هذا السؤال نسمعه بكثرة عندما نخوض في سيرة الكتاب والمبدعين والفنانين ولكننا نقولها بمعنى آخر.. أكاد أقول معنى مناقضا للفظة مجنون.. كأننا نوحي بها إلى حكمة الكاتب أوالفنان .. مع أن الواقع يؤكد أن ثمة شيء مشترك بينهما.. ثمة خيط رفيع بينهما أحيانا يصبح تحديده أمرا صعبا.. هل يعني ذلك يا ترى أن الكاتب الحقيقي لا بد أن يكون مجنونا ؟وكيف نتأكد من جنونه حتى يحظى بالاعتراف كمبدع.. هل علامات الجنون مثلا نلمحها على حركاته وكلامه ومواقفه أم تستشعرها في كتاباته وأفكاره وخرجاته الابداعية.. أم لا بد ان يظهر الجنون في كلتا الحالتين..؟ كبار الكتاب يقرون بجنون الكاتب المفكر الإيطالي ''فيري'' جمع فيه بين المجرم والفنان.. الفنان في رأيه يقترف الجرائم التي لا يستطيع اقترافها في حياته بواسطة شخوص عمله.. فهو يقتل ويسرق وينهب ويظلم بواسطتهم... كل ما ليس هو كفء له يوكله إلى أبطال روايته.. ولكن ورغم التباس الفصل بين المبدع والمجنون فإن الاختلاف الجوهري بينهما في نظر ارنستو ساباتو مثلا المفتون بالعمى حد إصابته به والمهووس بالأحلام حد وضعه نظرية لها يكمن في كون الكاتب يمكن أن يذهب إلى عالم المجانين ثم يعود، وهذا مالا يستطيعه المجنون الحقيقي.. وذلك يعني أن الأمر بالنسبة للأول زيارة وبالنسبة للثاني حالة.. المرض وحده صفة مشتركة بينهما.. تاريخ الأدب مملوء بجنون العباقرة والمبدعين فكم منهم قاده الاكتئاب والياس حد الانتحار مثل هيمنغوان ومنهم من فقأ عينه أو قطع أذنه مثل فان جوخ... لعل ذلك ما تتطلبه العبقرية ..ربما لا يمكنها أن تزور الإنسان ما لم يخرج عن نفسه ويعلن رفضه وتمرده وغربته عن العالم والأشياء.. ولكن.. وهذا ما يخيف فعلا.. هل لا بد أن يفعل المرء شيئا كهذا ليبرهن أنه مبدع؟ ليثبت أنه عبقري ؟ وهل يا ترى توجد وسيلة إثبات أرحم من ذلك؟