحفيين العرب والمنظمات الصحفية الشقيقة والصديقة من أجل الضغط على الاحتلال لوقف اجراءاته القمعية وغطرسته المتواصلة بحق الصحفيين مع أن الاحتلال يضرب عرض الحائط كل المواثيق والأعراف الدولية ومبادئ حقوق الإنسان وبالتالي نحن نضغط من أجل مواصلة المقاطعة العربية للتطبيع في مجال الإعلام ووقف كل أشكال التطبيع مع الاحتلال، ونشكر النقابات العربية التي أكدت على موقفها الثابت في رفض التطبيع مع الاحتلال خلال اجتماع اتحاد الصحفيين العرب ببغداد والقيام بخطوات إعلامية مشتركة لنصرة قضية القدس والانحياز الأمريكي والرعاية الأمريكية للاحتلال والاستيطان الإسرائيلي.
* ما هو تقييمكم لواقع الصحافة في فلسطين اليوم في ظل الانتهاكات الصهيونية ؟ – رغم قلة الإمكانيات المتاحة للمؤسسات الصحفية الفلسطينية إلا أنها استطاعت أن تفضح الممارسات التي يقوم بها الاحتلال بحق شعبنا بشكل يومي، وأصبح الاحتلال ينزعج من الإعلام الفلسطيني ما يفسر الهجمة الشرسة والشريرة التي يقوم بها الاحتلال سواء من خلال جيشه العسكري أو أجهزته الأمنية والتحريض المباشر من أعلى الهرم السياسي في دولة الاحتلال وخاصة من قبل نتياهو، وشدة الهجمة الإسرائيلية والصهيونية توضح قوة الرسالة الإعلامية فرغم صعوبة الوضع الداخلي وحالة الانقسام التي كان الاحتلال يطمح أن تبعد الانظار عن جرائمه إلا أن الصحفي الفلسطيني يواصل ملاحقة الاحتلال وعصاباته من المستوطنين وينقل رغم القيود الكبيرة الجرائم الإسرائيلية سواء ما يتعرض له شعبنا من قبل المستوطنين أو جنود الاحتلال من خلال المؤسسات الإعلامية الفلسطينية أو وسائل الإعلام العربية والدولية التي يعملون بها. وأعتقد أن تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية والتضحيات الكبيرة التي يقدمها الصحفيون أوجدت روح التحدي والإصرار عند الصحفيين الفلسطينيين لمواصلة مشوارهم ورسالتهم الصحفية وفضح جرائم الاحتلال واستمرار الصحفيين في أداء راستهم رغم كل الاعتداءات والتضحيات التي يقومون بها هي رسالة واضحة للصمود والتحدي لغطرسة الاحتلال وإصرار من قبلهم على القيام بهذا الواجب الإنساني.
* هل استطاع الإعلام الإلكتروني الفلسطيني الهروب من قبضة الاحتلال وإسماع صوت الشعب الفلسطيني وتعويض غياب الفضائيات العربية ؟ – إذا نظرنا إلى حجم الانتهاكات الإسرائيلية والملاحقة الإسرائيلية لرواد مواقع التواصل الاجتماعي وإعلام المواطن يتضح مدى النجاح الكبير لهذا الإعلام الذي أوجد نافدة إضافية وفاعلة في مجال الإعلام والجيش الاسرائيلي اعتقل أكثر من الف شاب وشابة من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وأسس وحدة خاصة لمتابعة ومراقبة والتشويش على مواقع التواصل الاجتماعي والضغط على هذه المواقع لإغلاق صفحات النشطاء، كل هذه الاجراءات تبين ان الاحتلال منزعج ويشعر بالخطر الذي يفضح جرائم الاحتلال أمام الإعلام وكثير من النشطاء استطاعوا أن يشكلوا منصات إعلامية لها تأثير كبير في فضح جرائم الاحتلال.
* كيف كان تقييم النقابة لتغطية الإعلام العربي لإعلان ترامب القدس عاصمة للكيان الصهيوني.. هل توقعتم ردة فعل أكبر من ذلك ؟ – الإعلام العربي في بداية القرار الأمريكي وجريمته بحق القدس كان مميزا في التغطية إلا أنه بدا هناك تراجع وحشد الهمم الجماهيرية في الفترة الأخيرة ولكن لابد أن نكون منصفين أن الاعلام هو انعكاس للشارع والخطوات التي تجرى به ومن قادة الرأي وقادة المجتمع في الوطن العربي لابد من التواصل وحشد الهمم على كافة المستويات لإبقاء قضية القدس ومحاولات تهويدها سياسيا من حكومة نتنياهو والرئيس الامريكي أو من خلال التهويد الممنهج على الأرض من خلال بناء المستوطنات والاعتداء على سكان القدس والتضييق عليهم لإجبارهم على ترك المدينة المقدسة، وهنا لابد الإشادة بالصمود الأسطوري لأبناء القدس الذين يدافعون عن كل شبر مقدس بالمدينة وكذلك يدافعون عن حقوقهم المشروعة رغم كل المضايقات ورأينا كيف أحبط أهل القدس جريمة وضع بوابات إلكترونية حول المسجد الأقصى. ومن هنا الإعلام العربي مطلوب منه أن يسلط الضوء على تفاصيل المعاناة للمواطنين بالقدس ومعركة الصمود المفتوحة بين المواطنين العزل والأبرياء وبين غلاة المستوطنين وجنود الاحتلال لفضح جريمة التمييز العنصري التي يترض لها أهل القدس من الحكومة الإسرائيلية في كل المجالات.
* ماهو تقييمكم للعلاقات الصحفية الجزائريةالفلسطينية ؟ وهل هناك مشاريع إعلامية مشتركة في المستقبل ؟ – الجزائر بلد المليون ونصف المليون شهيد هي مدرسة المجاهدين في مواجهة الاستعمار والبحث عن الحرية، وعند الحديث عن الجزائر نحن نتحدث عن فلسطين فمنها كان إعلان الاستقلال الفلسطيني وإعلان الدولة الفلسطينية عام 1988 م في ظروف واجهت فيها الجزائر كل التحديات من أجل الوقوف إلى جانب الحق الفلسطيني والإسناد الجزائري شعبيا ورسميا وعلى كل المستويات لم ينقطع ولم يتوقف رغم كل الظروف الصعبة والحرب على الإرهاب الذي بدأت مؤامرته من الجزائر لإنهاء الدولة الجزائرية الحديثة الا أن صمود شعب الجزائر أحبط هذه المؤامرة وانتصر عليها. نقابة الصحفيين لها تعاون مع كثير من وسائل الإعلام والصحف الجزائرية في عدد من الملفات الإعلامية وخاصة فيما يتعلق بالقدس والأسرى ونتطلع إلى تعزيز هذا التعاون لتنفيذ برامج مستمرة لنصرة قضايا شعبنا في الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية. * كلمة للشعب الجزائري ؟ – الشعب الجزائري شعب حي ومدرسة لكل الأحرار في العالم، هذا الشعب الذي انتصر على الاستعمار بعد مائة عام وقدم مليون ونصف المليون شهيد من أجل الحرية والاستقلال يعطينا الأمل في مواصلة المشوار ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي فالشعوب الحية لا تعرف الانهزام ومن وسط الركام تصنع الانتصارات وتوقد شعل الحرية فتحية لشعب الجزائر وحكومتها ورئيسها ومؤسساتها تلك المدرسة المتكاملة في الوحدة والبناء الديمقراطي. حاورته: سهام حواس