دعا الدكتور الطيب ولد لعروسي مدير مكتبة معهد العالم العربي بباريس إلى إنشاء قناة فضائية بحجم ومستوى قناة الجزيرة، ناطقة باللغة الفرنسية، تتناول المواضيع الراهنة بطريقة موضوعية. ويكشف ولد لعروسي في هذا الحوار أسباب تذبذب المناخ الإسلامي في أوروبا وانتشار ظاهرة الاستغراب في العالم العربي والإسلامي وأمورا أخرى تجدونها في ثنايا هذا الحوار. لماذا ظل الدين الإسلامي يتعرض لحملات مغرضة في المجتمع الأوروبي؟ فيما يخص الحملات المغرضة التي يتعرض لها الإسلام، هي عمليات تتجدد باستمرار بمجرد أن تنطفئ حملة توقد حملة مماثلة، وهذه الحملات في الحقيقة قديمة تفاقمت بعد حرب الخليج الأولى وهي مستمرة حتى اليوم. الإعلام الفرنسي يبحث دائما في خطابات وتفسيرا ت علماء المسلمين ويقوم بتحليلها وشرحها عن طريق انتقاده لنصوص الشريعة الإسلامية كانتقاده قضية الحجاب، مثلا، الذي اصدرت بشانه فرنسا قرارا يقضي بمنعه في المدارس الفرنسية تحت غطاء حجج واهية وغير منطقية والتي أثارت حولها زوبعة في المجتمع الفرنسي الذي يضم أزيد من 6 ملايين مسلم.. أعتقد ان الفرنسيين مستعدون لشن حملات أخرى أشد وأخطر إن لم نفكر نحن المسلمين في استراتيجية محكمة وخلق قاعدة صلبة نحمي وندافع من خلالها عن الإسلام في الغرب. برأيك ما هي الأسباب التي أدت إلى تذبذب المناخ الإسلامي في أوروبا؟ ذلك راجع لغياب الفكر المضاد أي أن العالم الإسلامي والعربي وسياسات الدول العربية تتجاهل هذه الحملات المغرضة التي يشنها الغرب ضد الاسلام فهم لا يكلفون أنفسهم عناء الرد على هذه الحملات، فضلا عن غياب دور المؤسسات أو الهيئات التي لها علاقة بالعالم الإسلامي، ويعود هذا بالدرجة الأولى إلى أن اولئك الذين نصبوا على راس هذه المؤسسات أغلبيتهم أشخاص ليسوا من أهل العلم والاختصاص، ناهيك عن تسبيق معظمهم للمصالح الشخصية مع السياسة الفرنسية. انتشرت مؤخرا ظاهرة جديدة في العالم الإسلامي ألا وهي ظاهرة الاستغراب بدل الاستشراق، إلى أي مدى يمكن أن يؤثر هذا المصطلح الجديد على الدين الإسلامي؟ هذا صحيح، لقد انتقل العالم الإسلامي من حالة الاستشراق إلى حالة الاستغراب، فمن الاستشراق الذي خصص له المفكر العربي الكبير إدوارد سعيد فضاء كاملا في كتابه ''الاستشراق'' الذي صدر العام 1978 حيث حلل فيه هذه الظاهرة بشكل جيد، إلى ظاهرة الاستغراب التي طرحها الأستاذ أحمد الشيخ في كتابه ''الاستغراب والاستعراب''، يتبين لنا ان علم الاستغراب مضاد لعلم الاستشراق، بمعنى إذا كان الاستشراق يعنى بدراسة الحضارات الشرقية، فإن الاستغراب يعنى بدراسة الحضارة الأوروبية أو الغربية بشكل عام. هؤلاء المستغربون الجدد سواء منهم العرب أو غير العرب أو المسلمون، نجدهم يدافعون عن الحملات الصليبية التي عادت بأسلوب جديد وبحلة مغايرة. فالإسلام انحصر يبن فئتين فئة تدّعي بأنها تدافع عن الإسلام وعن قيمه رغم انها ليست من اهل الاختصاص، وفئة تنتمي الى المستغربين الذين ينتقدون الإسلام بشدة.. يحدث ذلك في ظل الفراغ الفكري الذي تعيش في خضمه الأمة العربية الإسلامية التي انزوت في ركن بعيد عن هذا العالم وانشغلت بأمور تافهة تسعى بالدرجة الاولى إلى تحقيق مصالحها الشخصية، إلى جانب غياب دور السياسة والإعلام في الدول العربية والاسلامية، الأمر الذي ساهم في فتح الباب على مصراعيه أمام الإعلام الغربي الذي تجاوز حدوده في قضية الاسلام والمسلمين ووصل به الحد الى العبث والتدنيس بأعظم الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وأمام تجاهل مسؤولينينا تظهر فئة من الشباب العربي المسلم الغيورين على دينهم الذين نددوا بهذا الفعل الإجرامي الذي يمس دينهم السمح، من خلال تلك المظاهرات التي نظمت في مختلف في شوارع الدول العربية والاسلامية... أقول إن هؤلاء الشباب الذين ترعرعوا في بيئة أوروبية هم أكثر وعيا من المسؤولين القائمين على رأس تلك الهيئات الإسلامية. في رأيك أين يكمن الحل؟ في اعتقادي الحل يكمن أولا في إعادة تجديد بعض مسيري المكاتب والمؤسسات الإسلامية التي تنشط بالخارج، أو على الأقل إحاطتهم بأشخاص ذوي كفاءة عالية وخبرة من اهل العلم والاختصاص، قصد توجيههم توجيها صحيحا. ثانيا إنشاء مرصد إسلامي تشرف عليه الأنظمة العربية يهتم بوضع حد للفتن ومواجهة الحملات المغرضة التي يشنها الغرب باستمرار ضد الإسلام. وثالثا إعادة توجيه الصحافة العربية لمواكبة الأحداث والتطورات الحاصلة في كل المجالات على المستوى العالمي وخدمة الدين الإسلامي والدفاع عنه وإنشاء فضائية بمستوى وحجم قناة الجزيرة ناطقة باللغة الفرنسية، تقوم بتحليل الأحداث بكل موضوعية وقناعة وحكمة. ما موقع معهد العلوم العربي من كل هذا؟ معهد العلوم العربي مركز ثقافي جاء ثمرة تعاون بين فرنسا وبين 12 بلدا عربيا في مقدمتها الجزائر، المملكة العربية السعودية، البحرين، جزر القمر، جيبوتي، مصر، الإمارات العربية المتحدة، العراق، الأردن، الكويت، لبنان، ليبيا، المغرب، موريتانيا، عُمان، فلسطين، قطر، الصومال، السودان، سوريا، تونس واليمن، وهو مؤسسة ذات نفع عام تقوم على القانون الفرنسي من مهامه التعريف بالثقافة والحضارة العربية ونشرها في أوروبا. وقد تأسس العام 1987 وهو اليوم يغدو جسرا ثقافيا حقيقيا يمتد من العالم العربي نحو فرنسا، يهدف أساسا إلى تطوير دراسة العالم العربي في فرنسا وتعميق ثقافته وحضارته ولغته، وكذا تشجيع التبادل الثقافي وتنشيط التواصل والتعاون بين فرنسا والعالم العربي، سيما في ميادين العلم والتقنيات. كما يسعى الى تعزيز العلاقات بين فرنسا والعالم العربي وخلق مؤسسات جديدة تنطلق من واقع ملموس تتكون من عدة أقسام منها السينما، المسرح، والمعارض الفنية ويعد القلب النابض بباريس ويحتوي على كتب قيمة في الفكر والحضارة. وهل هناك إقبال على هذا المعهد؟ بالطبع هناك إقبال منقطع النظير من مختلف الجنسيات ومختلف الفئات وحضور مكثف في المعارض والمحاضرات والندوات التي يلقيها أساتذة مختصون في مختلف الفروع. ما هو الحدث الثقافي الذي يحضره المعهد لهذه السنة؟ المعهد بصدد التحضير لمعرض بعنوان ''بونابرت ومصر'' بونابرت الذي دخل دولة مصر غازيا. وجود هذه الشخصية ببلاد مصر كان لها الفضل الكبير حيث نقل إليها التكنولوجيا كالطباعة.. ومثل هذه المعارض تبرز ماضينا المشترك.