للعراق مع الدول المجاورة صولات وجولات خاصة في عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين, حيث كانت حرب إيران التي استمرت نحو تسع سنوات واحتلال الكويت وما تبعه من حرب الخليج بالإضافة إلي المناوشات التي كانت تحدث من آن إلى آخر مع العديد من الدول المجاورة. ولاشك أن الحكومة العراقية الجديدة كان على رأس أهدافها إصلاح تلك التوترات وبالفعل حققت أشواطا لابأس بها إلا ان تلك العلاقات لاتزال في بعض منها تحتاج إلى إعادة صياغة على نحو جديد يلبي مصالح الجميع. والحقيقة أن ما حدث في العراق من زلزال كبير في20 مارس عام2003 وما تبعه من أحداث عنف دامية, تأثرت به بشدة الدول المجاورة للعراق. فقد استيقظت إيران بين ليلة وضحاها وعلى حدودها نحو ثلاثمائة ألف جندي أمريكي بشكل أصبحت فيه محاطة بالآلة العسكرية الأمريكية من عدة جهات. أما دول الخليج فأفاقت أيضا على حديث عن تحول ديمقراطي في بلد مجاور وأحاديث كثيرة عن أغلبية مهمشة. ووجدت سوريا بين ليلة وضحاها أصواتا تلعن حزب البعث. وتركيا وجدت الأكراد يعلنون حكما ذاتيا مميزا في الشمال العراقي القريب منها, الأمر الذي أثار مخاوف شديدة لدى أنقرة من أن تنتقل تلك العدوي إلى الأكراد في تركيا أيضا خاصة أن نزعات حزب العمال الكردستاني المحظور كثيرا ما أثارت اضطرابات في الأراضي التركية. ويمكن تقسيم الجوار العراقي إلي جوار عربي وآخر غير عربي. ولو أخذنا الجوار غير العربي مثل تركيا وإيران فسنجد أن العلاقات العراقية مع تلك الدول على مدى العقود الخمسة الماضية كثيرا ما شابها التوتر الذي وصل في بعض الأحيان إلى حد الصدام والحرب كما حدث في الحرب العراقية الإيرانية. والحقيقة أنه بعد احتلال العراق اقتنصت إيران فرصة الوجود الأمريكي هناك واستثمرت مصدر التهديد أيما استثمار. وقدمت السياسة الأمريكية بتخبطها في العراق للنفوذ الإيراني طبقا من ذهب. فقد تغلغل النفوذ الإيراني في مراكز القرار العراقي العسكري والحكومة من خلال الحركات والمنظمات والميليشيات القادمة من إيران, بل أصبح السفير الإيراني في العراق ثاني أهم سفير لدى العراق بعد السفير الأمريكي وأصبح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ثالث رئيس دولة في العالم يزور العراق, وبالطبع كان لذلك آثاره السيئة على الساحة العراقية وانعدام الاستقرار. ومن خلال ذلك النفوذ الإيراني الواضح على الساحة العراقية تمكنت إيران من كسب مزيد من الوقت لبناء ترسانتها النووية وهي المشكلة التي مازالت تؤرق العالم بأكمله. وفي هذا الصدد فلابد أن نشير إلى العلاقات الإيرانية العراقية على الرغم من التحسن الذي شهدته بعد ذهاب صدام حسين إلا أنها مازالت تحتاج إلي مزيد من الإصلاحات حتي يتأتي وقف التغلغل الإيراني في الداخل العراقي, وبالتالي بناء علاقات تقوم على المصالح المتبادلة. أما بالنسبة إلى تركيا فهي تنظر بحذر وريبة شديدين إزاء تعاظم استقلال الأكراد في العراق وما يمثله ذلك من تهديد مباشر لمستقبل تركيا الموحدة. فعدد الأكراد في تركيا يتجاوز عشرين مليونا, وبناء علي ذلك فإنها لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه النزعة الانفصالية للأكراد في العراق والذي لا يبلغ تعدادهم فيه أكثر من3.5 مليون. وهو ما حدث بالفعل حيث هاجمت تركيا الشمال العراقي لأكثر من مرة لملاحقة متمردي حزب العمال الكردستاني الفارين هناك. وبالطبع كان لهذا آثاره السلبية على العلاقات التركية العراقية. وهذا الملف مازال من الملفات الشائكة بين البلدين وإن كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من أوائل الزعماء الذين زاروا العراق. وكذلك تحظى كركوك بأهمية استثنائية لدي الأتراك وذلك لأنها ذات أغلبية تركمانية. وتخشى تركيا من ضمها لإقليم كردستان العراق لأن ذلك يقوي أكراد العراق اقتصاديا نظرا لأن المنطقة غنية بالبترول, وتقوية الاقتصاد في المنطقة الكردية العراقية يقوي نزعة الانفصال وهو ما ترفضه تركيا حيث تمثل كركوك عصب الطاقة بالنسبة للمنطقة الشمالية ففيها12% من خزين العراق البترولي. وبالنسبة للدول العربية المجاورة فبغض النظر عما شاب العلاقات العراقية مع كثير من الدول العربية المجاورة له خلال فترة حكم صدام حسين حيث كانت علاقاته علي سبيل المثال مقطوعة بكل من الكويت والسعودية وسوريا. والآن وبعد زوال حكم صدام حسين أصبح علي عاتق الدول المجاورة للعراق مسئولية كبيرة وهي أولا بذل مزيد من الجهد من أجل ضم العراق إلى منظومة العمل العربي, كما يقع علي عاتق تلك الدول ضبط حدودها مع العراق حتي يتأتي منع المتسللين من الدخول إلي الأراضي العراقية لأن ذلك يؤثر علي سلامة وأمن الاراضي العراقية. وصحيح أن تلك الدول حققت خطوات مهمة حتى تحقق تقدما أمنيا ملحوظا هناك إلا أن الحفاظ على قوة الدفع تلك تبقي أولوية لايمكن الاستغناء عنها. إن الجوار العراقي كان ولايزال لايمكن الاستغناء عنه من أجل وحدة واستقرار أرض الرافدين. وعلاقات تلك الدول بالعراق تحتاج دائما لمراجعات وضبط أوضاع حتي يتسني دائما الحفاظ على علاقات صحية تفيد الجميع وتصب في مصلحة منطقتنا العربية التي هي في غنى أن أي شروخ جديدة تصدع بناءنا العربي.