مراكش.. التقليد .. هل يحمي الملكية؟ إن الكتاب الذي سنحاول التطرق إليه خلال مساحة ''حوار الإثنين'' يتضمن مجموعة من الدراسات التي قام بها المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية الأمريكي تناولت الشرق الأوسط بواقعه الحالي وآفاق تطوره المستقبلية، عنوان الكتاب ''الشرق الأوسط عام ''5102 من منظور أمريكي من تأليف جوديث. س، يافيه وترجمة أحمد رومو، تمت طباعته عن دار علاء الدين للنشر والتوزيع والترجمة دمشق. ولعل أهمية هذا الكتاب تكمن في جدية الدراسات التي قام بها باحثو هذا المعهد على عدد كبير من الدول العربية منها - الجزائر- المغرب- مصر- فلسطين- إيران - العراق - الخليج العربي- وأخيرا إسرائيل، حيث يقدم لنا رؤية أنفسنا في المرآة الأمريكية، علنا نستطيع تلمس الطريق الذي يحافظ على الحد الأدنى من هويتنا. لهذا ارتأينا أن نتطرق مع القارئ الكريم إلى تجزئة هذا الكتاب إلى حلقات نتناول من خلالها كل دولة على حدى من منظورهم (الأمريكيون) لها مع مناقشة وتحليل ما سبق عرضه خلال نهاية الدراسة. - الحلقة الثانية كذلك بالنسبة للمغرب فقد قام الباحث ''عز الدين العياشي'' أستاذ مساعد للعلوم السياسية في جامعة سانت جون وأستاذ مساعد ملحق في جامعة نيويورك بدراسة مستقبلية لمراكش .2015 حيث يرى الباحث أن المغرب تمر بمرحلة طويلة من التحول السياسي والاقتصادي وهناك حادثان رئيسيان يميزان التغيير السياسي: وصول الملك محمد السادس إلى العرش والسيطرة على الحكومة من قبل ائتلاف إصلاحي معارض لقيادة الحزب الاشتراكي والدافع الرئيسي لمواصلة التغيير الاقتصادي هو برنامج تحرير الاقتصاد. عصر التحول تحت هذا العنوان يطرح الباحث عز الدين العياشي مجموعة أسئلة منها، إلى أي مدى تمثل التغييرات السياسية في مراكش خروجا على السياسات والممارسات الماضية؟ ويقول إن هذا السؤال يقع في قلب الجدل الدائر اليوم في مراكش بالذات، حيث أن وصول الملك محمد السادس وتمكين الحزب الاشتراكي - وهما تطوران مهمان بحد ذاتهما- حدثا بسرعة بعد إدخال إصلاحات مؤسساتية مهمة، حيث يرى بعض المغاربة أن المزيد في الانفتاح في أسلوب حكم محمد السادس على النقيض التام من أسلوب حكم والده الراحل الملك الحسن الثاني، هو مسوغ كاف للتفاؤل نحو المستقبل. يضيف الباحث، أن المحللين يحاولون التنبؤ بمستقبل مراكش تحت حكم محمد السادس، حيث يرى البعض أن الملك الحسن الثاني هو الوحيد القادر على المحافظة على استقرار مراكش، وعلى الصعيد الدولي بقي البلد ضمن تركة عدم الانحياز مع أنه يميل بذكاء نحو المغرب أثناء الحرب الباردة ولعب أيضا دورا هاما وأن يكن حذرا في عملية السلام بين العرب وإسرائيل. ومن الجانب الاقتصادي يرى صاحب الدراسة أن مراكش تعد أول بلد في شمال إفريقيا يشرع في تعديل بنيوي عام 1983 إصلاحا رئيسيا في نظامها الاقتصادي لا سيما من خلال الخصخصة والسياسات المالية الصارمة، ولكن النجاح على المستوى الاقتصادي لم يحقق الظروف الحسنة لمعظم السكان وعلى مدى سنوات تفاقم مشكل البطالة وفقد الكثير من الفقراء سبيله إلى الخدمات العامة نتيجة نقص الموارد المالية. حيث أنه في تقرير 1999 رسمت لجنة الخبراء المغاربة في المركز المغربي للشؤون الاقتصادية صورة قاتمة للوضع الاقتصادي في البلد الذي كان يعتمد إلى حد بعيد على الزراعة التي تأثرت بشكل مباشر بالجفاف. في نفس الإطار يشير الباحث إلى أن عدد سكان مراكش سيتزايد بمعدل سنوي يبلغ 1,98٪ وأكثر من 50 ٪ من السكان دون الثلاثين من العمر وأكثر من 40٪ منهم دون العشرين من العمر وهذه المجموعة العمرية الفتية بين 15-40 التي تشكل الأكثرية بين من أعفاهم النمو الاقتصادي هي التي تم تهميشها بدرجة خطيرة، حيث تشير إحصائيات الباحث إلى أن 20٪ من سكان المغرب يعيشون في حالة فقر ويعيش 10٪ في حالة بؤس مطلق، ويصنف رسميا 30٪ أغلبهم من الفتيان والمسنين في خانة المعرضين للخطر. و56٪ في خانة الأميين و18٪ فقط من النساء يعرفن القراءة والكتابة وتخيم البطالة على 25٪ وفي كل عام هناك 300000 خريج جامعي دون عمل أي 23.5٪ من العاطلين يحملون شهادات ثانوية وجامعية. الاتجاهات قريبة الأجل في هذا الباب يرى الباحث أن الطبيعة الخطيرة للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية، المترافقة بمطالب المؤسسات الدولية والحكومات الغربية تشكل تحديا ضخما من الصعب جدا على البلد أن يواجهه في المستقبل القريب وتتوقف الصعوبة في محدودية الوسائل المؤسساتية والمالية وكذا القيود التي يمكن أن تفرض على الصناعات الحرفية المحلية للدخول إلى منطقة التجارة الحرة للاتحاد الأوروبي وهجرة العمال إلى أوروبا وإلغاء التعريفات. من جانب آخر، يرى صاحب البحث أنه عى الرغم من الأمل الذي بعثه الملك الجديد الشاب والحكومة التي تقودها المعارضة فإن التغيير السياسي الحقيقي خادع في مراكش، فالحكومة تبقى ضعيفة مادام الملك محمد السادس لا يتخلى عن الإشراف على المسائل الخطيرة، كالصحراء الغربية والتعديل البنيوي والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي. الاتجاهات المحلية طويلة الأجل: هنا تطرق الأستاذ عز الدين العياشي إلى بعض التوقعات الاقتصادية استنادا إلى الحالة الاقتصادية في المغرب المتدهورة والتي قال عنها إنها رغم ذلك لا تدعوا إلى اليأس، فالبلد يتمتع بإمكانية الاندماج على نحو أفضل في الاقتصاد العالمي ولا سيما الأوروبي فموقعه الجغرافي لا سيما قربه إلى أوروبا ودوره التاريخي كجسر بين إفريقيا والشرق الأوسط ميزتان مهمتان إضافة إلى أهميته من الناحية السياحية. كما يضيف الباحث أن المغرب كان منذ زمن طويل يتطلع للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ولكن أفضل صفقة أمكن تحقيقها عام 1996 هي الانضمام إلى اتفاقية التجارة الحرة والاستعداد لوضع الاتفاقية عام 2010 حيز التنفيذ. ولأوروبا أيضا مخاوفها الخاصة بها بأن تدخل في اتفاقيات مع المغرب ودول أخرى في المنطقة مصر- الأردن- إسرائيل وموريطانيا وتونس فأزمة اقتصادية أو سياسية في المغرب أو في أي دول شمال إفريقيا يمكن أن تؤدي ليس فقط إلى عدم استقرار محلي ولكن أيضا إلى ارتفاع موجة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا الغربية، ويمكن أيضا أن تصدر تأييدا للجماعات الإرهابية وعنفا إلى الأوساط العربية في أوروبا. من جانب آخر فإن تغييرات سياسية يحتمل أن تحدث مثل أن تشدد جماعات المعارضة من ضغطها خلال السنوات التالية في سبيل تغييرات سياسية ذات مغزى وسوف تعمل الأحزاب العلمانية والدينية المعارضة على حد سواء على استغلال فرصة تولي ملك جديد يعد أكثر انفتاحا على التغيير فتطالب بإصلاحات مؤسساتية وسياسية حقيقية. في نفس السياق يرى الباحث أيضا أنه من الصعب التنبؤ بالدور العسكري مستقبلا فمنذ محاولة الانقلاب عام 1970 وعام 1971 ضد الملك الحسن خضعت القوات المسلحة لرقابة صارمة من قبل الفرقة شبه العسكرية المعروفة بالجندرمة، وإلى رقابة محكمة من طرف الملك على نشاطات القوات المسلحة بأسلوب راسخ يعمق رعاية الضباط الكبار. ويضيف هنا أن مشكلة الجيش هذه يمكن أن تتضاعف بالحل النهائي لمسألة الصحراء الغربية فأي حل سوف يثير مسألة إعادة نقل الكثير من الجنود الذين يقيمون في المنطقة موضوع النزاع، أي العودة إلى المجتمع ما لم يتم تحريكهم مرة أخرى للانتقال من جديد إلى المناطق التي ما تزال تحت السيطرة الإسبانية وهي مناطق السيادة التي تقع على الشاطيء المراكشي، سبتة ومليلة وسواها. اتجاهات السياسة الخارجية طويلة الأجل في هذا الإطار يرى صاحب البحث أن هناك قضايا عديدة تؤثر مباشرة على أمن مراكش وهي قيد الدراسة، ولعل أهم ما تعمل لأجله السياسة الخارجية للمغرب هو تأمين التأييد الدولي لمطالبته بالصحراء الغربية وهي المنطقة التي ضمها بعد انسحاب إسبانيا منها عام ,1974 ويضيف أن مراكش عملت مرارا على تأجيل الاستفتاء الذي اقترحته الأممالمتحدة متذرعة بأسباب تقنية (الاختلاف حول جدول المقترعين الذي يحق لهم ممارسة حق الانتخاب)، ومن المحتمل أن يواصل المراكشيون استخدام هذه الخدعة على أمل أن يسلم المجتمع الدولي بالأمر الواقع. في نفس المجال يذهب الباحث إلى طرح علاقة المغوب بعملية السلام في الشرق الأوسط والتي يرى بشأنها أنها كانت قضية مهمة في نظر الملك الحسن الذي لعب دورا رئيسيا في مساندتها باعتباره رئيسا للجنة القدس في منظمة المؤتمر الإسلامي ولكن الملك الجديد يفتقر إلى نفوذ والده وتأثيره وخبرته ولا يحتمل أن يمارس نفس تأثير والده. من جانب آخر فإن الملك الحسن أسس علاقات مع بعض القادة الإسرائليين. رغم وجود بعض المقاومة الجماهيرية لهذه السياسة والاتصالات مع الجانب الإسرائيلي. أما بخصوص ما يحتمل وجوده في العلاقات المغربية الأمريكية فهنا يرى الباحث أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تعمل باهتمام وفقا لمصالحها ومصالح حلفائها الأوروبيين في المجال الأمني والتواجد العسكري. فمن مصلحة الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا أن تنجح مراكش في إصلاح اقتصادها وأن تحقق معدلا مداوما وسليما رغم أن المصالح الاقتصادية الأمريكية ما تزال بسيطة هناك ولكن الاستثمارات الأمريكية يمكن أن تمنح الولاياتالمتحدة نفوذا سياسيا مضافا. أما بخصوص مستقبل علاقاتها مع أوروبا فهنا رأى الأستاذ عز الدين العياشي أن الأزمة في شمال إفريقيا تسبب قلقا كبيرا للأوروبيين ولا سيما فرنساوإسبانيا، فمن منظور أوروبي يمكن أن تؤدي أي أزمة خطيرة في مراكش إلى عدم استقرار محلي يؤدي بدوره إلى موجة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا والحلفاء داخل منظمة حلف الشمال الأطلسي يخشون هذا الاحتمال، ووصفوا خططا للطوارىء في حالة حدوث مثل هذه الأزمة. وفي نفس السياق تخشى دول المغرب من أن تجد بعض الدول الأوروبية في مثل هذه الحالة عذرا لاستخدام قوات حلف الأطلسي للتدخل في شؤونها رغم أن الولاياتالمتحدةالأمريكيةومراكش وقعتا اتفاقية سرية عام 1960 وعادت خلالها الو.م.أ أن تهب لإنقاذ الملكية في حال تعرضها للخطر مقابل حصول الو.م.أ على تسهيلات عسكرية أثناء الأزمة. من خلال ما سبق استعرضنا بعض الأفكار التي طرحها الباحثون ورؤيتهم المستقبلية لعلاقات الجزائر والمغرب مع العالم ودورهما في الشرق الأوسط القادم عام 2015 وفي الحلقات القادمة سنتطرق إلى نفس المسار بالنسبة لدولة مصر، فلسطين، إيران، العراق، والخليج العربي، وهذه هي العينات التي أجرى البحث عليها المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية الأمريكي.