تحيي اليوم الصحافة الجزائرية يومها العالمي بعد ما يقارب العشرين سنة من دخولها حقل التعددية الإعلامية، الذي مكن القطاع الخاص من ولوج ساحة مهنة المتاعب وإنهاء الاحتكار الذي كان بحوزة الدولة، الأمر الذي جعل الساحة الوطنية تزخر اليوم بالعديد من العناوين الصحفية ، عناوين يرى البعض أنها مكنت الإعلام الجزائري من أن يربح رهان الكم ، غير أن رهان النوع والكيف لا يزال مؤجلا إلى وقت لاحق. تشير الإحصاءات الأخيرة، أن الساحة الإعلامية الجزائر تزخر ب 71 يومية منقسمة بين جهوية ووطنية. وبين مجموعة متخذة من لغة الضاد لسان لها، وأخرى من لغة فولتير أداتها لتبليغ رسائلها، الأمر الذي يجعل جمهور الصحافة المكتوبة في الجزائر منحصرا في المجيدين لهاتين اللغتين فقط ، ما أدى بالبعض إلى القول أن وسائل الإعلام الجزائرية تقصي نسبة معينة من الجمهور، رغم أنه يشكل ما يسميه البعض ب ''الأقلية'' ، ضاربا في ذلك مثالا بالجاليات الأجنبية غير الفرنسية الموجودة في الجزائر كالقادمين من القارة الآسياوية أو الأفارقة وبعض الأوروبيين ، والتي تعتبر اللغة الانجليزية اللغة التي يجيدونها، إلا أن افتقار الصرح الإعلامي الجزائري لعناوين ناطقة بهذه اللغة يجعل هذه الجالية محرومة من حقها في الإعلام، ومن ثم فالصحافة الوطنية محدودة التنوع إذا نظرنا إليها من الجانب اللغوي، ضف إلى هذا فان الصحافة المكتوبة الجزائرية الخاصة لم تنجب إلى اليوم صحيفة ناطقة بالأمازيغية رغم أن المؤسسات العمومية تضمن تقديم رسائل إعلامية بتامازيغت من خلال القناة الإذاعية الثانية والقناة التلفزيونية التي بدأت البث هذا العام . ويرى البعض أن مضامين الصحافة الجزائرية تبقى إلى اليوم سطحية، ولا تغوص في عمق المواضيع التي تتطرق لها، بل تبقى معالجتها للأمور مبنية على مفاهيم ومعطيات عامة ليس من الصعب الحصول عليها، ويرجع هؤلاء هذا الواقع إلى أن هذه المؤسسات قد تخلت في كثير من الأحيان عن الهدف الأساسي الذي أنشئت من اجله وهو تقديم رسائل إعلامية نزيهة وذات مصداقية، إلا أن الواقع يشير إلى أن هذه الغاية تتخلى عنها الصحافة الجزائرية في بعض الأحيان، كون أن هدف المؤسسات الإعلامية قد تحول اليوم إلى تحقيق مزيد من الربح التجاري، ولو كان ذلك على حساب القيم الصحفية المتعارف عليها عالميا، لذلك نجد الكثير من الصحف تبحث فيما تنشره عن الإثارة التي تمكنها من كسب أموال جديدة، وليس البحث عن تحقيق الأهداف البديهية للإعلام المتمثلة في التثقيف والتوجيه والتعليم و الإخبار وغيرها. وبحسب ما يراه عبد العالي رزاقي أستاذ فنيات التحرير بكلية العلوم السياسية والإعلام بالعاصمة، فان هذا الوضع يرجع بالأساس إلى سيطرة أصحاب المال على الحقل الإعلامي، خاصة في ميدان الإشهار، لذلك فهو يدعو إلى أن تبقى الدولة المتحكم الأول في سوق الإشهار وعدم ترك الخواص يسيطرون، نظرا لان الدولة هي المعنية بضمان حرية الإعلام وتمكين المواطن من حقه في الإعلام. ويرى رزاقي أن تحقيق النوعية في الصحافة الجزائرية، مرهون بتحرير المؤسسات الصحفية من هيمنة رأس المال الآتي عن طريق الصفحات الإعلانية، نظرا لأن حرية التعبير تعني حرية وسائل الإعلام، هذه الوسائل التي يعد الإشهار من أولى ركائزها، لذلك فالدولة -حسب الأستاذ ذاته- ملزمة بتوفير المناخ المناسب للصحافة الذي يضمن لها ممارسة الحرية التي أعطيت لها كاملة من خلال جعلها غير تابعة لأي تكتل مالي مهما كان نوعه . وفي السياق ذاته ، حذر عبد العالي رزاقي من سيطرة المؤسسات الخاصة على سوق الإشهار خاصة الأجنبية منها، كون أن هذا الوضع قد يجعل وسائل الإعلام تخدم المصالح الخاصة لهاته المؤسسات الأجنبية وليس مصلحة البلاد والمواطن الجزائري .