تعتبر هجرة الإعلاميين نحو بلدان أخرى إحدى الظواهر المعروفة في الوسط الإعلامي، حيث يطمح الكثير في هذه الخطوة التي يراها فرصة العمر, ولكن غالبا ما تكون نظرته إلى الموضوع منطلقة من فكرة أن الوطن الآخر هو نهاية كل المشاكل والمعيقات التي يتعرض لها. فما هي الهجرة بمنظور المغتربين الذين عاشوا التجربة؟ وماذا يمكن أن تأخذ منا وتمنح لنا ؟ وكيف يصبح الوطن بمنظورنا حين نغترب ؟ مدير التصوير والإضاءة بالأم بي سي أمير البنا: الهجرة تساهم في تطوير مهارات الفرد في حديث مع مدير التصوير والإضاءة بالأم بي سي أمير البنا وكونه حاملا للجنسية المصرية ومقيم بالمملكة السعودية العربية ذكر لنا أن الهجرة تساهم بشكل كبير في تطوير المهارات الفردية، إذ أن الوحدة التي يعيشها المغترب تدفعه للانشغال بكل ما يمكن أن يساهم في إكسابه مهارات أخرى تعزز من إمكانية نجاحه وصموده في ظل الظروف المغايرة التي يمر بها، وهذا ما يجعله عند الرجوع إلى بلده مميزا أكثر ومتفوقا على أقرانه وزملائه الذين لم يعيشوا التجربة, أيضا الهجرة من شأنها أن تساهم بشكل كبير في عملية الانفتاح لدى الأفراد المغتربين وتقبل الآخر كون المغترب يعيش تحديا مهما أيضا يتمثل في تكوين شبكة علاقات بنفسه تمكنه من الحياة بصفة طبيعية مما يتلاءم مع طبيعة الفرد الاجتماعية وأيضا تلبية حاجته للآخر مهما كانت مميزاته، أما عن ميول المغترب في اختيار الأصدقاء المقربين فأكد أمير البنا أن الاختيار غالبا يقع على الأجانب المقيمين بنفس البلد لأنهم يتفهمون بعضهم البعض بسهولة وقد يكونوا أيضا حاملين لنفس الهم، في حين أن علاقات العمل ترتكز على أبناء البلد ذلك للامتيازات التي يتمتعون لها في وطنهم والتي من شأنها أن تسهل للمغترب مهامه. أما عن الدافع الحقيقي الذي يمكنه أن يجعل الإنسان يترك وطنه ويختار وطنا غريبا ذكر لنا أمير البنة أن العروض المادية القوية هي أكثر ما يحفز على السير قدما في هذا المشروع, كما أن دافع النجاح أيضا يعتبر عنصر إغراء، رغم أن الوحدة والمرض خاصة تترك الشخص يتمنى أنه لو كان في وطنه لما يتحمله لوحده من عناء. وحول ما تغير الغربة من سلوك الأفراد أضاف قائلا: الالتزام بقوانين ونظم البلد تتعزز كثيرا في الغربة، ذلك تفاديا لأي مشاكل من شأنها أن تضر بالمغترب. الإعلامية الجزائرية بالأم بي سي صوريا آمالو: بعد الاغتراب نكتشف أوطاننا منذ اغترابها وهي تتكفل بتمثيل الجزائر في ديار الغربة. وكأنها تعبر عن شوقها له من خلال بث عبقه في أي مكان تتواجد به، نفحات من الوطن يلخصها حرصها الدائم في الحضور باللباس التقليدي، لكن تعلقها به لم يمنعها كإعلامية من عيش التجربة. "الهجرة أو الاغتراب قد يكون حلم أغلب الإعلاميين الجزائريين، وذلك إيمانا منهم أن هناك دائما الأفضل في مجال عملهم خارج حدود الوطن" هذا ما جاء في حديثها معنا حول الهجرة حيث أضافت ذات المتحدثة أنه نفسه التفكير الذي كان في مخيلتها قبل أن تغترب لأن طموحها حسب ما قالت كان لا محدود وشغفها بالمهنة جعلها تمسك بحقائبها رغبة في اكتشاف العالم الآخر للإعلام، لكنها لم تخف أن الموضوع لم يكن ورديا كما يتصوره الكثير حيث أضافت قائلة "هناك أمور وجدتها أفضل بكثير وأمور أخرى لم أتوقعها، وانصدمت بها كل شيء من الخارج يبدو جميلا وملونا ولكن إذا دخلنا إلى الأعماق نكتشف أنفاقا سوداء لا تخطر على بال أحد، من جهتي لا أستطيع أن أجزم وأقول إن الاغتراب هو الحل الأمثل كما لا أستطيع أن أقول البقاء هو كذلك الأفضل، لأن الموضوع نسبي ويختلف حسب ظروف الشخص وحسب الوجهة التي سيتوجه إليها وأنا شخصيا لا أنكر أن الاغتراب أضاف لي الكثير سواء في تكوين شخصيتي أو حتى في تطوير مهاراتي الإعلامية". وعن إيجابيات وسلبيات الهجرة واصلت حديثها "الهجرة عبارة عن مرحلة وقد تكون عمرا كاملا في هذه الحياة، فطبيعي جدا أن نعيشها بحلوها ومرها بالنسبة لي شخصيا مررت بفترات صعبة جدا لأنني وجدت نفسي أمام مسؤوليات أكبر مني ولكن بفضل الله تجاوزتها، أحيانا كنت أشعر بالوحدة بالرغم من وجود الأصدقاء ولكن الصداقة الحقيقية كانت في الوطن، كثيرا ما أفتقد الدفء الأسري الذي فعلا لا يعوض، في الوطن مثلا في العمل تواجه بعض المشاكل وتحاول معالجتها ولكن هنا نوعية المشاكل لا تقارن بالتي هي موجودة عندنا، أمور لا نشاهدها إلا في الأفلام ولكن تواجهها وتصمد، على المغترب أن تكون لديه شخصية قوية وقوية جدا، أما الإيجابيات فبفضل الله استطعت أن أفرض نفسي خصوصا على المستوى المدني، كما حصلت على عدة تكريمات لأن هناك من يقدر ويثمن مجهوداتك وهذا عكس ما هو موجود عندنا". أما بخصوص نظرة المغترب للوطن والتي من المؤكد أنها تختلف بعد خوض التجربة باختلاف زاوية الناظر عبرت صوريا قائلة "هل تعلمين أنه بعد الاغتراب والهجرة نكتشف أوطاننا لأننا ننظر إليها من بعيد" لتواصل حديثها قائلة: اكتشفت أن الجزائر فيها مميزات لم أكن أراها من قبل، البلد فيه تسهيلات لا توجد في كل الدول، المستشفيات مجانا، الجامعة مجانا، النقل الجامعي، السكن، حتى فواتير الأنترنت تعتبر رمزية بالمقارنة بالتسعيرة العالمية. صحيح هناك أمور يجب أن تتغير وتتصلح ولكن بشكل عام عندما نرى الحكومات الأخرى وطريقة عيش شعوبها نجد أننا أفضل بكثير، بغض النظر عن السلبيات التي نعيشها. الإعلامي هشام ميهوبي من قناة العربي بلندن: نحن نتحسر على الفرق الشاسع بيننا وبين بلاد الهجرة من وجهة نظره ذكر لنا الإعلامي الجزائري المقيم بلندن أن الهجرة محطة مهمة في حياة الإنسان إن استطاع إليها، فيها من التجارب والعبر والدروس الكثير الكثير وخير مثال في ذلك هجرة النبي صلى الله عليه وسلم. فالهجرة مقياس الصبر والتحمل ومعيار التقبل والاندماج ومفتاح التطور والنجاح، أما عن سلبياتها فتابع قوله: فكرت في سلبياتها فلم أَجِد لها إلا الحنين إلى الأهل والوطن والتحسر على الفرق الشاسع بيننا وبين بلاد الهجرة، رغم أننا نمتلك من مقومات ما كانت لتجعل من بلادنا أرضا تستورد المهاجرين لا أن تصدرهم. الإعلامي زين العابدين جبارة من قناة الحرة: الهجرة تمنح الكثير وتأخذ الكثير في حوار كان قد جمعنا بالإعلامي زين العابدين والذي يعتبر من بين الكفاءات في الإعلام التي تركت الوطن متوجهة نحو ديار الغربة بحثا عن فرص أقوى تعزز مسيرته المهنية, كان قد ذكر لنا أن الهجرة أخذت منه الكثير ومنحته الكثير, هي معادلة صعبة كما جاء في كلامه فالموت أن تذهب وتهاجر طويلا أما الهجرة فهي أن تموت قليلا بذهابك بعيدا على حد تعبيره, ولكن حسب وجهة نظره فهي تضيف الكثير في المسيرة المهنية خاصة فيما يتعلق بالإعلامي الجزائري الذي يفتح له المجال لتقوية شبكة علاقاته، فهو شخصيا اكتشف أبعادا أخرى في علاقته مع ذاته ووطنه التي أصبحت أكثر نضجا وعمقا وتمكنا. أما عن الأسباب فكان قد ذكر أنها واضحة والكل يتحمل جزءا من المسؤولية على قدر منصبه ودوره في المجتمع سواء في مجال الإعلام أو المجالات الأخرى، فعندما تفقد ضروريات الحياة للعيش الكريم في أي مجال أو مساحات أو إمكانيات الإبداع أو التكوين والذي هو ضرورة ملحة بالنسبة للإعلامي الذي هو كالقاضي ملزم بالوصول إلى الحقيقة، ربما تفاوت المستوى الإعلامي من بلد لآخر هو إحدى أهم الأسباب التي تجعل الطموحين في بحث دائما على تطوير مهاراتهم, ذلك من خلال خوض زمام المغامرة والترحال, ويظل العنصر المادي من أهم المحفزات التي تدفع بقبول الرهان بحثا عن آفاق أخرى لتحقيق الذات وتحسين المستوى المعيشي. لكن مهما حددنا وجهتنا تظل الخطى تسير نحو المجهول إلى أن نصل المكان, ومهما تنبأنا وخططنا أو تصورنا, يفاجئنا الواقع حين نعيشه بجهلنا لتفاصيل كثيرة, فالصور الذهنية التي نكونها عن مفهوم الهجرة قلما تتطابق مع ما سنعيشه في التجربة, ذلك لأن الخريطة ليست المنطقة كما يقال رغم أن الخبرة قد تعوضها الاستشارة، لذلك إن سألت فاسأل المجرب ولا تسأل الطبيب. أيضا من الواضح النظرة للوطن والوطنية والهوية لها علاقة كبيرة بالوجهة التي يقيم بها المغترب، حيث أننا نلاحظ أن حب تمثيل الوطن يبرز أكثر عندما يتعلق الأمر بالهجرة إلى البلدان العربية أو حتى الهجرة إلى البلدان التي تسير على نهج الحضارة المنغلقة, في حين أنها تتلاشى إلى حد كبير عندما يكون المهجر بلدا يعيش نمط الحضارة المفتوحة المتبنية لفكرة العولمة كمعظم بلدان أوربا وحتى الولاياتالمتحدةالأمريكية, ليظهر محله الاهتمام أكثر بقضايا التطور والخروج من دائرة التخلف، إضافة إلى مطالبة معظم الإعلاميين الوافدين إلى هذه المناطق برفع سقف حرية التعبير كحق ضروري لكل إنسان. سارة بانة