بعد سنين طويلة من الانتظار والتطلع لدى العديد من الرياضيات الجزائريات، اللائي صنعن ربيع الرياضة في بلادنا، سواء في البطولات القارية، أو العالمية أو حتى الأولمبية، من أجل التواجد على رأس أعلى الهيئات الرياضية الوطنية، بدأت الأمور تسير نحو تحقق ذلك، فبعد تعيين البطلة السابقة في الجيدو سليمة سواكري كوزيرة مكلفة برياضيي النخبة، نجحت البطلة السابقة في رياضة الفروسية فهيمة صبيان في الوصول إلى هرم الرئاسة في الاتحادية الجزائرية للفروسية، بعد انتخباها بالأغلبية الساحقة، ما جعل الجميع يتوسم خيرا في مستقبل الرياضة النسوية في بلادنا، وهو ما دفعنا لإجراء هذا الحوار الشيق مع أول رئيسة لاتحاد رياضي في بلادنا، لمعرفة سر هذا النجاح، وما تطلعاتها للمستقبل، وهي التي تشغل عدة مناصب على المستوى القاري كنائب رئيس الاتحاد الإفريقي، بالإضافة إلى حكم دولي لدى الاتحاد الدولي للفروسية. * أولا، مبروك سيدتي انتخابك على رأس الاتحادية الجزائرية للفروسية، كيف تشعرين حيال ذلك؟ أنا سعيدة جدا بهذه الخطوة العظيمة في مشواري، خاصة وأن الجميع منحني الثقة من أجل تسيير الاتحادية في العهدة الأولمبية القادمة، وسأعمل جاهدة على أن أكون عند حسن ظن أعضاء الجمعية العامة بي. * ما شعورك وأنت أول مرأة جزائرية تشرف على اتحادية وطنية؟ في الحقيقة أنا جد فخورة بذلك، خاصة وأنني عملت بجد من اجل الوصول إلى هذا الهدف، لكن ذلك لا ينقص من قيمة المرأة الجزائرية التي تتواجد في مختلف المناصب في بلادنا، رغم أنها لم تمنح الفرصة كاملة من أجل الإشراف على أعلى الهيئات الرياضية، لكنني أظن أن الوقت قد حان، وأرجو أن أكون فاتحة خير عليهن، وأن تكون هناك فرصة للنساء والرجال، سواء من أجل خدمة الرياضة الجزائرية ككل.
* الوصول إلى قمة الهرم لم يأت من عدم طبعا، فقد قدمت مشوارا طويلا من العمل دون شك، كيف تصفين لنا المراحل التي مررت بها؟ بداية، مسيرتي في الفروسية كانت منذ سن الثانية عشرة، أين بأدت في ممارستها كرياضية، ثم نلت شهاداتي في الفروسية من الدرجة الأولى والثانية، وهو ما سمح لي بالدخول في المسابقات الوطنية والدولية، وهو ما زاد من مهاراتي التربوية، وقد نلت العديد من الألقاب، حيث أصبحت أكثر تجربة وخبرة في هذا المجال، وهو ما ساعدني على أن أصبح حكمة دولية على أعلى مستوى، وهو ما سيكون ضمانا لي في إدارتي المحتملة لجميع ملفات الاتحاد الجزائري للفروسية، وأعتقد أنني قادرة على تلبية هده المتطلبات. * لديك خبرة كرياضية، لكن الأمور تختلف في التسيير، هل تعتقدين أن خبرتك في هذا المجال ستكون كافية؟ في الحقيقة مسيرتي في التسيير تمتد منذ 30 سنة تقريبا، فقد شغلت منصب الأمين العام للاتحاد برئاسة المرحوم قاصدي مرباح عام 1990، ثم المرحوم عبد المجيد عوشيش. كما كنت ممثلة الاتحاد الجزائري للفروسية الدولية أثناء إقامتي في فرنسا، حيث عملت أستاذة في أكاديمية "فرساي" لسنوات عديدة، بالإضافة إلى المشاركة في دورات تدريبية لترقيات الفرسان في "سيمور »، وشاركت في العديد من الندوات من قبل خبراء أجانب تمت دعوتهم خلال العشرية السوداء، فقد أعددت برامج تدريبية للجميع في الاتحادي المحلي، وساهمنا في انفتاحه على العالم الخارجي، وهي كلها خبرات ساعدتني على الوصول إلى أعلى الهرم. * هل يمكن اعتبار رحلتك إل فرنسا منعرجا هاما في مسيرتك الرياضية؟ نعم، يمكن قول ذلك، فخلال إقامتي في فرنسا، تمكنت من تفكيك الآليات التي تحكم رياضة الفروسية على المستوى الدولي، وتمكنت من تطبيقها على المستوى الوطني في شكل مشاريع، حيث ساعدتني هذه التجربة في تعلم الكثير من التقنيات الحديثة، والتي حاولت أن أطبقها هنا من أجل نقل الفروسية من رياضة هاوية إلى مصاف رياضات النخبة. * بدايتك الفعلية في التسيير كانت بعد انتخابك في المكتب الفدرالي أليس كذلك؟ هذا صحيح، منذ عام 2004 حتى الآن، تم انتخابي كعضو في المكتب الفيدرالي، وأعتقد أنني قد أوفيت بواجبي دون قيد أو شرط، حيث كنت مسؤولة عن العلاقات الدولية، ورعاية التدريب، ولجنة التحكيم، وآخرها اللجنة الفنية المسؤولة عن ركوب الخيل الحديث. وبفضل خبرتي، أصبحت قادرة على فهم تحديات الإدارة الفنية الجيدة للرياضيين والمدربين والمديرين الفنيين والوظائف المتعلقة بالخيول في جميع المهارات وجميع التخصصات مجتمعة. كما أنني وعلى المستوى الدولي، املك صفة حكم لقفز الحواجز الدولي في الاتحاد الدولي. لقد حكمت وما زلت أحكم في أكبر المسابقات في العالم. * على حسب المعلومات التي بحوزتنا، فأنت تتقلدين مناصب عليا في الاتحاد القاري للفروسية، ما نوعها؟ من خلال مشاركتي في الهيئات الدولية للفروسية، فأنا عضو من المجموعة الأفريقية التي كانت في الأصل من إنشاء الاتحاد الأفريقي للفروسية، وبالتالي أصبحت عضوًا مؤسسًا، حيث تم انتخابي حتى يومنا هذا كنائب للرئيس.
* بالموازاة مع ذلك، فأنت لك حياة خاصة كمربية أيضا، كيف استطعت التوفيق بين كل تلك المهام وحياتك المهنية العادية؟ في الحقيقة كنت أعمل في مجال التعليم برتبة أستاذة لغة إنجليزية في الثانوية، ثم في فرنسا، كأستاذة معتمدة في اللغات، و منذ عام 2003، أعمل أستاذة معتمدة باللغة الإنجليزية في الجزائر بالثانوية الدولية "الكسندر دوماس »، لكنني قد تقاعدت العام الماضى، وبالتالي أنا متوفرة للقيام بهذه المهمة. * كيف تمكنت من إقناع أعضاء الجمعية العامة بالانتخاب عليك، وبالإجماع؟ في الحقيقة لقد قدمت لهم مشروعا كبيرا، ومدروسا من أجل نقل هذه الرياضة نحو العالمية، مع الحفاظ عل الموروث الثقافي الجزائري لهذه الرياضة، وهو ما دفعهم لمنحي الثقة لأكون عل رأس الاتحادية للعهدة القادمة. * بعد وصولك لرئاسة اتحادية الفروسية وتواجد العديد من الرياضات في الواجهة، هل تعتقدين أن المرأة الجزائرية بدأت تجد الاعتراف في الوسط الرياضي؟ في الحقيقة أنا دائما أسعد بتواجد رياضيات جزائريات في الواجهة الرياضية في بلادنا، لكن أعتقد أن المجال بات مفتوحا الآن لتقلد المزيد من الرياضيات لمسؤوليات عليا في الجزائر، خاصة وأننا نمتلك عدة بطلات أولمبيات وعالميات، وهو أمر سيعود بالنفع على الرياضة النسوية بالخصوص، والرياضة الجزائرية بصفة عامة. * هل يمكن أن تطلعينا على أهم النقاط التي يقوم عليها مشروعك في الاتحادية؟ برنامجي كان يتلخص في ثلاث نقاط مهمة، أولها إجراء إصلاحات عميقة على هذه الرياضة في بلادنا، حيث سنعقد اجتماعات وطنية الهدف منها تحديد احتياجات الجمعيات سواء كانت مادية – مالية أو إدارية لتحصل الرابطات والأندية على ملاعب ونواد خاصة، وأيضا مساعدة الأندية لإصلاح ملاعب المنافسة لتوفير كل ما يحتاجه الفارس لرعاية حصانه، أما فيما يخص النشطات سنواصل إتباع البرامج سارية المفعول. * فيما يخص "الفانتازيا" أو الفروسية التقليدية، كيف تنوون الارتقاء بها، في ظل التحديات الجديدة في العالم؟ سنحدد إستراتيجيات من أجل تحديث هذه الرياضة، لكن مع الحفاظ على تقاليد الأجداد. وسنقوم أيضا بتحسين قانون "الفنتازيا »، وسنقوم بعدة تربصات للحكام. وعندما تتحسن الظروف الصحية للبلاد والعالم بأسره، فإننا نخطط لخلق تحد مغاربي ل"الفنتازيا" لخلق البطولات مع مختلف البلدان المغاربية مثلنا. * الفروسية العصرية تبقى من أهم أولوياتكم أليس كذلك؟ أما بالنسبة للفروسية العصرية، أود أن أحقق فيها أهدافا طموحة، بحيث اقترحت مشروعا رياضيا لجميع الرابطات، مع الأخذ بعين الاعتبار مختلف فئات الفرسان والخيول، وإنشاء أصناف أخرى، مع دعم المواهب الشابة، لأنهم يمثلون مستقبل هذه الرياضة في بلادنا. * ما أهم الخطوات التي تقومون بها، من أجل الرفع من المستوى العام لهذه الرياضة؟ سنقوم بإنشاء مركز وطني للتميز في مجمع الحميز المستقبلي، الذي سيجمع بين جميع التدريبات والتجمعات والدورات، بما في ذلك تخصصات ركوب الخيل ومسارات "الفنتازيا" والعديد من التخصصات الأخرى أو غيره. كما سنعمل على إنشاء وتهيئة ما لا يقل عن 3 عيادات بيطرية عبر التراب الوطني، كما سنعمل على تشجيع تربية الخيول، وخاصة تربية الخيل الرياضي التي ستبقى هي الأولوية.
* جميع النشاطات الرياضية عرفت توقفا في فترة جائحة "كورونا »، كيف تخططون لتجاوز هذه المرحلة الصعبة؟ سنعمل على استئناف المنافسات الوطنية والدولية فور زوال خطر جائحة "كورونا »، لأن هذه المنافسات هي ما تمكننا من معرفة المستوى العام للرياضة في بلادنا، كما سنعمل على تحضير عناصر النخبة الوطنية لبطولات إفريقيا لدى الأكابر والأصاغر، وكذا التحضير لألعاب البحر الأبيض المتوسط التي ستحتضنها بلادنا. * الجزائر فازت بالميدالية البرونزية في الألعاب الإفريقية الماضية، ما السر وراء ذلك النجاح، رغم الصعوبات التي واجهتكم في ذلك؟ في الوقت الذي كانت فيه المنافسة متوقفة هنا، عملنا على مساعدة ومراقبة الفرسان الجزائريين المقيمين بالخارج، ومنحهم الاعتبار الذي يستحقونه. وقد طلب منهم المشاركة في الألعاب الإفريقية بالرباط، وسمحت لنا هذه المشاركة بالفوز بالميدالية البرونزية، وهو ما يعد نجاحا لنا، في ظل كل هذه الظروف. * تعتبر رياضة الفروسية من أكثر الرياضات تنافسية في العالم، فهي تعتمد على عنصري الإنسان والحيوان، ما يجعلها صعبة جدا، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع الحصان، كيف تعلمون أنتم على حماية الفرس والفارس معا؟ نحن نعمل وفق القواعد المتبعة في هذه الرياضة، من أجل الالتزام بقواعد السلوك للرفاهية الخاصة الحصان، حيث يجب أن يكون الحصان في المقام الأول، كما يجب أن لا تخضع رفاهية الحصان إلى مؤثرات التنافسية أو التجارية، وذلك بحماية ورعاية الفارس والحصان من مخاطر استخدام المنشطات، لأنه يشكل مخالفة لقواعد السلوك الرياضي، واعتداء على صحة الحصان، لذلك علينا حمايته من أي نوع من العنف الجسدي، أو استخدام المنشطات.
* أكيد أن لديك طموحا كبيرا تسعين لتحقيقه في العهدة القادمة، هل لك أن تطلعينا عليه؟ مشروعي الأكثر طموحا هو المزج بين الفروسية التقليدية والحديثة معا، لمنح الهوية الجزائرية للفروسية، فالفارس الذي يمارس القفز على الحواجز لا شيء يمنعه من ممارسة "الفنتازيا" والعكس صحيح، لذلك فإننا نعمل على تكوين فرسان متعددي المواهب، من أجل منح هذه الرياضة هوية خاصة بنا.