الشاعرة والإعلامية سناء الحافي اختارت وطنا غير الوطن الذي سكن قوافي قصائدها، من المغرب الشقيق تحمل هموم الإنسان المترامية ذات اليمين وذات الشمال، وتنتقل من غربة وطنها البيولوجي الى فضاء جغرافيا غير الذي عرفته تجربتها الابداعية، وشهد ربما أحلى ايام بدايتها الابداعية، ومعانقتها لعمود الشعر، الذي اتخذته سبيلا لها، قصد الولوج الى ملكة الشعر، من بابه الكبير.من هناك تظمها غربة اخرى، غير غربة الذات والروح، لتنتشي معها مزاوجة اخرى، هي اغتراب النص، الذي تغيرت خصوصيته ربما من الجانب المعرفي والتراثي، او الجمالي والفني، في وطن لاتقوى على ملامسة ملامحه، ولاتفاصيله. سناء الحافي من خلال محاورتها، فتحت لنا قلبها طبعا المفعوم بالمحبة والصدق، وللتذكير فهي صاحبة مجموعة من الأعمال الشعرية من بينها «شمس النساء»، و«غواية امرأة» «حورية المنافي»، وهي اضافة جديدة للابداع الادبي على وجه الخصوص. - الشعب : هل كان البعد الجغرافي مانعا ام اضافة جديدة؟ * سناء الحافي: ثمة أناس يبدأ ميلهم للشعر و الكتابة من مرحلة الطفولة ، ليمتد بهم الى أقاصي العمر استنادا على علاقتهم الزمكانية بجوهرية الذات و سلطة الظروف ..و أنا من هذه الفئة، حيث غمرتني الحياة منذ طفولتي بدفء الكلمة فلم أجد بديلا لها قد يترجم ما أريد البوح به بدون رتوش أو تكلف..لكن غربتي عن وطني المغرب وضعني قاب قوسين ،و في صراع أبدي بين الحنين و قسوة الحياة ، و بين الاشتياق و الصمود في وجه المنافي ...فوَجدني الشعر ....و أوجدت فيه عوالمي ، حيث الأم و الحبيب و الوطن الذي لا أرتد عنه مهما بلغت من غايات.... و إن كان الألم في مفهومه العام عند الكثيرين من المبدعين هو الحافز الأول لصناعة الابداع ...فلن أنكر أنه كوّنني أدبياً من الألف للياء ،لأنه حكم أبياتي و حكمني ...فكنت معه كالضحايا التي تتخذ من جلادها مثلها الأعلى ... و يبقى الاغتراب عن الوطن من وجهة نظري هو التيمة القدرية للعديد من المفكرين و الشعراء و الكتاب ...لذلك نجد أن إبداعاتهم لها نكهة خاصة ممزوجة بصبغة العفوية و الصدق ولطالما كنت أميز كقارئة بين شعر الشعراء الذي يتسم بالعفوية المطلقة و الاحساس الصادق بوجع الغربة و شعر العلماء الذي يرتكز على قوالب العروض و الخوف من النقد فقط ليفتقد بذلك صبغة التلقائية التي دائما تشد المتلقي الى الغوص في عمق النص و مدركاته.. فعلاقتي بالمكان تشبه علاقة جبران خليل جبران حينما اعتبر بيته جسده الثاني، وهذا التصور ينعكس على علاقتي بالوطن. فما زال يلاحقني مثل الكابوس طيلة هذه السنوات. فمأساة الغربة هي مأساة مصيرو لا نستطيع انكار أن هناك علاقة جدلية عميقة ومتشعبة بين المغترب ووطنه، تشت و ترتخي بمرور الوقت. فثمة أوطان فارغة، يابسة يتذكرها أبناؤها المغتربون باعتبارها أماكن ولدوا فيها لا غير، وتراهم سرعان ما يتأقلمون مع البلدان المكتسبة، حتى ترى غالبيتهم يخجلون من استحضارها والتحدث عنها أمام الغرباء. حتى أن كاتبا عالميا مؤثرا مثل جيمس جويس قد هجا مدينته دبلن عاصمة إيرلندا بعد أن هاجرها، واصفا إياها بقاتلة الإبداع! إلا أنني أجد أن البعد الجغرافي ( حسب سؤالك) كان اضافة الى منجزي الأدبي و لم يكن مانعا له ، و لأكون مخلصة لغربتي و صدق كلمتي أكثر سأجزم أنه كان صانعاً لي بدعمٍ من وحدتي و أوجاعي ...كيف لا و (حورية المنافي) ديواني الذي صدر مؤخرا جاء اختزالا لمفاهيم الاغتراب بين الذات و الوطن و كان غريمي و منافسي الأكبر في مشاطرتي لتجربة الغربة من بلد لآخر بحثا عن سقفٍ آمن ... - كيف تقيمين هذه التجربة ؟ * لن أكون جاحدة في حقّ وطني الذي سلبني حقّ البقاء فيه ... بتقييم تجربة الغربة و انعكاسها على كتاباتي، و لكن سأقيّم تجربتي أدبيا كي أكون منصفة في حقّ ذاتي أولاً و أخيراً، فكل إنسان يجد ذاته في متعة ما يمارسها، ومتعتي هي الشعر وكتابته، ولا أريد منفعة منه، فالشعر بالنهاية هو فن تعبيري و ليس رهان خيل،و هو باعتقادي حياة خالدة والفائز الأكبر مَن يتطور فيه بشكل طبيعي، ويزداد وهجًا كلما تقدمت به التجربة و العمر، و يزرع في متابعيه شغفًا وحرصًا على ألاّ يفوتهم أي نص له،و ما بقي خارج هذا الكلام يبقى زائفًا لا محالة...فيبقى التقييم الحقيقي للطرح الشعري بناء على المبنى و المعنى من حق المتلقي و الناقد ، و بعده يأتي اختزال التجربة في زاوية النجاح أو الاخفاق عند الشاعر. اذ أن الكاتب الإيطالي البرتو مورافيا يرى في تقييمه للتجربة الابداعية "أن الإبداع يعني الإفلات من الموت" وأنا أؤمن بذلك، فجلّ قصائدي وكتاباتي انعكاس لتحولات شخصية وخارجية فكرية وشعورية، وجودية وثقافية وإنسانية أعيشها(أو عشتها)، تشتبك مع الطبيعة والميثولوجيا والأحداث والتاريخ والزمن والناس، وهي بهذه المقاربة غارقة بما هو ذاتي وموضوعي بذات القوة،وتبغي الوصول إلى الآخر بدون تنازلات... - أين تصنف هذه الكتابات ؟ * بما أن القصيدة أنثى...و الكتابة صيغة تجسيدية و رمزية لها، فحتماً ستصنّف كتاباتي في قالب وجداني و تعبيري يرتكز في محتواه المعنوي على خلجات الروح بحساسية امرأة... و عنفوان طفلة ..و حلم عاشقة ،بمعنى أن هذا التصنيف هو بمثابة إيجاد حالة من التوازن لربما تقيني مكائد الزمن، عبر استغلال وجودي الاضطراري في المنفى، في تكوين نفسي على مختلف الأصعدة: شعرا، بحثا، دراسة، مُحاولةً صياغة نفسي من جديد... و ان كنت تقصد في سؤالك عن التصنيف من ناحية الجنس الأدبي ، باعتباره شعر نسائي فباعتقادي المطلق أن الشعر لا يؤنّث و لا يذكّر ....لتبقى المقارنة فقط تعتمد على الآليات و اللغة التي يستخدمها كل واحد منهما في نتاجه الخاص ،حيث لا يجب تجاهل ما قدّمه الادب النسوي للساحة الأدبية العربية حاليا حيث سجل بصماته المميزة والجادة في المجال المعرفي بصورة عامة وثبت أقدامه بتركيز فعلي ومؤثر ...وظهرت كتابات جديرة بالاهتمام على صعيد الشعر والرواية أو في فن القصة القصيرة وجميعها تعالج قضايا المجتمع وما تمر به البلاد العربية من انتكاسات سياسية واقتصادية وحتى ما يخص قضايا المرأة واستطاعت ان تتبلور الفكرة القائلة ان ليس هناك فرقا واضحا بين أدب المرأة وأدب الرجل فهي تصب في مجرى واحد وهي هموم الانسان وأوجاعه وآلامه ... ولكن يبقى الادب النسوي بحاجة للدعم من قبل المجتمع والحكومات العربية والمؤسسات الادبية حتى نستطيع القول انه بلغ مبلغ ابداع الرجل بالكم والنوع ....