ونحن على بعد أيام قليلة من دخول الشهر الثالث لانتشار فيروس كورونا المستجد كوفيد 19 ببلادنا وتأثيره على الحياة العامة للمواطنين على غرار العديد من دول العالم، فلم تترك هذه الجائحة قطاعا إلا ومسته محدثة فيه نوعا من الركود مما غير في ديناميكية العمل. ولقد تتبعنا جميعا كيف اضطر قطاع الجامعات بالجزائر شأنه شأن بقية القطاعات وأصيب هو الآخر بتعليق جميع الأنشطة البيداغوجية بكل أصنافها وتأجيل للتظاهرات والمؤتمرات وغلق الإقامات الجامعية وإلغاء الاجتماعات وإرجاء مناقشات الرسائل الجامعية وهذا كإجراء وقائي من تفشي الوباء، هذه الإجراءات تبدو في ظاهرها وكأنها شلت كل أوجه الحياة الجامعية بشكل يوحي أن المؤسسة الجامعية أكثر تضررا بهذه المرحلة العصيبة التي فرضها الفيروس. لكن بالمقابل لا ينكر أحد كيف استبقت الوزارة الوصية الأحداث فكانت من الأوائل التي طالبت مؤسسات التعليم العالي بتوفير الدعائم البيداغوجية للطلبة عبر الأنترنيت وكيف استطاعت في ظرف وجيز على الرغم من نقص التجربة والوسائل البشرية والتقنية حث أغلب الأساتذة على إدراج محاضراتهم ودروسهم التطبيقية عبر الخط عن طريق منصات رقمية مخصصة لذلك وكذا عبر وسائط التواصل الاجتماعي. كذلك شاهد الملاحظون كيف تسابقت مخابر الجامعات بأبسط الوسائل والتقنيات على إنتاج مختلف المحاليل المعقمة والمواد المطهرة ووسائل الوقاية والأقنعة ونماذج أجهزة التنفس الاصطناعي وتبرعت بها لصالح المؤسسات الاستشفائية ومراكز الحجر الصحي وذلك عبر جهات الوطن الأربع. لاحظ المتابعون أيضا كيف ساهمت ولا تزال تساهم كليات الطب ومخابر البحث الجامعي في تخفيف الضغط على معهد باستور في مهمته المتعلقة بالكشف عن حالات الإصابة بفيروس الكورونا، بعد اعتماد العديد من مراكز التحليل والتي تنامت بسرعة رهيبة ليتجاوز عددها الرقم عشرة ولو أن ذلك تم في إطار عفوي وتلقائي بشكل يبتعد قليلا عن التخطيط والاستراتيجية. أبعد من ذلك، وعلى الرغم من تأخر إنشاء المركز الوطني للبحث العلمي والتكنولوجيات المنصوص عليه في التعديل الدستوري لسنة 2016، إلا أن الدولة أدركت أن دور الجامعة الجزائرية لا ينبغي أن يبقى محصورا فقط في نشر العلوم والمعارف بل يجب أن تتعدى فعاليتها لتصبح من الدعامات الأساسية للنمو الاقتصادي في البلاد، وبذلك سارعت إلى إصدار القانون المنشئ لهذه الهيئة الدستورية وتنصيب رئيسها آخذة بعين الاعتبار الدور الكبير الذي ستلعبه هذه الأخيرة في إطار ترقيةالبحثفيمجالالابتكارالتكنولوجيوالعلمي وتفعيلالتدابيرالكفيلةبتنميةالقدراتالوطنيةفيهذاالمجال. أخيرا، يقول المثل العربي “وراء كل محنة منحة” ولعل ذلك ينطبق بصورة جلية على الجامعة الجزائرية التي استطاعت في ظل الأوضاع الراهنة أن تتجند وتتفاعل بإيجابية مع ما أحدثته هذه الأزمة الصحية من مخلفات، لكن لا ينبغي أن تقف الأمور عند هذا الموقف بل يجب أن يحرص القطاع من الآن وصاعدا على تطوير نفسه اعتمادا على نخبه ومواهبه، بشكل يسهم في رفع مردود التكوين العالي وتحسين نوعيته والتكفل باحتياجات القطاع الاجتماعي والاقتصادي. الدكتور بلعيد سايح جبور – باحث أكاديمي وإطار جامعي بكلية الحقوق سعيد حمدين