أكد الدكتور جورج زكي الحاج أن الصراع القائم اليوم بين اللغات والثقافات والذي حمل اسم صدام الحضارات، بات يشكل النقطة المحورية التي تناقش على طاولة الملتقيات والندوات والمؤتمرات ضمن عدد من أقطار العالم. كما تطرق زكي الحاج في اللقاء ذاته الذي جمعه مع جريدة ''الحوار''، إلى علاقة الشاعر الشعبي بالنخب السياسية ونقاط أخرى نستعرضها في هذا الحوار. يقال إن القصيدة الشعرية أضعفت اللغة العربية الفصحى ما مدى صحة هذا الحكم؟ - في اعتقادي أن الطرح ليس سليما، فالعامية أو اللغة الشعبية - سموها كما شئتم - لا يمكن أن تؤثر سلبا على اللغة العربية الفصحى لسبب بسيط هو أن التاريخ يتسع للجميع. والصراع القائم اليوم بين اللغات وبين الثقافات وصدام الحضارات وهذا الطرح الذي أضحى النقطة المحورية التي تناقش على طاولة الملتقيات والندوات والمؤتمرات في نقاط عديدة من العالم، ليس وليد الساعة بل هو امتداد لما حدث منذ عهد طويل، وعليه لا أجزم أن تؤثر إحداها على الأخرى لأن كليهما يجسد حضارة الموطن الذي ينتمي إليه الشاعر الفصيح والشعبي معا، وكلاهما يعبر عن تراكمات ثقافية تمثل منطقة معينة. وهناك طرح آخر فرضه الراهن المعيش يدعو إلى تحديث اللغة العربية وأنا أدعو إلى ضرورة تحديث اللغة العامية أو الشعبية، شخصيا أكتب باللغتين لم أشعر يوما أن اللغة العامية سرقت مني الفصحى، كما أكتب بالفصحى ولم تعترض علي العامية ولم تعاتبني على أنني استبدلتها باللغة العربية الفصحى. ماذا تقصد بتطوير اللغة العامية وعلى أي مستوى يتم ذلك؟ - الدعوة إلى تطوير اللغة العربية جعلها لغة تستجيب لعلوم العصر بينما يتم تحديث اللغة الشعبية بشكل يصبح شعرا راقيا وينقى من الشوائب العالقة به ومن المفردات المبتذلة، وجعلها لغة صافية دون خدش شاعرية القصيدة، وليس هناك من لغة في العالم صنعت لغة الشعر، بل الشاعر هو الذي يصنع اللغة، وبحسبي أن الشاعر الشعبي الأقدر على تبليغ الرسالة بصورة مباشرة، وله أدواته الخاصة في طريقة إقناع الغير باللغة التي يفقهها جميع الشرائح في سلم المجتمع. وللشاعر الشعبي قاموسه الخاص، عكس الشاعر الفصيح الذي يحمل خطابا نخبويا رسميا، إضافة إلى ذلك فشعراء الزجل أصلهم شعراء فصحى مثل سعيد عقل، خليل جبران، أمين الريحاني، مخائيل نعيمة، يجب أن يخرج العرب من صمامية اللغة الفصحى، صحيح هي لغة مقدسة ولغة القرآن الكريم فهي حقيقة لا يمكن تجاوزها أو إنكارها، لكن بالموازاة يجب ترك مساحة للشاعر ليعبر باللغة التي يراها مناسبة، وتخدم الغرض أو الإطار العام للقصيدة حتى لا نحشر الأصل في القمقم. صدرت لك دواوين شعرية في الزجل والفصيح فأين تجد نفسك بين هذين اللونين؟ - فعلا فقد صدر لي العديد من الدواوين في الشعر الزجلي أو الشعبي، كما يشاع في المغرب العربي وأخرى باللغة الفصحى، القصيدة يا سيدتي تأتيني في لباسها الكامل وهي التي تختار لغتها وموسيقاها وإيقاعها ووزنها وبحرها وجمالياتها ورونقها الخاص، وبالتالي لا أجد نفسي إلا في الاثنتين معا، فريشة الشاعر حيث تخط برسومات على مساحة لوحة الرسام وتعبر على ما يختلج به صدره وعما يدور في مخيلته، كذلك هي القصيدة تدور حالة الشعر في الذهن ولا أختار حينها بأي لغة أكتب بل لغة القصيدة تفرض نفسها علي، وهي التي تقودني وتوجهني نحو اللغة التي تريد أن تتبناها. ما مدى التغيير الذي مس الشعر الشعبي في إطار التغيرات التي طرأت على الواقع الإنساني؟ - الشعر الشعبي له خصوصيته وقيمته، كونه على علاقة مع ذات الشاعر وذات الإنسان، أستطيع أن أنزع عنك لباسك لكني لا أستطيع أن أجردك من حميميتك الداخلية، المحافظة على التراث العربي هو السلاح الوحيد والسد المنيع لحمايتنا من الاضمحلال في زمن العولمة، والقادر على وقف زحف وتوغل العولمة التي استقبلناها داخل بيوتنا، وتبناها أبناؤنا عن طريق شبكة الأنترنت. كيف يمكن تحديد العلاقة التي تربط الأدب الشعبي والنخب السياسية وما طبيعة العلاقة بينهما؟ - علاقة النخب السياسية والشعر الشعبي هي علاقة تضاد، وأهم الانتقادات التي وجهها شعراء الشعر الشعبي على مر العصور للطبقة السياسية كانت باللغة العامية، لأن الشاعر حين كان يكتب باللغة العربية الفصحى، وأغلبهم كانوا شعراء بلاط، يرضي الحاكم ويسانده ويبجله ظالما أو مظلوما، أما الشاعر الزجلي أو العامي الذي حرم عليه تخطي عتبة ديوان وبهو السلطنة أو حتى صور القصر، فكانت تمارس عليه أنواع الذل والهوان من ظلم وسلبت حقوقه، لذلك فعلاقة الشاعر الشعبي والسلطة تطبعها علاقة انتقاد، ففي الطبقة السياسية اللبنانية منهم من كان شاعرا زجليا يتصدرهم الشاعر العامي أيوب ثابت رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق. نحن في لبنان إذا أردنا شتم أو ذم أحد نستشهد بما قاله شعراء العامية، كما أن الشاعر الشعبي يمكن أن يصوب خط الطبقة السياسية. ما هو السبب في رأيك؟ - لأن الطبقة السياسية قليلا ما تقرأ الشعر، لكنها لا تستغني عن سماعها للشعر الشعبي. وهل تملك الكلمة من القوة ما يجعها قادرة على التغيير؟ - لا أبدا نحن نعيش في زمن تعيس اختلطت فيه جميع المفاهيم على مستوى كل دولة عربية من الخليج إلى المحيط، هناك طلاق وتوسعت بؤرة التوتر بين الطبقة السياسية وشعوبها، أقلام تتحرك وتكتب آلاف المقالات، ودواوين شعرية لا يكترث بها، فحتمية التاريخ تقول إن حتمية الكلمات هي التي تتغير . القصيدة الزجلية أو الشعبية لا تعيش إلا داخل حدود جغرافيا بلد كاتبها، ما السبيل لمعالجة هذه الإشكالية؟ - أولا يجب مد جسر تواصل حقيقي بين شعراء الزجل أو الشعبي والفصيح، ويتفاعلوا فيما بينهم عن طريق الملتقيات والندوات والمؤتمرات على مستوى كل قطر عربي، واستضافة شعراء من كل بلد عربي حتى يخلقوا جوا مفعما بالمحبة يكون فرصة مواتية ليطلع الشاعر الخليجي ما تحويه جعبة المغربي وهكذا دواليك، وفي اعتقادي لو استمرت تلك اللقاءات والتجمعات في أحضان بلد عربي معين فستزول الحساسية بين العرب. ما هي أوجه الاختلاف بين شعر الزجل والعامي أو المحكي؟ - لقد توصلنا في لبنان إلى وضع تصنيفات بين الثلاثة أنواع المذكورة، فالشعر الزجلي يختلف عن الشعر الشعبي أو العامي، هذا الأخير يكتبه شعراء وصلوا بالقصيدة العامية إلى أرقى المستويات، أما الزجل يقام له حفلات حيث فريق يتكون من ثمانية شعراء ينقسمون إلى فريقين متساويين من حيث العدد، يبدأون في المساجلة في جلسة حميمية يقوم شاعر من أحد الفريقين يقول شعرا يتمحور حول موضوع الخير مثلا، ويرد عليه أحدهم الذي ينتمي إلى فريق الخصم بقصيدة شعرية تعكس الأولى كأن يقول في موضوع الشر. لو طلب منك أن تكتب على نفسك شيئا ماذا تقول؟ - هذا السؤال بقدر ما هو سهل إلا أنه يكتنفه بعض الغموض، أولا أنا لا أستطيع أن أكتب إذا قيل لي اكتب، وإذا كان هذا الطلب موجودا فهو يسبق زمن القصيدة بأشهر. وإذا حاولت تصنيف نفسي أعتقد أن الكثير من الأمور أستقبحها فيها، كما أنني راض على حالي، وإذا قدر لي أن أولد من جديد فإنني أريد أن أكون ''أنا'' مع كل المساوئ والقبح اللذين يميزاني. يتبع....