خواطر عطائية (11)….! د/عطاءالله فشار النفوس الزكية: الرياء داء النفوس الرياء هو أصل العلل وأصل الفشل في كل عمل ولذلك جاء في الحديث النبوي: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكَ الأَصْغَرَ»؛ فسُئل عنه فقال: «الرياء» وفي حديث آخر يصف النبي صلى الله عليه وسلم الرياء ب «الشِّرْكُ الْخَفِيُّ» ثم يقرب للأذهان مدلوله بمثال: ” «يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ» تدل المبالغة في التحذير هنا على عظم الخطر؛ ذلك أن من ذاقت نفسه حلاوة التوحيد؛ وتجاوبت مع دين وصفه الحق سبحانه ب (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)؛ فإنه ينفر من الشرك البين؛ أما الشرك الخفي فآفة تلازم الطاعات والعبادات لتجريدها من الإخلاص الحق؛ وحرمان صاحبها الأجر والثواب. لذا فإن العاقل لا يطمئن لمجرد إتيان الطاعات على الوجه المطلوب؛ بل ينفذ ببصيرته في عوارض الشرك الخفي؛ فيعلم ما ينبغي له توقيه والحذر منه. يُعرف الحارث المحاسبي الرياء بأنه: “إرادة العبد العباد بطاعة ربه” إلا أن هذه الإرادة برأيه على وجهين: وجه أشد وأعظم حين يصرف العبد طاعته لغير الله؛ ووجه أدنى وأيسر حين يجتمع في القلب رجاء ثواب الله؛ ومحمدة الناس. أصل الرياء حب الجاه والمنزلة، ومن غلب على قلبه حب هذا صار مقصور الهم على مراعاة الخلق، مشغوفا بالتردد إليهم، والمراءاة لهم ولا يزال في أقواله وأفعاله وتصرفاته ملتفتا إلى كل ما يعظم منزلته عند الناس، وهذا أصل الداء والبلاء، فإن من رغب في ذلك احتاج إلى الرياء في العبادات، واقتحام المحظورات. وهذا باب غامض لا يعرفه إلا العلماء بالله، العارفون به، المحبون له. والرياء سمي بالشرك الأصغر؟ لأن المرائي هو الذي يصرف العبادة عن وجهة الله إلى وجهة الناس ويجعل مقصوده من العبادة ثناء الناس عليه واحترامهم له وإقبالهم عليه، واعتبارهم له أنه شيء فهو جعل مع الله شريكاً في إرادة العبادة هو عبد الله لكن أراد من عبادته أن يرضى الله عنه وأراد أيضاً أن يرضى الناس عنه، فأشرك طلب رضوان الله بطلب رضوان الخلق لهذا سمي بالشرك الخفي، الأصغر لأنه لايخرج عن الملة، والخفي لأنه على مراتب ِ في حديث لسيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول فيه : ” " أول الناس يقضى فيه يوم القيامة: رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيه؟ قاتلت فيك حتى قتلت. قال: كذبت، ولكن قاتلت ليقال هو جريء، فقد قيل. قال: ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم، وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه عليه فعرفها،فقال: ما عملت فيها؟ قال: تعلمت فيك العلم، وعلمته، وقرأت فيك القرآن، فيقول: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال هو عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسع الله عليه فأعطاه من أنواع المال، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، فقال: ما عملت فيها؟ قال: ما علمت من شيء تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت فيه، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار " .. أن العارفين بالله السائرين على الطريق يعطوننا النصيحة لنا للتخلص من داء الرياء فيقولون :اشتغل بملىء قلبك بعظمة الله لأن الرياء يدل على خلو قلب صاحبه من عظمة الله. لو امتلأ القلب بتعظيم الله لما احتجت أن ينظر غير الله إلى عملك أما كفاك نظره إليك؟ أما كفاك علمه بما تصنع؟ هذا ينزع من القلب حب الدنيا وحب المنزلة بين الناس ويورث القلب الامتلاء بعظمة الله سبحانه وتعالى. ويضيفون شيئا آخر وهو من قول لا اله إلا الله فهي كلمة إذا أكثرت منها أعانتك على الإخلاص وهي كلمة الإخلاص (لا إله إلا الله)، اجعل لك ورداًمنها وأنت تقول: (لا) استحضر معنى إخراج من سواه من قلبك (لا إله)، وأنت تقول (إلا الله) استشعر معنى إثبات نور الله في قلبك، فضل الله، عطاء الله ..رضاء الله في قلبك، .فلا يبقى في قلبك إلا الله، هذا تطهير لباطن القلب من معنى الالتفات إلى الخلق.. فالاتصال بالله عز وجل هو اس العلاج والاتِّصال بالخالِق يقطع كلَّ الاتصالات بالخلْق، والاستغناء عن العباد؛ (فَإِنْ تَوَلَّوا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)و (قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)، وقوله : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)، ومَن كفاه الخالق فلا يحتاج إلى غيرِه، ولا يكون هذا إلا إذا تَعلَّق القلْب بالله – جل جلاله – وأيقن أنَّه هو الغني والناس كلهم مفتقِرون إلى الله؛ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ). يسْتشِفّ سيِّد قطب – رحمه الله تعالى – أنَّ عِلاج القلْب من مرض الرِّياء، هو أن يكون متصلاً بالله – جل وعلا – وذلك عند قوله – تعالى -: ( ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) إذ يقول: “… وذلك هو التوكيدُ الأخير، التوكيد على أنَّ هذا كله متوقِّف على صِلة القلب بالله، ونوْع هذه الصِّلة، والشُّعور بخشيته خشية تدفع إلى كلِّ صلاح، وتنهى عن كلِّ انحراف، الشعور الذي يُزيح الحواجز، ويَرْفع الأستار، ويقِف القلب عاريًا أمامَ الواحد القهَّار، والذي يُخلص العبادة، ويُخلص العملَ من شوائبِ الرِّياء والشِّرك في كلِّ صورة من صُوَره، فالذي يخشى ربَّه حقًّا لا يملك أن يخطرَ في قلبه ظلٌّ لغيره من خلْقه، وهو يعلم أنَّ الله يردُّ كلَّ عمل ينظر فيه العبد إلى غيره معه، فهو أغْنى الشركاء عن الشِّرك، فإما عمل خالص له، وإلا لَم يَقْبله”. قال ابن القيِّم – رحمه الله تعالى -: “فدواء الرِّياء ب(إِيَّاكَ نَعْبُدُ)، ودواء الكبر ب(إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، وكثيرًا ما كنت أسْمَع شيخَ الإسلام ابن تيمية – قدَّس الله رُوحه – يقول: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) تدفع الرِّياء، و(إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) تدفع الكِبرياء”