بقلم : مهماه بوزيان – خبير مستشار في شؤون الطاقة خلال مدة ال 42 يوما الممتدة من 21 أفريل إلى 2 جوان ارتفعت أسعار برميل خام نفط “برنت” القياسي العالمي ب 20,24 دولار، من 19,33 إلى 39,57 دولار، أي بزيادة تجاوزت ال 100%، وهذا ارتفاع قياسي، لم يُخرج فقط سعر برميل النفط من منطقة الحضيض ومخاطر الإنصهار، بل دفع به للإرتفاع بشكل لافت خلال ستة (6) أسابيع متوالية. لكننا حين نمعن النظر على الأقل في المدة المتسلسلة للخمسة (5) أسابيع الأخيرة، سندرك حتماً أهمية دعوة الجزائر، الرئيس الحالي لأوبك، لتقديم موعد لقاء “أوبك +”. فمن خلال تحليل “وتائر” قفزات الأسعار ضمن منحى التزايد الكلي والظاهر، وهذا بدءً من الأسبوع الأول الذي شمل في جزئه الأول مرحلة الترقب لدخول اتفاق خفض الانتاج القياسي، وفي جزئه المتبقي الآخر بداية امتثال المنتجين لمضامين هذا الإتفاق الذي يلزم “اوبك” وشركائها بإجراء خفض قياسي مشترك بحجم 9,7 مليون برميل يوميا طيلة شهري ماي وجوان، ثم ب 7,7 مليون برميل بدءً من شهر جويلية إلى غاية نهاية السنة الحالية، ثم خفضا ب 5,8 مليون برميل يوميا طيلة السنة المقبلة 2021 وصولاً إلى شهر أفريل من سنة 2022. حيث أننا نجد أنه خلال فترة الخمسة (5) أسابيع الأخيرة، بدءً من 28 أفريل وحتى 3 جوان الحالي، قد تشكلت ظاهرة دورية اتسمت بقفزات سعرية، تتخللها مصطبات استقرار قلق، هذه الظاهرةأ عليها اسم “ظاهرة المنصات السعرية” ذات الثمانية (8) أيام، وكانت كالتالي : * قفزة أولى بثمانية (8) دولارات، استغرقت مدة ثمانية (8) أيام، من 28 أفريل إلى غاية 5 ماي، * تلاها “استقرار قلق” في أسعار برميل خام البرنت، حيث كانت قيمته تتأرجح ضمن نطاق ال (29 – 30 دولار) لمدة ثمانية (8) أيام، من 6 ماي إلى غاية 13 ماي، * ثم قفزة ثانية ب 5,3 دولار، استغرقت مدة ثمانية (8) أيام أخرى، امتدت من 14 ماي إلى 21 ماي، * ثم عاودت أسعار برميل خام ال “برنت” الخضوع لوضعية ما يشبه الاستقرار، حيث بقيت قيمته تتأرجح ضمن نطاق ال (35,5 – 36,5 دولار) لمدة سبعة (7) أيام، من 22 ماي إلى غاية 28 ماي، * ثم معاودة القفز، في قفزة ثالثة، ليسجل سعر برميل خام ال “برنت” في يوم 29 ماي قيمة 37,84 دولار، ليستمر صعودا ليلامس سقف ال 40 دولار للبرميل يوم 2 جوان.
الملاحظة الأولى المستخلصة من هذه القفزات المتوالية، أنها كانت تأخذ مدى ثمانية (8) أيام أثناء كل قفزة، تتخللها فترة استرجاع أنفاس للبرميل لمدة ثمانية (8) أو سبعة (7) أيام، وبهذه الوتيرة ستكون نهاية مرحلة القفزة الثالثة عند تاريخ 5 جوان، كما أن تسارع وتائرها هي في حالة تباطؤ (من 8 دولار، ثم 5,3 دولار، وهي حاليا عند مستوى 2,2 دولار)، فهي تتناقص في قفزاتها بقيمة هي في حدود 2,7 دولار. وتيرة تباطؤ قفزاتها هذه بشكل متسلسل ينبئ بإمكانية وصولها إلى قيمة صفرية بعد تاريخ 12 جوان، لكن التخوف يكمن في انعكاس اتجاه حركة سعر برميل النفط، لتعود الأسعار رحلة التراجع بعد هنيهة الاستقرار الهش الممكنة في غضون النصف الثاني من هذا الشهر، خاصة وأن فترات الإستقرار “استرجاع الأنفاس” لسعر برميل النفط المسجلة بين كلّ قفزتين متتاليتين تميزت بإنعكاس ذرة الإهتزاز، حيث كانت ذروة الإهتزاز موجبة في المرحلة الأولى وصلت 31 دولارا، بينما كانت هذه الذروة سالبة هبطت تحت 35,5 دولار، وهذا ما يدعم تخوفنا من تولد رحلة قفزات هبوطية من جديد إذا لم تسارع أسرة “أوبك +” إلى أخذ زمام المبادرة سريعا لدعم الوتائر الإيجابية وتعزيز مسارها من خلال التوافق على تمديد العمل بالآلية القائمة للتخفيض بمستواها الحالي إلى ما بعد نهاية هذا الشهر ومواصلة العمل بها على الأقل لشهرين (2) أو ثلاثة (3) أشهر قادمة، تشمل جويلية وأوت وربما حتى شهر سبتمبر، حيث يمكن حقيقة استهداف أسعار لبرميل خام النفط فوق ال 50 دولار سريعا. أعتقد، انطلاقا من العناصر التي يمكن استخلاصها من هذا التحليل لمسار برميل النفط، خلال هذه الفترة الأولى لدخول اتفاق خفض الانتاج القياسي لمرحلة تنفيذه واحترام بنوده، رغم أن التقييمات تشير إلى أن مستوى الإلتزام غير كامل، بل هو في حدود 75%، حيث أن نيجيريا والعراق لم يمتثلا بشكل كامل لإلتزامات خفض الإنتاج، وهنا ينبغي لأسرة أوبك أن تكون حاسمة وحازمة، حيث أنه في وضع استثنائي معقد كهذا بسبب تداعيات جائحة كورونا، لا يمكن اعفاء أحد، ولا السماح بترجي تقديم معاملات تفضيلية لأحد، حقيقة يمكن تفهم أوضاع ليبيا حيث توجد الدولة نفسها في حالة تهديد خطير في وجودها ذاته، كما يمكن تفهم الوضع الإيراني والفنزويلي نتيجة للعقوبات الجائرة الأحادية الجانب الواقعة عليها من قبل الإدارة الأميركية، لكن كلّ هذه الأوضاع تبقى خارج إرادة ونطاق تدخل أوبك وشركائها، لكن ما يعني أوبك هو الإمتثال للحصص ولمستويات الانتاج المتوافق عليها والمتفق حولها. لذلك نجد بأن دعوة الجزائر لتقديم موعد عقد اجتماع “أوبك +” إلى الرابع من هذا الشهر هي دعوة تستند إلى قراءة دقيقة واعية ومدركة للمخاطر التي قد تعصف بالمكاسب المحققة لحدّ اللحظة بالنسبة لسعر برميل النفط، وللعمل المنجز الذي يستهدف الإقتراب قدر الإمكان من “موازنة سوق خامات النفط”، كما أنها تأتي تنفيذا للتوصيات الداعية لعقد لقاءات دورية لتقييم حالة السوق بصفة مستمرة بل ومتى اقتضت الضرورة ذلك. لذلك نجد بأن دعوة الجزائر هذه لم تلق اعتراضا من روسيا من حيث التوقيت الذي اقترحته الجزائر، كما أن الجزائر لا تعترض على طرح الأعضاء الداعي إلى تمديد العمل بالمستوى الحالي للتخفيضات إلى نهاية السنة.