قال ابن مفلح الحنبلي -رحمه الله تعالى-قبل سبعة قرون في كتاب (الآداب الشرعية 3/240) «من عجيب ما رأيت ونقدت من أحوال النَّاس: كثرة ما ناحوا على خراب الدِّيار، والتَّحسُّر على قلة الأرزاق، وذمِّ الزَّمان وأهله، وذِكرِ نكد العيش فيه، والحديث عن غلاء الأسعار، وهم قد رأوا من انهدام الإسلام والبعد عن المساجد وموت السُّنن وتفشي البدع، وارتكاب المعاصي، والمجاهرة بها، فلا أجد منهم من ناح على دينه ولا بكى على تقصيره، ولا أسى على فائت دهره، *وما أرى لذلك سببًا -أي ما حلَّ بهم- إلاَّ قلَّة مبالاتهم بدين الإسلام، وعِظمِ الدُّنيا في عيونِهم». فعلا هو قول عظيم معبر عن حال كثير من الأمم والشعوب اليوم التى تنسى وتتناسى قيمها ومقوماتها الحضارية ومبادئها السمحة وتنشغل فقط بأمور الدنيا على حساب الآخرة، فعلى سبيل المثال الحديث عن العدل وهو من الدين وكما قال ابن خلدون: العدل أساس الملك، فقبل الحديث عن الثروة وعن الأسعار وعن الإسراف وعن سوء الإنفاق يكون من الأولى الحديث عن العدل فى توزيع الثروة والعدل فى إنفاقها في أوجهها، وقبل الحديث عن شظف العيش وعن الامتهان المادي للموظف والعامل لنتحدث عن سلم القيم والأخلاق واحترامهم في واقع مؤسساتنا، أليس من العيب أن تجد مؤسسات كبيرة للدولة ينعدم فيها مكان للعبادة مثلا، وقبل الحديث عن فرص العمل نتحدث عن إتقان العمل، وقبل الحديث عن قلة البركة نتحدث عن التطفيف فى المكيال، وقبل الحديث عن السرقات الكبرى لنتحدث عن السرقات البسيطة في المؤسسات من طرف عمالها وموظفيها واستغلال عتادها وهياكلها. إن إصلاح النفوس وإصلاح الأخلاق الفردية والاجتماعية والاعتناء بقيم العمل والوقت والالتزام بحدود ديننا والوقوف عند أوامره ونواهيه وإصلاح المجتمع في شتى الجوانب هو الوضع الذى يجب أن يأخذ حيزا أكبر من التفكير، فلا تصلح الأمة إلا بما صلح به أولها وهذا ليس مدعاة للتخاذل وترك التخطيط والتدبير في الاقتصاد والمعاش وحال المجتمع ولكن كل ميسر لما أستعمل له وكل واحد يشتغل فى مجاله وحيزه.