لا يعتبر خيار الإعلام بعيدا عن بيئتها، فهي التي انحدرت من أسرة مثقفة لأم إعلامية و أب مخرج تلفزيوني، ورغم ذلك اختارت أن تشق طريقها معتمدة على كفاءتها واجتهادها، لتنال شهادة ماجستير في الدراسات الإعلامية العليا من الجامعة الأمريكية في بيروت، وعلى جائزة "كامل مروة للدراسات الإعلاميّة العليا" للتفوق الأكاديمي في الجامعة. وبين الشاشة اللبنانية وشاشة دبي، حيث تقدم بها اليوم أحد أهم البرامج العربية، قصة لشابة طموحة، مثابرة تتطلع للأفق بنظرة خاصة، وبفكر تسعى من خلاله لإيصال رسالتها الوجودية. ضيفتنا لهذا العدد إعلامية شفافة، راقية وخلوقة، نجمة أنسايدر مايا مجذوب. *بداية حدثينا عن فكرة دخولك مجال الإعلام و من شجعك على ذلك؟ أعتقد أن لوالديّ دور كبير، مباشر وغير مباشر، في توجهي نحو الإعلام، نظراً لخلفيتهما الإعلاميّة، فوالدتي ندى بيضون كانت إعلاميّة إذاعيّة في إذاعة صوت لبنان العربي، ووالدي عثمان مجذوب كان مخرج تلفزيوني. وفي طفولتي مثّلت في العديد من الإعلانات التلفزيونيّة، ابتداءً من عمر السنة، لكنني لاحظت في مرحلة الشباب أن أكثر ما يعنيني هو العمل في مجال القضايا والحقوقيّات، فكنت قد أسست مثلاً كطالبة جامعيّة "نادي تمكين النساء في جامعة هايغازيان" في بيروت، لذا اخترت أن أتخصص بالمجال الإعلامي والصحفي لخدمة وتطوير توجهي هذا، فنلت شهادة الماجستير في الدراسات الإعلامية العليا من الجامعة الأمريكيّة في بيروت. عملت أثناءها لسنوات في مجال البحث، وكتابة وإعداد العديد من البرامج التلفزيونيّة الاجتماعيّة والثقافيّة والمقالات الصحفيّة، وأصدرت فيلمي الوثائقي "تلفزيون وائع" عام 2015، لأنتقل بعدها إلى شاشة تلفزيون لبنان الرسمي، حيث عملت لسنتين كمعدة ومقدمة للبرنامج الحواري الاجتماعي "شارعنا" الذي يسلط الضوء على قضايا الشباب، وحالياً أنا مذيعة في تلفزيون دبي، وتحديداً في برنامج "زا إنسايدر بالعربي"، حيث الإضاءة على الإنتاج العربي الفني من دراما، سينما، موسيقي، ومسرح – الذي عادةً ما يُهمّش إعلاميّاً – بأسلوب إخباريّ رصين.
*هل تغيرت نظرتك للإعلام بعد دخولك عوالمه؟ بحكم أنني عشت في بيئة إعلاميّة وتخصصت أكاديمياَ في المجال الإعلامي، كنت قد بنيت العديد من الآراء والأفكار حول المجال قبل بدء العمل فيه. لا أعتقد أنني صادفت لاحقاً ما صدمني أو غيّر من أفكاري هذه، لكن الولوج إلى داخل هذا العالم أكسب انطباعاتي الأوليّة بعداً عمليّاً وأعاد ترتيب الأفكار. فقد رأيت عن كثب كيف تُنتج التركيبة التلفزيونيّة من الألف إلى الياء وشاركت في جميع مراحل الإنتاج، كما تعرّفت على أبرز العوامل الإيديولوجيّة والماديّة التي تؤثر بصناعة الخطاب التلفزيوني، وكيف تقوم هذه المهنة على جهود وسواعد العديد ممن هم خلف الكواليس ولا ينصفهم الضوء.
*بعد ظهور السوشيل ميديا الكثير من الإعلاميين يتخوفون من فكرة سقوط الإعلام التقليدي، هل تعيشين الهاجس؟
لا أراه هاجساً بقدر ماهو فرصة وتحدي للإعلام التقليدي لتطوير نفسه وتحديث منبره وقدرته على مخاطبة المشاهد باتجاه أفقي لا عموديّ، عبر إنتاج محتوى تفاعلي يمد جسور التواصل مع المشاهد ويفيد من مساهمته وآرائه. فاليوم المشاهد أكثر قوة من ذي قبل، لم يعد فقط مستهلك بل أيضا ناقد مؤثر ومنتج للمحتوى الإعلامي، وباتت لديه منابر مجانيّة على مواقع التواصل للتعبير عن رأيه ونقد ومحاسبة الإعلام التقليدي. لكن وبرغم تعاظم نفوذ المشاهد وتنامي ظاهرة ما يُعرف ب "المواطن الصحفي" أو "Citizen Journalist" والتحديات التي فرضتها على مهنة الصحافة التقليديّة، إلا أنه لا يمكن أن تسقط مثلاً برأييّ مهنة الصحافي المُتخصص، لما فيها من مراعاة للشروط والأصول المهنيّة من موضوعيّة ودقةّ في نقل المعلومة وغيرها، والتي نفتقدها عامةً لدى المواطن الصحفي.
*إلى أي مدى أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي ضرورية لاستمرارية المذيع؟ يعتمد ذلك برأييّ على هدف المذيع والإعلامي نفسه من استخدامها ومقاربته لها. يعني إن كان مثلاً يستخدمها كامتداد لعمله الإخباري في نقل المعلومات ومناقشتها، ستكون عندها جزءا أساسيّا من عمله لكي يوصل المعلومات إلى أكبر شريحة ممكنة من الناس. لكن إن كان الهدف هو الترويج الشخصي له فقط عبر نشر الصور مثلاً ومشاركة تفاصيل حياته اليوميّة، فذلك سيكون عنصراً مكملاً لتحقيق شهرة ونجوميّة شخصيّة وفق نمط خطاب ال "لايف ستايل" الدارج اليوم، لكنها في هذه الحالة لا تضيف له أيّ قيمة مهنيّة. القيمة المهنية للإعلامي تكون فقط بالمادة التي ينتجها وبأخلاقياته المهنيّة. لا يمكن أن يبني رصيداً مهنياً قوامه عدد "اللايكس" على صوره.
*الكثير من الشخصيات سقطت هيبتها بسبب الاستخدام الخاطئ لهذه المواقع، هل تملكين خطة للتحكم في مفاتيح هذه الوسائل أم تفضيلين التصرف بعفوية؟ في الحقيقة لست كثيرة النشاط على مواقع التواصل، علماً أنني شديدة المتابعة للأحداث والقضايا العربيّة والعالميّة التي تثير الرأي العام من خلال هذه المواقع وكيفيّة تفاعله معها، لكنني أفضّل استخدام هذه المواقع بطريقة حذرة ومدروسة والابتعاد عن مشاركة أمور شخصيّة. يتبع .. حاورتها: سارة بانة