* هذا ما دفعني لإنجاز الأفلام الوثائقية..وهدفي الحفاظ على الذاكرة * أعمل على المساهمة في كتابة تاريخ الثورة بطريقتي
* أحس بمسؤولية كبيرة اتجاه المجتمع * البرامج الاجتماعية أصبحت تكسر الطابوهات من أجل الإثارة حاورته: حنان. ط يستعرض المخرج سعيد عولمي تجربته مع الأفلام الوثائقية، والتي يهدف من خلالها التوثيق للذاكرة الجماعية للجزائريين، وفضح فضاعة الاستعمار الفرنسي، كما يستحضر في هذا اللقاء أهم ذكرياته مع البرامج الاجتماعية. *اشتغلت كثيرا في السنوات الأخيرة على الأفلام الوثائقية كان آخرها فيلم “على آثار المحتشدات”.. حدثنا عن العمل؟ منذ حوالي عام 2000 وأنا أشتغل على الذاكرة، أنجزت فيلما وثائقيا عن منفيي الجزائر في كاليدونيا، وقرص مضغوط يتناول تاريخ الجزائر منذ عام 1830 إلى غاية 1962 بثلاث لغات، وصممت معرض الذاكرة الذي تناول تاريخ الجزائر بطريقة تفاعلية، حيث وظفنا فيه التكنولوجيا الحديثة، وكذلك قمت بإنجاز سلسلة حول المنفيين الجزائريين في الكيان، وتجولت عبر التراب الوطني لإنجاز فيلم وثائقي عن “المعتقلات إبان الثورة التحريرية”، وسجلت أكثر من 350 شهادة عن معتقلات في الغرب، الوسط والجنوب، وحاولت أن أتكلم عن أنواعها: هناك معتقلات “الحجز” و”العبور”، معتقلات خاصة بالسياسيين ومعتقلات خاصة بأسرى الحرب، ولكن فرنسا أنشأت معتقلات خاصة في 1958 من أجل تنحية هذه الصفة حتى لا تطبق عليهم اتفاقية جنيف. وكذلك اهتممت بجانب مهم في الذاكرة الجماعية، وهي المحتشدات عند اندلاع الثورة التحريرية، من 1954 إلى غاية 1962، حيث أن فرنسا الاستعمارية لكي تعزل السكان عن الجيش وتخلق مناطق محرمة، قامت بتهجير حوالي 3 ملايين ساكن من قراهم ووضعتهم في محتشدات. الفيلم يروي قصة المحتشدات بطريقة بيداغوجية وأكاديمية بمشاركة جزائريين وفرنسيين، حتى يكون لعملي مصداقية أكثر، وأنجزت العمل بعدة لغات لكي يتمكن الناس في الخارج من مشاهدته. العمل يكشف بالوثائق والدليل والشهادات كل أشكال العنف والجرائم التي ارتكبت في هذه المحتشدات، وعانى منها أكثر من40 بالمئة من المجتمع الجزائري.
*ماهي الأشياء التي اكتشفتها أثناء جمع الشهادات عن المحتشدات، وكيف كانت عملية التصوير؟ -عملنا مبني على خمسة عناصر حتى نعطيه مصداقية، هو الشهادة والوثيقة وأرشيف السمعي البصري، والباحثين الذين قاموا بإعداد دكتوراه، والأماكن التي لها علاقة بالموضوع. وأريد أن أشير هنا إلى أنني بحثت كثيرا في الأرشيف، واكتشفت أسماء أماكن، وسردت أحداث تتركنا نكتشف جزئيات ربما لم نعطها قيمة لكنها تشكل الكل. وجدت تقريرا سريا يتناول البدو الرحل، وتمكنت من الوصول إلى شاهد في نواحي البيض. لا ننسى أن ميشال في بحثه يقول بوجود 20300 محتشد، ولكن الدراسات تقول إنها أكثر من ذلك والحقيقة أنه يوجد أكثر من 3 آلاف محتشد. أما بخصوص عمليات التصوير فقد كانت في فرنسا، والجزائر أخذت أربع مناطق في الجزائر، منها الأوراس وسيدي بلعباس.
*يبدو أن العمل أثر فيك كثيرا..هل نقلت كل شيء في الفيلم وجدته أثناء البحث؟ – نعم قلت كل شيء عن المحتشدات. *من كاليدونيا تستقر بك الذاكرة في “كيان”.. حدثنا عن هذه الرحلة؟ – أشتغل على المعتقلات إبان الثورة التحريرية وحول النفي إلى “كيان” بعدما قمت بعمل حول نفي الجزائريين إلى “كاليدونيا”، تنقلت إلى عين المكان وقمت بعمل معمق، والمشاهد والعالم سيكتشف حقائق أخرى حول ما قام به المستعمر ما بين 1852 إلى 1939 في الجزائر. *إذا تحدثنا بلغة الأرقام.. كم بلغ عدد المعتقلات في تلك الفترة؟ – حتى الآن لم يحدد عدد المعتقلات، ووضعت دراسة موثقة حول المعتقلات بالشهادات الحية، وأخذت عينات من المعتقلات عبر التراب الوطني. *يبدو أن العمل اثر فيك كثيرا.. – نعم، اكتشفت أنواع التعذيب، وكيف يؤثر العامل النفسي على المعتقلين من أجل تغيير رأيهم اتجاه الثورة لكنهم لم ينجحوا، وعندي تقرير يؤكد كلامي، بالإضافة إلى الظروف المؤساوية التي كان يعيشها المعتقلون داخل هذه الأماكن، القطيعة بينهم وبين أهلهم، وكيف أن المعتقل أصبح تنظيما سياسيا، فالجبهة أدخلت أناس داخل المعتقلات، ونظمت المعتقلين ليكونوا في صف واحد. جيل اليوم يجب أن يعرف تضحيات هذا الشعب، لأن الاستقلال لم يكن مجانا.
*أخذت على عاتقك هذا التوجه.. هل نستطيع القول إنك تعيد كتابة التاريخ على طريقتك الخاصة؟ لا.. أنا أساهم في إعادة كتابة تاريخ الثورة بتوظيف وسائل التكنولوجيا الحديثة، لأنه اليوم عندما نتحدث عن الموضوع، يجب أن نعرف كيف نبلغ رسالة الثورة للجيل الحالي والاستعانة بالتطور التكنولوجي، يجب أن نكيف طرحنا ..هذه رسالة نبيلة للجيال القادمة ..بالاحتكاك مع الشهود والوثيقة تصبح لديك مسؤولية معنوية اتجاه المجتمع ..
*لوعدنا بك إلى الوراء.. هل تتذكر تفاصيل أول فيلم أنجزته؟ أول فيلم قمت به كان حول الحركة الكشفية في الجزائر عام 1986، كنت حينها شابا، لأن الحركة الكشفية كانت مدرسة، ثم توالت الأعمال:” الحركة النقابية في الجزائر”، ثم “المعارك في الجزائر” ، وغيرها من الأفلام. الذاكرة كنت اعتبرها دائما جزءا مني، ولكن أيضا الحصص الاجتماعية، لأن المبدع يتفاعل دائما مع قضايا مجتمعه، فكانت”سهرة الأحلام” و”وكل شيء ممكن”. أنا من الناس الذين يحبون الأحلام، وأقول استثمروا في كل ما هو إيجابي ..علينا أن نرسم صورة إيجابية من خلال برامجنا، ونتعلم كيف ننشر الأمل بين الناس، وهذا ما أحاول أن أفعله من خلال برامجي.
“كل شيء ممكن “الحصة التي كانت تجمع الجزائريين..ماذا بقى منها؟ * البرنامج كان يبث على مدار 18 سنة، والهدف منه كان كيف نخلق حوارا اجتماعيا ونتقاسم الألم مع الآخرين، وهذا الأمر مهم جدا خاصة اليوم، البرنامج ساهم في ترقية الحوار الاجتماعي . *لماذا توقف البرنامج عن البث.. وهل يمكن إعادته في حلّة جديدة؟ * كان من المفروض عودة برنامج “وكل شيء ممكن”، وأتمنى حقيقة أن يعود يوما ما. كان من المفروض إعادته ولكن حدثت أمور عطلت الأمر. “كل شيء ممكن” كان برنامجا مميزا يجمع العائلات، تعلمنا من خلاله كيف نعالج المشاكل ونفتح أبواب الأمل للناس ونعطيهم رسالة تفاؤل .. كان رياض بوفجي، رحمه الله، يتفاعل مع البرنامج كثيرا.
*ما رأيك فيما يقدم اليوم من حصص اجتماعية على القنوات الجزائرية؟ * يجب أن نتفادى الإثارة في قضايانا المهمة ونطرحها بجدية أكبر، ويجب أن لا تكسر هذه البرامج كل ما يربطنا، عندما ننجز برنامجا أو نناقش موضوعا نرى كيف يؤثر على سلوكات الأفراد والرسالة المتوخاة من ورائه، ولا نركز على الإثارة فقط. لدينا مسؤولية معنوية اتجاه المجتمع، لهذا علينا أولا أن نقدر انعكاسات الموضوع بالدرجة الأولى، لأنه عن طريق التلفزيون نربي أو نكسر أجيالا. وفي الأخير الإعلام مهمة نبيلة يجب استغلالها بطريقة جيدة لما له من مسؤولة اتجاه الضمير الجماعي. *ما هي الأعمال التي أثرت فيك؟
* كل عمل له خصوصيته: “التيليطون”، عشنا من خلاله وضعيات محزنة، لقاءات ” كل شيء ممكن” التي أبكت المئات من الجزائريين، دموع وعمل إيجابي في “كاليدونيا”، حيث تمكن أحفاد المنفيين من زيارة الجزائر وتحقيق حلم آبائهم الذين رحلوا، هذا الموضوع بالذات أبكاني كثيرا. *هل هناك مواضيع تشغلك ..وهل من مشاريع؟ أحاول أن أهتم بالمواضيع التي تفيد المجتمع، ومحاولة الاجتهاد رفقة فريق عملي الذي يضم كثير من الشباب الطموح، وأركز اهتمامي بشكل أكبر على القضايا الخاصة بالمجتمع الجزائري، وسأستمر في العمل، وأحاول أن أجتهد أكثر من أجل تحقيق كل ما أصبو إليه. كذلك عندي مشاريع برامج تلفزيونية، مختلفة جاهزة وتنتظر التجسيد على أرض الواقع، لكن بسبب ارتباطاتي الكثيرة وتركيزي على التصوير في المرحلة الأخيرة قررت تأجيلها إلى إشعار آخر.