الصحافة الجزائرية المستقلة أو الخاصة، مثلما يحلو للبعض تسميتها، أصيبت بداء الزعامة، وهو مرض لا يختلف في أعراضه عن انفصام الشخصية• فبعد 19 سنة من عمر التعددية، وجدت الصحافة المستقلة نفسها تدور في حلقة مفرغة، ربما لأنها لم تلق المكافأة التي كانت تنتظرها من وقوفها إلى جانب السلطة أيام الأزمة الأمنية والسياسية، حتى تخيل بعض رجال الإعلام أنهم صاروا طرفا في اللعبة السياسية وصار لزاما على السلطة أن تحسب معهم ولهم، وأنهم يتحكمون بمصير الحكومات ولم لا بمستقبل الرؤساء وملامح الحكم• لكن سياسة لي الذراع سواء من طرف السلطة أو من طرف بعض الدخلاء على المهنة لم تعمر طويلا، وأظهرت أجهزة الدولة أنها لا تقل مكرا ومراوغة، فأغرقت الساحة الإعلامية بعشرات العناوين، فكانت النتيجة أن تشتتت المقروئية، وضعفت الساحة الإعلامية وبرزت أسماء وعناوين طفيلية أثرت في مصداقية الصحافة، وصارت المهنة مبتذلة ومهنة من لا مهنة لهم، وصارت الصحف تتسابق على الفضائح بدلا من أن تتسابق على تنوير الرأي العام وانتشرت العدوى إلى أثرياء الأزمة الأمنية، فراحوا يتسابقون على إطلاق العناوين بشراء ذمم بعض رجال الإعلام، معتقدين بأنه السبيل الوحيد للتقرب من دواليب الحكم، فصارت الساحة الإعلامية مزيجا من العناوين اللقيطة، عناوين بدون خط افتتاحي وبدون سياسة واضحة، ولا أقول بدون مشروع اجتماعي أو ثقافي أو حتى مهني، لأن هذا آخر ما يفكر فيه هؤلاء المستثمرون الجدد في قطاع الإعلام• وهذا كان هو أكبر خطر يهدد المهنة أكثر ما يهددها التضييق من قبل أجهزة الدولة• وعليه، فمستقبل حرية الصحافة مرهون بمدى السرعة التي على رجال المهنة الحقيقيين أن يتحركوا بها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من هذا الكسب الذي دفعنا من أجله الكثير.