تفتح الكاتبة والإعلامية الجزائرية، المقيمة بالقاهرة "ندى مهري" قلبها ل "الشعب"، لتروي مسيرتها الأدبية التي وُلدت بالجزائر وترعرعت في مصر، لتصنع لها بذلك اسما أدبيا لامعا وسط مختلف الشخصيات الكبيرة التي يحتضنها هذا البلد. تقول ندى مهري في حديث ل "الشعب" أن نية مغادرة الجزائر سبقت قرار المغادرة بسنوات، حيث كانت طموحاتها بسيطة وعادية، تتمثل في تحقيق ذاتها مهنيا وأدبيا، بالرغم من أنها لم تكن تدرك حجم الصعوبات والعراقيل التي ستواجهها، مشيرة إلى أن الانتقال من بلد إلى بلد، هو بحد ذاته تجربة مثيرة وجديرة بالتوثيق، كما أنه امتداد للطريق الذي بدأته في الوطن. ❊ الشعب: لكل كاتب ظروفه الخاصة التي حذت به إلى الهجرة خارج الوطن، ما هي دوافع مغادرة الكاتبة والإعلامية ندى مهري للجزائر؟ ❊❊ ندى مهري: سؤالك يذكّرني بما قاله الأديب المصري يوسف زيدان: "إنّ الملايين ممّن ينوون الهجرة يكونون قد هاجروا نفسيا لحظة تقديم الطلب، وهجروا الوطن على المستوى الشعورى ويظل حالهم على هذا، حتى لو ظلوا سنوات ينتظرون الإشارة بالرحيل، فتكون النتيجة الفعلية أننا نعيش في بلد فيه الملايين من المهاجرين بالنية أو الذين رحلوا من هنا بأرواحهم ولا تزال أبدانهم تتحرك وسط الجموع كأنها أبدان الموتى، الذين فقدوا أرواحهم ولم يبق لديهم إلا الحلم الباهت بالرحيل النهائي". إنّني من الفئة التي ذكرها هذا الأديب، فنيّة المغادرة سبقت قرار المغادرة بسنوات، كانت طموحاتي بسيطة وعادية، تتمثل في تحقيق ذاتي مهنيا وأدبيا، ولم أكن أدرك حجم الصعوبات والعراقيل من أجل تحقيقها، إلا بعد تجربتها وتذوّق جمرتها، تحدّيتُ خيبات كثيرة وواجهت الكثير من الأبواب الموصدة، ومع هذا التعثر خطوت خطواتي تجاه الأدب والإعلام، ورغم ذلك كنت أشعر بأن طاقتي الفعلية معطلة وأنّ إمكانياتي مؤجّلة، وعانيت من الشعور بفقدان شيء ما أجهل هويته، وأحتاج بشدة لأن أكتمل به، وينبغي أن أعثر عليه في مكان ما سواء في منطقة الروح أو خارجها، ثم اعترض طريقي ذلك النداء الخفي الملح الذي يظهر تارة في هيأة طموح، وتارة أخرى في هيئة غضب من الوطن، ويشعرني بالغربة والغرابة والاندفاع على فعل المغامرة، ثم تأتي الظروف العصيبة التي مرت بها الجزائر خلال العشرية السوداء كذريعة أو إشارة لأخذ قرار المغادرة. هل بداياتكم مع الكتابة انطلقت من مكان تواجدكم بالقاهرة أم من الجزائر؟ ❊❊ بداياتي مع الكتابة انطلقت بالجزائر، وبدأت النشر منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي في بعض الصحف، فنشرت المقال وبعض كتاباتي الشعرية، وبعض قصص الأطفال، وحضرت بعض المناسبات والفعاليات الأدبية التي كانت تقام آنذاك. في اعتقادكم ومن خلال تجربتكم الشخصية هل يمكن القول إن "الغربة" تنعكس على أعمال الكتاب المغتربين؟ ❊❊ دون شك للغربة بصمتها ورصيدها في فعل الكتابة لدى الكاتب المغترب، فالحياة من حوله مختلفة اللغة، والثقافة، والعادات والتقاليد، والطباع، والمزاج والأكل، وحتى تأثير المناخ وديكور المحلات، كذلك حركة المجتمع نفسه والظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية المحيطة والمؤثرة، والتي يمر بها الوطن البديل وجميعها عوامل فضول وجذب ولا تمر مرور الكرام على بصر وبصيرة وأحاسيس المبدع المغترب، لتدخل في عوالمه الإبداعية مع الوقت، والغربة حسب وجهة نظري مشاكسة وشقية، لأنها تورطك أكثر بذاكرة وذكريات الوطن. ولقد كتبت نصا بعنوان "رسالة إلى سيدة الجسور" ونشر في مجلة العربي الكويتي، حيث قلت: "الغربة غربة سواء اخترتها أو اختارتك، سواء في وطن عربي أو أجنبي، إنّه تاريخ الجسد الذي لا يعترف إلا بجغرافية الوطن الأم، إنّه الالتصاق الأزلي غير المفسر، ومهما غضبت من وطنك ومهما تمرّدت عليه، ومهما شربت عصير أحلامك خارجه هروبًا من طلباتك الصغيرة المجهضة داخله، ومهما ادّعيت الانصهار في فسيفيسائية المكان الجديد وأتقنت فنّه، سترحل إليه مشاعرك كل يوم بقصد أو دون قصد، فالجسد والروح ملك لثراه أو لثرى مدينة تنتظرك بحب ابنة هذا الوطن". ❊يقال إنّ هناك من يحتمي بالكتابة والإبداع، ضد كل أشكال القسوة التي يمكن أن يفرضها العيش بعيدا عن الوطن على المبدع والكاتب، ما قولكم؟ ❊❊إنّ الانتقال من بلد إلى بلد، هو بحد ذاته تجربة مثيرة وجديرة بالتوثيق، ولكن ليس بالضرورة أن يكتب الكاتب المغترب بذريعة الوقاية من أشكال القسوة، التي يفرضها العيش بعيدا عن الوطن أو يتعرض لها، أحيانا قد توجد قسوة أشد مرارة داخل الوطن، وعليه ففكرة الحماية بالكتابة ذاتية، تتعلق بشخصية الكاتب وبمدى انخراطه وقناعته في هذا الإحساس، بين الكتابة وفعل الوقاية والرسالة التي يريد أن يوصلها للمتلقي. إنّ المبدع يكتب عن كل شيء، عن الحب، والحرب والخيبات والأحلام، وما تزخر به قريحته من أفكار ورؤى وعجائبية، يريد أن يتشارك بها مع القارئ. فعل الكتابة، هو فعل الحياة والحياة فعل قسوة وفعل إنجاز وفعل مواجهة الظروف الصعبة التي توجد داخل الوطن وخارجه، والصعوبات والعراقيل والخيبات لا تحمل جنسية، فالهموم الإنسانية متقاربة، فهي موجودة في كل مكان في الكون، ولكن فكرة الظروف المؤاتية للتحقق قد تختلف من وطن إلى آخر. ❊ما الذي أضافته لكم "الغربة" أدبيا، وهل ساعدتكم على فهم ذاتكم أكثر أم فهم الآخر، بعد انفتاحكم عليه؟ وهل تعتبر "الغربة" ولادة جديدة للكاتبة ندى مهري؟ ❊❊ أن تغترب يعني أن تعيد ابتكار نفسك، وإذا اخترت الغربة يجب أن تتحمل مسؤولية الاختيار، وأن تدرك أين تضع قدميك وأي طريق تختار ويجب أن تتحلى بالفراسة وإلى من تفتح قلبك لأنك لا تدري من القادم إليه، الغربة هزائمها كثيرة ويومية، فأنت تدفع ثمن إقامتك من دمك، من عمرك من عرقك، من هويتك ومن أشياء تتنازل عنها لحظيا. وفي المقابل تمنحك الغربة التجارب والفرص وغير المتوقع، وتثريك بالعلاقات الإنسانية المختلفة، وهذا ما تتميز به مصر أنها حاضنة لمختلف الأجناس والثقافات، والغربة بالنسبة لي خبرات ورؤية جديدة وناضجة ومختلفة للحياة وهي امتداد للطريق الذي بدأته في الوطن. وعلى الصعيد الأدبي، يكفي أنّ القارئ الجزائري عرفني عبر نافذة مشرقية (الغربة)، وأنّ الساحة الثقافية الجزائرية أصبحت تتابع مشواري الأدبي، وأنّني كنت ضمن قائمة كتاب القصة القصيرة في كتاب "حدث الهدهد..قال" أنطولوجيا القصة القصيرة في الجزائر للمؤلف المبدع حسن دواس، والذي صدر مؤخرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. كما شاركت في العديد من الملتقيات العلمية والأدبية والفكرية، في مصر والوطن العربي، واختيرت قصيدة من قصائدي مع مجموعة قصائد لشعراء من العالم العربي والمهجر وصدرت في كتاب "الحركة الشعرية المعاصرة بأمريكا"، كما شاركت مع مجموعة شعراء في كتابة لحظة البيت الأول من القصيدة، وصدر الكتاب الذي أعدّه كل من الشاعر محمد حلمي الريشة والشاعرة آمال رضوان بعنوان "الإشراقة المجنحة" بفلسطين. ونشرت كتاباتي في جرائد ومجلات عربية وخليجية رائدة، ولي مجموعتان قصصيتان في مجال أدب الطفل، تحمل المجموعة الأولى عنوان "أميرة النجوم" وهي المجموعة التي تحصلت بها على جائزة الشارقة للإبداع العربي عام 2009، وتحمل المجموعة الثانية عنوان "لعبة الألغاز"، التابعة لسلسلة قطر الندى والصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، والتي صدرت في شهر أفريل 2013. كما تحصلت على جائزة الامتياز في القصة القصيرة في مسابقة "فوروم الكاتبات المتوسطيات" والذي كان موضوعه عن "القناع" ومقره مرسيليا بفرنسا، وصدر كتاب عن الملتقى ضم أعمال الكتابات الفائزة سنة 2008. ولديّ مجموعة قصصية ومسرحية جديدة للأطفال، ورواية قيد الانجاز والطبع في عام 2014.