في عز أزمة كورونا وبينما كان قادة العالم يصورون الأزمة على أنها حرب ضد مجهول قد يفتك بنصف المجتمع وأنه لم يبقى للناس سوى توديع أحب لهم سيختطفهم الموت في عز شبابهم. حديث [قصدك حدث !!] تناغم مع حملة ترويع قادتها أعتا الآلات الإعلامية التي تحركها قوى الرأسمالية مرسخة في فترة وجيزة للشعوب أن هذا الخطر الداهم أصبح واقعا ولا قدرة للإنسان على مجابهته سوى الانتظار.. لقد نجحوا في زرع الخوف وقتل أي أمل .. المتفائلين منهم ينتظرون معجزة لقاح ما قد يكلف الكثير، لكن الإنسان البسيط المتشبث بالحياة كان قد هُيأ للقبول بأي حل ما عدى الموت.. قد يقبل بقاحٍ لم يجرب سريريا أو حتى لم يجرب على الحيوانات فهو في حالة يأس تدفعه نحو المحظور.. فهل كان المراد هو التخويف والترويع والتيأيس ثم الخروج بلقاح معجزة تدفع ثمنه الشعوب الفقيرة والمتخلفة ملايير تفوق عائدات النفط والغاز !! ممكن !! في غفلة من قصور الايلزي وماتنيون خرج من أقصى الجنوب الفرنسي رجل يسعى.. ليبعثر بكلمة واحدة أوراق قادة العالم المتفقين على كلمة رجل واحد أنه لا علاج لفيروس كورونا سوى انتظار الموت وتوديع الأحبة.. كلمتان بسيطتان على اللسان ثقيلتان في ميزان الاقتصاد تلفظ بهما هذا الرجل كانت كافية لقلب لعبة الشطرنج على الكبار وغيرت مسار الوادي.. من هو من يكون من يجرأ !! انه البروفيسور “ديديه راوولت” الحاصل على.. وكذا كذا.. ودون سابق إنذار يطلق رصاصة الرحمة التي انتظرها الكثيرون. “ديديه راوولت” البروفيسور النابغة في الفيروسات يعلن بكل بساطة وتلقائية عن وجود علاج لفيروس كورونا ولا يتردد في إعطاء اسمه ويؤكد أنه دواء قديم قدم الجُمهورية هذا الدواء موجود في الصيدليات منذ 50 سنة، نعم أنه يقضي على الفيروس بنسبة 90 % على حد قول “راوولت” وفريقه إذا ما تم وصفه مع بداية الأعراض قبل تقدم الحالة، مدير مركز الأبحاث في مارسياليا “راوولت” قام بتجارب كلينيكية على عدد من المصابين والنتائج كانت مذهلة 82 % تعافوا.. العلاج لا يكلف اقل من 10 سنتيمات للجرعة أي أقل من قارورة مياه معدنية.. الخبر جرى مجرى النار في الهشيم متجاوزا كل الحدود المغلقة والأجواء المعلقة ولم يعد للعامة والخاصة حديث غير “ديدي راولوت” والكروكولين. الايليزي يرتبك والعالم عيونه شاخصة نحوه لإعلان الخبر السار للعالم “فرنسا تكتشف العلاج” لكن وللمفارقة كان الموقف مخالفا للتوقعات رفض للعلاج دون تقديم بدائل وحرب شعواء أطلقت فرنسيا على العلاج حيث تم منع الأطباء من وصفه بل وتم سحبه من الصيدليات كل هذا والناس تموت، وما لبثت حتى انطلقت الأرمادة الإعلامية بحملات مكثفة لضرب مصداقية البروفيسور العنيد الذي صُوِر في أيام على انه البروفيسور المجنون غريب الأطوار، وانطلقت عجلة الإعلام مرة أخرى لشيطنة مكتشف العلاج، وراحت تنبش في تاريخه وفي حياته ومساره الدراسي وأيام شبابه وشكله بشعره الفضي الطويل ولم يسلم حتى الختام في إصبعه من التشريح في اكبر البلاطوهات التلفزيونية، وباتت الصحف الكبرى والقنوات تعنون (ديدييه راولت المنقذ أو المشعوذ) لكن هيهات القطار كان انطلق ومئات الأطباء اقروا فعالية البرتوكول الذي طوره البروفيسور وبدأوا في استخدامه على مرضاهم، وعلى أنفسهم وفي عز الأزمة تمردت بعض المستشفيات في وجه القرار الرسمي وراحوا يخضعون المرضى إلى العلاج. بالموازاة مع هذا بلدان أخرى اعتمدت البروتوكول وباشرت استخدامه غير آبهة بتحفظات باريس … الجزائر، الولاياتالمتحدة، ايطاليا، المغرب والكويت، أعلنت رسميا استخدامها الدواء دون الأخذ بالتوصيات الفرنسية المتناقضة. قضية الكروكولين ونجاعته أصبحت قضية رأي عام حملات تعاطف واسعة على مواقع التواصل مع البروفيسور الذي حظي بشعبية كبيرة على شكل صفحات فيسبوكية قاربت المليون متضامن أحيانا، شخصيات وطنية ساندت البروفيسور وعلاجه .. إحراج الايليزي بلغ ذروته بعد اعتراف دول عديدة نجاعة العلاج فما كان للإيليزي إلا المراوغة والطعن في تجاربه الكلينيكية وبدأت الحكومة بإجراء تجارب على عينات من المصابين في حالات متقدمة وحرجة لتثبت للعالم أن العلاج الموعود ليس كما صوره البروفيسور وأنها لم تسجل أي فعالية للدواء بالإضافة لكثير من الأعراض الجانبية، لكن أصحاب الاختصاص طعنوا في النتائج الرسمية وكشفوا ما أسموه بثغرات وتلاعب في استخدام البروتوكول، لكن لو عدنا لتصريحات البروفيسور وفريقه عن كيفية استخدام العقار فلقد حدد وشدد على ضرورة استخدامه في بداية المرض لا في آخره أي قبل دخول المريض الحالة الحرجة وهنا الاختلاف كله.. تحت ضغط الرأي العام وبعض الهيئات العلمية المستقلة وجدت الحكومة الفرنسية نفسها في مأزق آخر زعزع الثقة المترهلة أصلا بين الحاكم والمحكوم، قضية إصابة بحارين على حاملة الطائرات “شارل دوغول” أتى ليؤكد أن الحكومة الفرنسية كانت تعرف فعالية الكروكولين فبمجرد تأكد إصابة المئات من البحارة على ظهر حاملة الطائرات سارعت فرنسا في استيراد شحنة ضخمة من العقار من الصين، الخبر كشفته جريدة لوبارزيان الفرنسية، فلماذا العقار يصلح على طاقم البارجة الحربية ولا يصلح لعامة الناس ؟! كثرت علامات الاستفهام في زمن الكورونا وزاد إحراج الايليزي .. شعبية الرئيس الفرنسي “ماكرون” تتراجع وشعبية “النابغة المجنون” ارتفعت فما كان من “ماكرون” بعد قضية حاملة الطائرات وكل الجدل المرافق، إلا أن يتنقل إلى مركز الأبحاث الذي يترأسه البروفيسور راوولت في زيارة دامت 3 ساعات قرأت على أنها زيارة تبرئة الذمة. مهما كانت نجاعة الدواء من عدمه فالأكيد أن الأخير أعطى بصيص أمل كاد أن يُقتل في النفس البشرية سواء بسوء نية أو بحسنها.