مراقبة الأسلحة: في مستقبل المنطقة اهتم بدراسة هذا البحث الأستاذ ستيفن ل. شبيغل، أستاذ العلم السياسي والمدير المساعد في مركز بيركلي للعلاقات الدولية في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلس أشهر كتاب ألفه هو ''دينميات التكاثر في الشرق الاوسط'' عام 2001 ، ويقول هنا إنه سيسعى في هذا البحث إلى تحليل الاتجاهات الاقليمية في انتشار ومراقبة السلاح في محاولة للتنبؤ بما سيكون عليه حال الشرق الأوسط عام 2015 باعتبار أن المنطقة تغيرت كثيرا. وأيضا التبدلات التي حدثت في الشرق الأوسط مع انتهاء الحرب الباردة كانت في نفس الوقت جيدة وسيئة، فمن جهة وفر انتهاء التنافس الأمريكي السوفييتي على المنطقة فرصة للتحرك نحو اتفاقات عامة للسلام، التي عطلها لوقت طويل تنافس القوى العظمى باستثناء الاتفاق المصري الإسرائيلي، ولاشك أن عمليتي مدريد وأوسلو قد ولدتا جزئيا مع انتهاء الحرب الباردة من جهة أخرى، كما أن القوى الكبرى لم تعد تقيد التعاون في المنطقة، فهي أيضا لم تعد تقيد النزاع مع أن القوى الكبرى كانت تسمح بالكثير من النزاعات وتشجعها أيضا، فإنها لم تكن تسمح لدولة أن تحطم عدوتها (أو نفسها) فكانت تتدخل الوم أ أو الاتحاد السوفياتي لمنع هذه الخطوة النهائية التي تزعزع الاستقرار، ويستطرد أفكاره فيقول: ''لوكانت الحرب الباردة قد استمرت فربما ما كنا لنهتم بانتشار أسلحة الدمار الشامل كما نحن اليوم. وكانت الحكمة التقليدية ترى أن هذين الجانبين (عملية السلام ووضع أسلحة الدمار الشامل) منسجمان إلى حد ما والافتراض هو أنه إذا حدث تقدم في حقل واحد فإن تقدما سوف يحدث في الحقل الآخر، فإذا كانت عملية السلام ناجحة فإن تقدما موازيا سيحدث للحد من خطر الأسلحة الخاصة بالدمار الشامل، وعلى العكس سوف تنتشر هذه الأسلحة إذا انهارت عملية السلام. أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.. لماذا؟ تحت هذا العنوان يطرح الباحث الأستاذ ستيفن ل. شبيغل السؤال التالي: لماذا ترغب الحكومات الشرق أوسطية في التحول إلى أسلحة الدمار الشامل؟ ويجيب على ذلك قائلا إن السبب الأول والأكثر أهمية هو الأمن العادي، ربما تكون هذه الدول فائقة من دول أخرى، ولكن نشاطها بالذات لحيازة أسلحة الدمار الشامل حتى إذا كانت للحماية فإنه يمكن أن يهدد الدولة التي تحاول أن تحمي نفسها منها، الأمر الذي يدفع تلك الدولة للسعي لحيازة تلك الأسلحة أيضا وهي دينمية تعرف بالمأزق الأمني وهناك صعوبة خاصة في الشرق الاوسط هي الميزة الإضافية للمشكلات المتشابكة، التي تميل إلى مضاعفة المأزق الأمني، فإذا باشر بلد ناشطا ضد بلد آخر فإنه بذلك يمكن أن يفتح باب البلايا والمشاكل، فمثلا إذا تحركت إيران استجابة لقلقها الرئيس، أي العراق فإن دول الخليج وإسرائيل ومصر ودول أخرى ستهتم بما تقوم به إيران وكذلك تدابير انتشار من قبل باكستان والهند في أواخر التسعينات، مع أنها كانت موجهة بصورة واضحة ضد بعضها البعض، فإنها أحدثت قلقا في طهران أيضا، وإسرائيل يمكن أن تكون مهتمة بالوضع في لبنان، ولكن طريقة استجابتها له يمكن أن تطرح مشكلات لدول عربية أخرى في المنطقة، وبالتالي هناك الكثير من موازين القوى المتداخلة في الشرق الأوسط الذي يشمل العرب والفرس والإسرائيليين والأتراك ودول الخليج، وبلدان شرقي المتوسط والمغرب، فإنه ليست أسلحة الوقاية فقط هي التي تنتشر بل أيضا المأزق الأمني نفسه. والسبب الثاني الذي يقدمه لنا الباحث في هذه الدراسة هو أن أسلحة الدمار الشامل ولاسيما الاسلحة الكيميائية والبيولوجية أقل كلفة من الترسانة الضخمة للأسلحة التقليدية، وعلى الرغم من ارتفاع أسعار النفط فإن كنز النفط انتهى بالنسبة للكثير من هذه الدول، ولما كانت الدول الشرق أوسطية أقل مالا فإن ما تشتريه من الأسلحة التقليدية قليل، ولهذا السبب فإن أسلحة الدمار الشامل تمثل طريقة أقل كلفة لدعم أمنها، فلا عجب إذاً أن تسمى ''قنبلة الفقراء الذرية'' علاوة على ذلك إن هذه الاسلحة ليست أقل كلفة فقط، بل هي أيضا أسهل إنتاجا وأقل تعقيدا من الناحية التقنية. كذلك تقوم أسلحة الدمار الشامل بالنسبة لكثير من الدول بوظيفة رادعة، وتدرك بعض الدول أهمية هذه الأسلحة في منع الوم أ أو قوة محلية ما من ممارسة سياسة قسرية أو إجراءات أخرى، وهنا يشير الباحث إلى مثال يقول فيه هل كان يمكن الوم أ أن تتصرف بالطريقة التي تصرفت بها في حرب الخليج، أوفي أزمة كوسوفو لو كانت قدرات العراق في أسلحة الدمار الشامل معروفة في حينه، أو لو كانت يوغوسلافيا تملك مثل هذه الأسلحة؟ وبناء على هذا يمكن أن تمثل هذه الأسلحة بالنسبة لبعض الدول وسيلة عملية يمكن توفيرها جزئيا على الأقل حتى في حال عدم توازن القوى أو حتى عند عدم التفكير في استخدامها عمليا. وفي نفس السياق يشير صاحب البحث إلى وجود أسباب عديدة لحيازة أسلحة الدمار الشامل، والتي لا علاقة لها بالأمن فالأسلحة النووية على وجه خاص تعد ومنذ وقت طويل وسيلة موثوقة للخطوة باعتبار وطني بالإضافة إلى وجود دافع مهم لامتلاك قدرة أسلحة الدمار الشامل، وهو طموح العلماء الذين يحاولون إثبات مقدرتهم وحاجة القادة إلى تسجيل نقاط أو صنع وسائل إلهاء في المعارك السياسية. قدرات أسلحة الدمار الشامل عام 2015 استهل الباحث موضوعه تحت هذا الباب بالإشارة إلى أن القدرات والنوايا الإيرانية في مجال أسلحة الدمار الشامل تشكلان موضوعا للجدل الحاد في الوم أ وإسرائيل وأوروبا (للإشارة فإن تاريخ هذه الدراسة يعود إلى سنة 1999) وارتكز النقاش في معظمه على متى تملك إيران قدرة نووية؟ وهنا أجاب الباحث بأن إيران ستملك القدرة النووية من 05 إلى 07 سنوات؟ ولعل القارئ يستطيع أن يقارن بين هذه المعطيات وبين ما فعلته إيران مؤخرا في هذا المجال. بعد إيران يشير الباحث إلى دولة أخرى وهي العراق، حيث يؤكد أنها لم تسمح بعمليات تفتيش اليونيسكوم منذ منتصف عام 1998 وحتى قبل مغادرة مفتشي الأممالمتحدة للعراق عام ,1998 كانت المعلومات التي تمكنوا من جمعها حول أسلحة الدمار الشامل العراقية غير كاملة، وهنا يقول الباحث إن العلماء العراقيين يتمتعون بمعرفة إنتاج الأسلحة الكيميائية والظن السائد هو أن صدام حسين يحتفظ بمجموعة من المواد الكيميائية الإنذارية ومعدات إنتاج وعتاد الملء ومستندات برامج وفقا للأرقام الخاصة بالانتاج العراقي، فإن المعدات المعروفة التي يمتلكها العراق يمكن أن تنتج 350 ل أسبوعيا من الجمرة الخبيثة، إضافة إلى ذلك أشارت وثيقة للقوة الجوية العراقية وجدتها اللجنة الخاصة للأمم المتحدة عام 1998 واستولت عليها بغداد فما بعد إلى أن العراق لم يستنفد من الاسلحة الكيميائية في الحرب الايرانية العراقية بالقدر الذي إدعاه مما يرفع احتمال أن نحو 6000 من عتاد الأسلحة الكيميائية ما تزال متخفية، ولعل القارئ أيضا بإمكانه مقارنة ما قيل في هذا الموضوع وما آل إليه الرئيس العراقي صدام حسين على وجه خاص والعراق وأحواله على وجه عام. في نفس السياق يشير الباحث إلى ليبيا، حيث يرى أنها مؤسسة خطيرة للانتشار ولا سيما في مجال الاسلحة الكيمياوية، فكانت مطلع الثمانينات تنتجح كميات بسيطة من الأسلحة الكيميائية ومع أن مصنعها الرئيس في الربطة لا يعمل بكامل طاقته فإنها أنتجت ما لا يقل عن مائة طن متري من عوامل التنفيط والاعصاب ويأتي القلق حسب الباحث من مواصلة ليبيا بناء مصنع تحت الأرض للاسلحة الكيميائية قرب ترهونة والسرعة التي تجدد بها ليبيا اتصالاتها بمصادر الخبرة وقطع الغيار والمواد الكيميائية الإنذارية في أوروبا الغربية حال رفع عقوبات الاممالمتحدة عنها في عام 1999 ومع أن قدرة ليبيا على توصيل أي سلاح كيميائي تبقى محدودة بصواريخ سكود القديمة بمدى 310 كلم أو 196 ميل فإنها كانت تحاول باستمرار الحصول على التكنولوجية والخبرة المرتبطة بالصواريخ من مصادر أجنبية، وهنا يشير صاحب البحث إلى أنه يمكن أن تكون مراقبة القدرات الليبية أكثر سهولة من مراقبة القدرات العراقية والإراينية، وذلك بسبب موقعها وحجمها وبسبب بعض الأدلة على أنها تسير في اتجاه أكثر اعتدالا إلى حد ما. ومن جهة أخرى يتطرق الباحث إلى إسرائيل، حيث يرى أنها الوحيدة التي تملك أسلحة الدمار الشامل الأكثر تقدما في المنطقة، ويقدر أن لديها صاروخا من طراز أريحا بمدى 640 كلم أو400 ميل، ويجب أن تكون طورت أريحا2 مع زيادة مداه إلى 1440 كلم أي 900 ميل مما يمكنها من الوصول تقريبا إلى كل الوطن العربي، وتعمل إسرائيل على زيادة مدى صواريخ أريحا 2 إلى 2000 كلم وتطوير صواريخ بحرية تطلقها الغواصات مما يعطيها قدرة ثانية مدهشة، ومع ذلك فلا تتوفر معلومات واضحة حول أسلحة كيميائية وبيولوجية، ولكن الخبراء في الوم أ يضعون إسرائيل على قائمة الدول التي تمتلك مخزونات من كلا النوعين. في نفس السياق يشير الباحث إلى أن مصر هي الحالة الشاذة في كل هذه الحسابات أول بلد في الشرق الاوسط يحصل على تدريب الاسلحة الكيميائية ومادتها، وكان أيضا أول من استخدم الاسلحة الكيميائية في الحرب الاهلية في اليمن مطلع الستينات ويسود الظن حسب الدراسة أن مصر تملك مخزونا من غاز الخردل والفسجين وأنها تنتج غاز XV وهي أيضا تتعاون منذ وقت طويل مع كوريا في حقل الصواريخ الباكستانية، وتملك ما يقارب مئة صاروخ من طراز سكود B، ومع هذا فإن مصر لم تكن لاعبا عسكريا في ميدان الاسلحة النووية، لأنها اختارت الوسيلة السياسة لمحاولة التأثير على التوازن النووي في المنطقة، ومنذ عام 1974 ومصر تدعو إلى منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط وحث كل الدول على توقيع معاهدة عدم الانتشار، وفي شهر أفريل 1990 دعت إلى شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل، وفي عام 1996 استضافت التوقيع على إعلان يجعل إفريقيا منطقة خالية من الأسلحة النووية. ما هي العوامل التي يمكن أن تؤثر على الانتشار؟ تحت هذا العنوان أفرد الباحث مجموعة من العوامل التي تعد أكثر احتمالا على انتشار أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط ولخصها فيما يلي: التقدم التقني التحسنات في توجيه الأقمار الصناعية ونماذج الطقس قلة التكاليف الخاصة بالصواريخ البحرية والطائرات دون طيار تحسن نمذجة الحواسب وتقنية المحاكاة تقليص متطلبات الاختبار وتوفر طائرات الضربة وميزات التسلل كل هذه العوامل سوف تساعد على مفاقمة الوضع. ما هو الحال الذي سيكون عليه تفشي انتشار أسلحة الدمار الشامل في الشرق الاوسط؟ يرى الباحث في محاولة منه للإجابة عن هذا السؤال التطورات التقنية تشير القوة إلى أنه سنكون عام 2015 في شرق أوسط مشحون بأسلحة الدمار الشامل حتى مع إنجاز الاتفاقيات حول المسائل المعلقة بين العرب والإسرائيليين فما الحال التي سيكون عليها الشرق الأوسط في ذلك التاريخ؟ يحتج بعض الخبراء السياسيين بأن البلدان التي تمتلك الاسلحة ستصبح أكثر حذرا، ففي حالة الهند وباكستان مثلا احتج بعض المحللين بأن معرفة كل من الدولتين بقدرة الاسلحة النووية لدى الدولة الاخرى حالت دون وقوع الحرب بينهما في أزمة كشمير عام ,1990 وهنا يشير صاحب الدراسة إلى أن التحديات المخيفة التي يطرحها الانتشار في الشرق الاوسط ستكون أيضا أكبر إذا فشلت عملية السلام العربية الإسرائيلية، وتحول اهتمام الاطراف إلى القضايا الاقليمية والعاطفية موضوع النزاع وسيكون أيضا تحدي الانتشار أكبر إذا لم يتم تطوير نظام إقليمي للأمن وإذا لم يتم إحياء العملية متعددة الجوانب لمراقبة الاسلحة والامن الاقليمي المعطلة منذ عام ,1995 وإذا بقيت إيران خارج الاطار الدبلوماسي الاقليمي وإذا بقي العراق منبوذا، وإذا تعطلت الجهود الدولية لمنع حيازة أسلحة الدمار الشامل. هل تتحقق الرقابة على السلاح في المستقبل المنظور للمنطقة؟ وتحت هذا السؤال يطرح الباحث إشكالية متمثلة في هل تكون مراقبة الأسلحة وسيلة للحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الاوسط؟ وكانت التجربة الاكثر أهمية في هذا المجال هي عملية مراقبة الاسلحة والامن الاقليمي المتعدد الجنسيات التي بدأت نتيجة لمؤتمر مدريد عام ,1992 وقد حققت قبل أن تتوقف عام 1995 سلسلة مذهلة من النتائج بما فيها اللقاءات الاقليمية وورشات عمل الخبراء، بما فيها العرب والإسرائيليين وانتهت العملية عام 1995 بخلاف بين مصر وإسرائيل حول كيف ومتى تجرى مناقشة القوة النووية الإسرائيلية. وفي آخر البحث يطرح الاستاذ شبيغل مجموعة من الآليات التي يجب على الوم أ أن تتبعها من أجل أن تجعل المنطقة أكثر أمانا وأقل خضوعا لأسلحة الدمار الشامل عام 2015: 1 - مواصلة المساعي لثني الاطراف عن تطوير أسلحة الدمار الشامل أو حيازتها 2 - تشجيع الإشراف الدولي على الاسلحة ومحاولة تعزيز معاهدة عدم الانتشار واتفاقيات الاسلحة البيولوجية والكيميائية ونظام السيطرة على تكنولوجيا الصواريخ والمساعي الأخرى الدولية الموجهة لاستقرار سباقات التسلح 3 - تقييد حرية الوصول إلى التكنولوجيا وأسلحة الدمار من خلال تصدير الاجهزة والمعدات الأخرى 4 - تطبيق العقوبات والضغط الدولي لمعاقبة المنتهكين وتشجيع الحكومات التي تساعد على وقف تلك السباقات 5 - دعم المبادرات الدبلوماسية كالمبادرات من أجل التسويات السلمية والحوافز الاقتصادية والمساعدة المالية والعسكرية لإقناع البلدان بأن كلفة الانتشار المحتمل تفوق الفوائد المحسوسة المتوفرة التي يمكن أن تجنيها من عدم الانتشار.