بقلم : مهماه بوزيان – خبير مستشار في شؤون الطاقة مسلسل الإستهداف الإعلامي بُعيد غلق ملف “توتال الفرنسية”، برزت قضية "ناتورجي إنرجي" الإسبانية، ثم تلتها حكاية “الفيول المغشوش” اللبنانية، لكن هذه الحكاية بدأت سريعا تتكشف عن زيف الروايات التي جرى تعاطيها اعلاميا وتضخيمها !! .. ليبدأ يعلو صوت الحقيقة الناصعة من داخل البيت اللبناني النزيه الصادق مع شعبه وأمته وأشقائه وإخوانه وشركائه .. ففي يوم الجمعة الأخير (29 ماي 2020) كتبت الوكالة اللبنانية المستقلة “اخبار اليوم” كاشفة الحقيقة وبداية نهاية القضية لصالح الشركة الوطنية سوناطراك، لكن في المقابل انطلاق بدايتها بالنسبة للداخل اللبناني، كونها ستتكشف على خفايا لبنانية كبيرة وخطيرة، وقد جاء في بداية مقالها ” بعدما بلغ ملف ما سمي “بالفيول المغشوش” ذروته من الاتهامات والتوقيفات والاخبارات، بدأ يتراجع الى “غير المطابق للمواصفات”… وصولا الى باخرة “مطابقة للمواصفات”… لكن كل هذا لا يعني أن الملف قد انتهى، بل على العكس ما زال في بداياته، حيث المزيد من الخفايا قد تتكشف تباعا” 1. تساؤل جوهري لكن بالنسبة لنا، ينبغي أن نتساءل : “ما هي حقيقة الدوافع الذي تسببت في الايقاع بالأشقاء اللبنانيين في “فضيحة الإساءة” للشركة الوطنية سوناطراك دون مبرر وجيه أو أدنى وجه حق ؟!“
1. فضل “سوناطراك” ينبغي أن لا ينسى .. و لا أن يكون محلّ امتنانٍ منا أو مزايدة من أحد بداية أود استحضار حديثاً عن التسهيلات التي قدمتها الجزائر للأشقاء اللبنانيين، في وقت سابق، بخصوص موضوع “الفيول”، وهنا أورد شهادة الدكتور محمد حسن، السفير فوق العادة للجمهورية اللبنانية لدى الجزائر، في حوار له مع يومية “الحوار الجزائرية” نُشر بتاريخ 14 ديسمبر 2018، حين قال في إجابة له على سؤال “مؤخرا أثير موضوع إشكالية دفع مستحقات شركة سوناطراك الجزائرية لدى لبنان أين وصل الإشكال ؟” : “أعتقد أن أزمة "الفيول أويل" هي الآن محطة من الماضي، جزء من الماضي الذي يحتفظ بالمستوى الراقي للعلاقات اللبنانيةالجزائرية، ففي إطار التمويل الدوري لنا بالفيول من الجانب الجزائري، كان من بين القواعد المعمول بها في هذا الإطار أن تقوم شركة كهرباء لبنان بتسديد مستحقات الممول الجزائري "الشركة الحكومية الجزائرية سوناطراك" قبل مغادرة السفن الحاملة للشحنات للميناء، لكن في هذه المرة، وبسبب تأخر تشكيل الحكومة اللبنانية، ومع عدم إقرار الموازنة المالية، كان هناك إشكال لتوفير المستحقات على مستوى المؤسسة المعنية … حيث أبرزت الجزائر إسنادها المعهود للبنان وقدمت كرمها الغير المشروط دوما، فأعطى رئيس الوزراء الجزائري توجيهاته السامية بأن تفرغ الناقلتين الحاملتين ل "الفيول أويل" الجزائري شحناتهم بالميناء مع إعفاء الجانب اللبناني على التسديد الفوري للمستحقات المالية، وهذا الموقف الجزائري نشيد به، وردّا للجميل الجزائري انعقدت دورة طارئة لمجلس النواب اللبناني وتمّ إقرار الموازنة المطلوبة وإنفاذ تسديد مستحقات الجانب الجزائري بالسرعة اللازمة، لذا يحق لنا أن نعتبر هذه الحادثة وتطوراتها مثالا حيّا راقيا للعلاقات اللبنانيةالجزائرية” 1. هذا ما كتبته الوكالة اللبنانية المستقلة “اخبار اليوم” سأورد هنا ما كتبته الوكالة اللبنانية المستقلة “اخبار اليوم” يوم الجمعة (29 ماي 2020)، هذه الوكالة التي تحمل امتيازا سياسيا، فئة أولى، والتي يتولى ادارتها “بسام ابو زيد “رئيس نادي الصحافة اللبنانية رفقة “عمر الراسي”. ففي مقالة لها تحت عنوان “بعد فضيحة asopos … غرامة مليون دولار هل تتحمل مسؤوليتها القاضية عون ومن يحاسب؟!” مستندة في ما كتبته إلى تصريح أدلى به الإعلامي “مرسال غانم” في مطلع برنامجه “صار الوقت”، وهنا يحق لنا التذكير بأن “مارسيل غانم” بالإضافة إلى أنه مقدّم برامج وإعلامي هو محامٍ كذلك، كما يشتغل كأستاذ في كلية الإعلام بجامعة القديس يوسف، وتذكيري بهذه المواصفات يهدف إلى إدراك قيمة ما قاله “مرسال غانم” كونه أكاديمي ومحامي عارف بالقانون، خصوصا حين يجزم بأن باخرة الفيول “asopos” التي قامت بإحتجازها النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية “غادة عون” هي مطابقة للمواصفات، بما جعل هذه القاضية تلجأ إلى رفع الحجز القضائي عن الباخرة المذكورة يوم الخميس .. وهنا تورد وكالة “أخبار اليوم” تساؤلات “مصدر قانوني” حول من يتحمل تبعات سوء التقدير هذا الذي وقع فيه الجانب اللبناني ومقدار الإساءة التي ألحقها زورا وبهتاناً بالشركة الجزائرية سوناطراك ؟ ومن سيتحمل مسؤولية غرامة التأخير التي يفترض أن تدفعها الدولة اللبنانية إلى سوناطراك، والتي تقدّر بنحو 30 ألف دولار عن كل يوم تأخير توقفت فيه الباخرة قبالة شاطئ كسروان ؟ مع العلم أن الباخرة كان يفترض أن تفرغ حمولتها يوم 2 ماي الجاري، وبالتالي يقدر مبلغ غرامة التأخير الذي تتحمله الحكومة اللبنانية إلى غاية اليوم ما يقرب المليون دولار أميركي. كما تساءلت الوكالة اللبنانية قائلة “ألا يندرج هذا المبلغ أيضا في خانة هدر المال العام، مع العلم أن هذا ملف كان قد فتح تحت عنوان الهدر والسرقة والرشاوى؟! وهل ستتحمل القاضية عون مسؤولية سوء التعاطي مع هذا الملف، إذ كان يفترض أولا أن تتأكد من نتائج المواصفات، قبل أن تتخذ القرار بحجز الباخرة”.
1. رأيي في الموضوع برمته !! من جانبي، حين أتناول الآن هذا الموضوع بالتقييم، أجده يتضمن جوانب مؤسفة، ما كان ينبغي لإخواننا اللبنانيين الإساءة لأنفسهم بها، قبل الإساءة لسمعة الشركة الوطنية سوناطراك .. و لم أكن أرغب، قبل اليوم، بسط الحديث في هذا الموضوع أو الكتابة عنه، وهذا احتراما لمسار التحقيق، رغم امتلاكي لمعطيات موثوقة تؤكد سلامة شحنات “الفيول” الجزائرية ومطابقتها التامة لكامل الشروط المتعاقد حولها. وللأسف البالغ أقول أن المسألة أخذت، عبر وسائل الإعلام، بُعداً وحضورا وتجليّاً كرنفاليا من الإساءة الواضحة للمصالح الجزائرية بلا وجه حق و لا مبرر وجيه يشفع لمن تعاطى مع الموضوع بالجرم المشهود، كون الدنيا مُلئت صخباَ وضجيجا ليتبين للجميع في نهاية المطاف أنهم كانوا “يسمعون جعجعةً و لم يروا طحيناً” ..!! .. أولا، لنتساءل بجد : لما تمّ اقحام اسم “الشركة الأم سوناطراك” في الموضوع و ربط الموضوع ككل بها؟!! .. بينما العقد المبرم هو بين وزارة الطاقة و المياه اللبنانية و فرع سوناطراك “سوناطراك بيتروليوم كوربوراشيان” (” Sonatrach Petroleum Corporation SPC”)، ولا توجد أية علاقة مباشرة بين سوناطراك الشركة الأم و وزارة الطاقة اللبنانية. وهنا نلمس خلطاً و تعمداً، من الجانب اللبناني، في تحديد أطراف التعاقد !! .. فحين يكون الطرف المتعاقد معروفا منذ البداية، فما الداعي إلى الوقوع في هذا الخلط و ما المسوغ له ؟! وما المقصود منه ؟! .. أليس في هذا إساءة واضحة مقصودة ل “سوناطراك” ؟! ثانيا، ينبغي للجميع أن يعلم، بأن الشحنتين الأخيرتين موضع اللغط اللبناني، هي شحنات ما بعد ال (17) شحنة رست ب “الفيول الجزائري” في المرفأ اللبناني منذ بداية هذه السنة ولم تثار حولها أية ملاحظة، إلى غاية شهر أفريل الماضي، حين جرى الحديث في لبنان عن “الفيول” بموصفات قبيحة، كالقول عنه “الفيول المغشوش”، و «نفايات نفطيّة»، و”الفيول المضر”، و”عدم صلاحية الفيول المعتمد للمحركات العكسية”، و بالرغم من عدم صحة كلّ هذه الإدعاءات فقد أعلن فرع سوناطراك “SPC” موافقته على استعادة هذه الشحنة الموصوفة ب”المغشوشة”، كما قام بإجراء فحص تقني “محايد” لهذا الفيول موضع الإحتجاج من طرف الإخوة اللبنانيين، حيث أرسلت عيّنة منه لمؤسسة أمريكية متخصصة، وكانت نتيجة المعاينة والمعايرة تفيد بأن هذا “الفيول” مطابق تماما في مواصفاته لما تمّ التعاقد حوله، لكن للأسف استمرت إدعاءات السادة في لبنان ولم تتوقف عند هذه الشحنة، بل قاموا بتقديم إبلاغ آخر يخص شحنة ثانية رست يوم 2 ماي، كما عمدوا إلى إرسال عينة من الفيول إلى “أبو ظبي” للمعايرة، وهو إجراء لم ينص عليه العقد، كما أنه تصرف مخالف لما احتوت عليه التزامات المتعاقدين، ورغم ذلك لم تشر نتيجة هذا الفحص “في أبو ظبي” إلى وجود “غش” بل جاءت مبيّنه أنه من ضمن العشرة (10) معايير محددة للمواصفات التقنية للفيول الجزائري وجدت إزاحة طفيفة في معيار واحد من بين العشرة، وهو ما لا يجيز البتة وصف الفيول بالمغشوش، لكن مع تمادي الطرف اللبناني في التعاطي لمادة اعلامية مسيئة وظالمة ومضللة، قامت سوناطراك بمطالبة جهة الإدعاء تمكينها من الإطلاع على مضامين هذه الوثائق التي يتحدثون عنها والتي تدين في منطوقهم الطرف الجزائري المتعاقد معهم، لكن دون جدوى، بل بقي التضخيم الإعلامي هو سيد الموقف، لذلك قررت سوناطراك تكليف محاميها للتأسس في القضية، والدفاع عن مصالح الجزائر، مع المطالبة بالتعويضات عن الضرر التجاري. وأنا في تقديري للموقف أعتقد بأن موقف سوناطراك عن طريق فرعها الخارجي سيكون حازما، ومن الممكن أن يصل إلى حدّ فسخ العقد مع وزارة الطاقة و المياه اللبنانية، والتوقف نهائيا عن التعاون مع الطرف اللبناني، بعد كلّ الضرر الذي مسها في هذا الملف وحجم الإساءة التي لحقتها كمؤسسة عالمية رائدة، خاصة بعدما تبين للجميع الآن بأن كامل حيثيات الموضوع هي في خلاصتها صراع لبناني-لبناني بمغذيّات ونكهات خارجية تتربص بالمصالح الجزائرية، لذلك من الأفضل أن نبقى بعيدين عن حيّز التراشق الداخلي ومجال تطاير الشظايا.
1. ويبقى السؤال مطروحاً .. من يقف وراء هذه الهجمة ؟ و ما المقصود منها ؟ .. لعل جزء من الاجابة نستخلصه من طبيعة العلاقة الموجودة بين بعض الأطراف اللبنانية و فرنسا … و بقية القصة ستكون معروفة ..