كثيرة هي المحاولات التي يقوم بها المخرجون الجزائريون للنهوض بالسينما الجزائرية التي كانت لعقد من الزمن رمز السينما العربية والعالمية، خاصة بعد أن نال المخرج الكبير ''محمد لخضر حامينا'' السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي الدولي سنة 1975 عن فيلمه الموسوم ''وقائع سنين الجمر''، ليحطم بذلك رقما قياسيا في تاريخ السينما العربية. يشهد واقع السينما الجزائرية اليوم حالة من الركود بعد إصابتها بمرض عضال لم يتمكن عشاق الفن السابع الجزائري من تشخصيه. فماذا أصاب السينما الجزائرية التي عرفت بروائع ''رجل ونوافذ''، و''سلاما يا ابن العم''، و''العالم الآخر''، و''باب الواب سيتي'' و''عمر ڤتلاتو الرجلة'' لمرزاق علواش، و''رياح الأوراس'' و''العاصفة'' و''وقائع سنين الجمر'' لمحمد لخضر حامينا، و''الأصليون'' لرشيد بوشارب، وغيرها من الأعمال التي سطع نجمها في أريج السينما العالمية، فكيف لهذا التاريخ العريق أن يأفل نجمه بين غياهب الفن السابع، بعدما سجل كل هاته النجاحات والأرقام القياسية؟ السينما الجزائرية.. والمرض الخبيث رغم المحاولات الحثيثة وتأكيد وزارة الثقافة على دعمها للإنتاج السينمائي، إلا أننا مازلنا بعيدين كل البعد عن حجم وثقل وزن أعمال الستينيات والسبعينيات التي ميزت الساحة السينمائية الجزائرية، في وقت أصبحت معظم الإنتاجات السينمائية الجزائرية تتجه نحو الخارج وتستعين بالتمويل الأجنبي في الإنتاج، مما يسقط عنها شرعية الصبغة الوطنية، بغض النظر عن الإساءة المتوخاة من هكذا أعمال وهو ما حدث مؤخرا في فيلم ''قبلة'' للمخرج الجزائري المغترب ''طارق تقية''، على سبيل المثال لا الحصر. على جانب آخر تبرز لهفة المخرجين العرب والأجانب على الارتشاف من كأس رموز التاريخ الجزائري، وهو ما يحدث حاليا مع ''فيلم بومدين.. حكاية أمة'' الذي يستعرض مسيرة الزعيم الراحل ''هواري بومدين''، حيث سعى المخرج المصري الكبير ''محمد فاضل'' إلى اللعب على أوراقه بميزانية مبدئية قدرها 20 مليون يورو، أي ما يعادل 200 مليار سنتيم، من إنتاج شركة ''فوكس آلجيري'' الجزائرية، بمساهمة فرنسية ومصرية، مع احتمال مشاركة المخرجة الجزائرية ''يمينة بشير شويخ'' في إخراج العمل، الذي سيُشرع في تصويره نهاية جوان المقبل. فيلم الأمير .. وغياب السيناريو وفي نفس السياق دائما، يتوقع أن يقوم مخرج سوري لم يتم الكشف عن اسمه بعد بإخراج فيلم حول الأمير عبد القادر، الذي يتقمص شخصيته الفنان السوري القدير ''أسعد فضة''، الذي جدد استعداده لأحداث هذا الفيلم الذي سيصور قريباً وهو من إنتاج جزائري، وقال فضة «يسعدني أن أجسد شخصية الأمير الجزائري، وكانت هناك مشاورات حول الفيلم عندما كنت مكرماً في مهرجان المسرح المحترف في الجزائر، ولكن توقفت المشاورات بعد ذلك وكانت حفيدته الأميرة بديعة قد تكلمت معي وقالت إنها سعيدة أن أقدم شخصية جدّها، وأهدتني كتاباً عن حياته من تأليفها. وفيما بعد تم تداول فكرة تصوير مسلسل تلفزيوني عن حياة الأمير الجزائري ومن قبل جهة إنتاج سورية على أن أجسد أنا أيضاً شخصيته ''. ولكن لم يحصل شيء على أرض الواقع، حيث مازالت فكرة الفيلم أو المسلسل قائمة، ويمكن أن تنطلق خلال الفترة المقبلة. وعن اللعنة التي تطارد إنجاز فيلم ''الأمير عبد القادر'' تحدث أحمد راشدي في تصريحاته الصحفية، عن مختلف المحاولات السابقة في إسناد إخراج مشروع الفيلم لكل من المخرج محمد لخضر حامينا والمخرج العالمي مصطفى العقاد الذي رفض إخراج العمل، هذا الأخير وبعد اتصال جهات عليا من السلطة في الجزائر، أكد من البحرين ''رفضت الاشتغال على فيلم الامير وقلت كيف تسندون لي مهام إخراج فيلم حول ''الأمير عبد القادر'' وفي الجزائر عدة مخرجين كبار من طراز محمد لخضر حامينا وأحمد راشدي. مع العلم أن مشروع فيلم الأمير سخرت له الدولة ميزانية معتبرة قدرت ب 500 مليار سنتيم، لكن تعثر المشروع لا يرجع إلى الميزانية وإنما سببه غياب سيناريو محبوك، أما الإخراج فبإمكان أي مخرج جزائري تحقيقه.. لعنة الأفلام التاريخية تلاحق مخرجينا من المذنب والمقصر في حق السينما الجزائرية؟ وما نوع هذا المرض الخبيث المتربص بها؟ هل الأمر يعود إلى عدم ثقة وزارة الثقافة بالمخرجين الجزائريين الذين يتهمون المسؤولين بتهميشهم والاستعانة في كل مرة بمخرجين من خارج البلاد البلاد، مع إشراك شركات إنتاج جزائرية لتمويل هذه الأعمال، وهو ما يحدث مع فيلمي ''الأمير عبد القادر'' و''بومدين''؟ أم أن لعنة الأفلام التاريخية لا تزال تلاحق مخرجينا، خاصة بعد أن وجهت بعض الجهات المختصة سلسلة من الانتقادات لفيلم ''مصطفى بن بولعيد'' للمخرج القدير ''أحمد راشدي''، إلى درجة أن البعض ذهب إلى حد اعتبار أن العمل لا يستحق الميزانية التي رصدت له؟ أم أن المخرجين أضحوا في غنى عن الأعمال التاريخية ليقدموها على طبق من ذهب إلى مخرجين من خارج الوطن؟ أسئلة وأخرى تتبادر إلى الذهن في هذا الخصوص وتبقى لحد الساعة دون جواب .