المقاطعة ثقافة تتميز بها كثيرا الشعوب الواعية، مثل مقاطعة سلع الشركات ذات منتوجات مغشوشة أو الوكالات التي تقدم الخدمات لسبب من الأسباب، مثل التهرب الضريبي أو الفساد..الخ، وتتوسع هذه الثقافة حتى في المجال السياسي ومجالات الدفاع عن الحريات وحقوق المواطنين، فتُقَاطع الانتخابات إذا ما تحتم الأمر سواء المحلية أو البرلمانية أو الرئاسية. في الجزائر تكاد تنعدم هذه الثقافة، فمهما ما يحدث من زيادات متتالية في أسعار السلع إلاّ وتجد المواطن يسرع ويهرول من أجل اقتنائها، قد يضجر من ذلك لبعض الوقت، إلاّ أنه يواصل في شرائها حتى ولو تحتم عليه الأمر دفع أضعاف ثمنها الأصلي!!. والمجال الوحيد الذي اتفق فيه أغلبية الجزائريين دون قصد منهم على المقاطعة، هي مقاطعة الانتخابات بكل أشكالها، لا أعتقد بأن مرد ذلك إلى وعي سياسي من أجل الاحتجاج على أمر ما، ولكن بسبب الانتكاسات الحاصلة منذ زمن، بسببها جعلت المواطن يفقد الثقة في اللعبة السياسية برمتها. ثقافة المقاطعة مهمة جدا، سواء على المستوى الجماعي أو الفردي، بها نحدث التوازن ونرفع الاستغلال ونضع حدا للبطون الجشعة التي لا تطلب إلاّ الربح، بها يمكن السيطرة وخلق ردود أفعال تجعل الطرف الآخر يعيد حساباته قبل رسم أي سياسة اجتماعية أو اقتصادية. وهذه الثقافة يمكن بناؤها وغرسها في المجتمع، حتى تصبح ميزة خاصة به، وسلاح بتار يخرجه في وقته للدفاع عن نفسه. وما يحدث هذه الأيام من دعوة لمقاطعة شراء السيارات بسبب غلائها الفاحش، هي فكرة في الطريق السليم، كثقافة لابد للمواطن أن يتحلى بها، أتمنى أن تشمل كل المجالات خاصة الاقتصادية منها. إن الشعوب التي تتفق على مقاطعة أي منتوج وتدفع لذلك بكل قوة هي حتما شعوب واعية، نظمت نفسها من أجل الدفاع عن حقها، نمّت في ذاتها روح التغلب على أي منتوج مهما كان ضروريا في حياتها، استطاعت السيطرة على نفسها ضد أي إغراء حتى ولو ملك أغلبية المواطنين الثمن لشرائه، ثقافة المقاطعة ثقافة راقية، فهل نسير نحن الجزائريون نحو امتلاكها وبالتالي توسيعها في كل شؤون حياتنا؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون زوبعة في فنجان؟!. [email protected]