مصطلح يعني أدب المناطق التالية جنوباً للصحراء الكبرى حتى التقاء القارة بالمحيط في أقصى الجنوب. قد نشأ هذا الإجماع من إجماع سابق عند المستفرقين (غير الأفارقة المهتمين بثقافة الإفريقية) أيضا على أن أفريقيا قارة تقسمها الصحراء الكبرى إلى قسمين مختلف كل الاختلاف عن القسم الذي يقع شمالها ويسمونه »أفريقيا العربية الإسلامية « وآخر يقع جنوبها ويسمون »أفريقيا جنوب الصحراء « أو »أفريقيا السوداء « . من الواضح أن هذه القسمة الأخيرة جغرافية طبيعية لا يزيد عمرها على قرن من الزمان ولكنها وضعت في ظل إطار سياسي استعماري واضح الهدف هو تشطير القارة وتدعيم تجزئتها والانفراد بكل شطر على حدة. فلم تقف الصحراء حاجزا للاتصال بين الشمال و الجنوب، إلا في القرن التاسع عشر أي عند بداية الحملة الاستعمارية على إفريقيا. كما أننا لم نجد هاته التسميات تخص القارات الأخرى فهناك الأدب الأوربي و الأمريكي اللاتيني و الأدب الآسيوي .. فلماذا إفريقيا فقط وقع عليها التقسيم؟! أظن أن الغاية لا تخفى على عاقل. يشتمل الأدب الإفريقي على التراث الشفهي والآداب المكتوبة بلغات بعض الشعوب الإفريقية كالسواحيلية و الحوصة و البانتو و النيلو وغيرها من الشعوب التي تعيش في بعض أجزاء القارة السوداء، ولاسيما إلى الجنوب من الصحراء الكبرى. ومع أنه لا يمكن الادعاء بوجود وحدة ثقافية أصيلة بين الشعوب الكثيرة التي تعيش في هذه القارة، إلا أنه لا يمكن أيضاً إنكار الملامح الحضارية المشتركة التي تعم شعوبها، وقد بدأت هذه الملامح تظهر بعد الحرب العالمية الثانية خاصة، إذ أخذت تبرز حالة من الوعي السياسي الذي يدل على الانتماء الحضاري للأفارقة، وذلك من خلال بعض الحركات أو التنظيمات الإفريقية مثل: حركة عموم إفريقيا.. فالتزم الكاتب بالجماعة سواء أكانت قبيلة أو دولة.. وهناك مشكلات عدة تواجه الأدب الإفريقي ومنها اللغة المحلية التي يفكر بها الأديب، و بسبب انتشار الأمية يضطر للكتابة باللغات الأوربية كالشاعر السنيغالي الرئيس ''سنجور'' الذي قال أن الفرنسية هي التي اختارته ولم يخترها، أي أنه كان مجبرا على الكتابة بها. هاته الضرورة فيها بحث عن أكبر عدد من القراء حتى خارج القارة. خصوصا إذا عرفنا أن الأدب الإفريقي في غالبه شفهي فلم يحتج الأفارقة إلى التدوين. و أكبر دليل على ذلك أن ''يان'' جمع قائمة من 4000 عنوان من القرن 16 إلى غاية 1967 م في رقعة جغرافية تحوي 700 لغة منها 41 لغة لها أبجدية و الباقي شفهي. و هذا الرقم قليل حتى على أمة واحدة في عام واحد. هناك مشكلة أخرى تسببت فيها عمليات التبشير و هي مشكلة تقليد الأدب الأوربي مما أدى ب''يان'' إلى أن سماه أدب التلمذة أو أدب المبتدئيين. جعل النماذج الأدبية الإفريقية رديئة. الشعر: أقدم الفنون الإفريقية. و الشعر مجموعة من الأهازيج و الأغاني يؤديها الشاعر بالتمثيل أحينا و قد يلبس قناعا زيادة في الإثارة. تذكر هاته الأشعار البطولات و الملاحم و الحروب و العادات و التقاليد و حتى طلاسم السحر الملقى على الأعداء كما أن الشاعر يرفه عن الجماعة و يعلمها و هو من جهاز الدعاية للحاكم. و بالنظر إلى المدون من الشعر نجد أطول قصيد شعبي هي الملحمة المحمدية باللغة السواحلية، التي تحكي سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في 6280 مقطوعة أي 25120 بيتا، فهي أطول ملحمة إفريقية. و إذا توجهنا إلى غرب نيجيريا نجد ملحمة ''اوزيدي'' بالإيجوية عن بطل قاوم الطغيان و مات في المعارك و خلفه ولده الذي انتقم ورد الحق إلى نصابه، تحكى في 07 أيام بلياليها. و هذه أمثلة عن الشعر الإفريقي: هذه نغمة احتجاجية مشوبة بالإيمان الديني للشاعر س. مقاي1945 - 1875 بلغة الزوسا في مناسبة تكريم. أمير ويلز عند زيارته لجنوب أفريقيا عام 1925 م: أنت يا بريطانيا! يا بريطانيا العظمى! بريطانيا العظمى التي لا تغرب عنها الشمس الساطعة! لقد قهرت المحيطات وأفرغتها أفرغت الأنهار الصغيرة وجففتها وهي الآن تتطلع إلى السماوات المفتوحة. أرسلت لنا الواعظ أرسلت لنا الزجاجة أرسلت لنا الإنجيل وبراميل البراندي أرسلت لنا البنادق ذات الكعوب أرسلت لنا المدفع. أنت يا بريطانيا الراغدة! أيهما يجب أن نحب؟ أرسلت لنا الحقيقة وأنكرت علينا الحقيقة أرسلت لنا الحياة وسلبت منا الحياة أرسلت لنا النور وها نحن نجلس في الظلام نرتجف في عتمة وجهل تحت شمس الظهيرة الساطعة لقد حاول مازيسي كونيني ولد 1930 م المنفي من جنوب أفريقيا منذ عام 1959 م أن يكتب بلغة قومه الزولو بالرغم من أنه يكتب أيضا بالإنجليزية. وأثمرت محاولاته شعراً ونثراً كثيراً فضلا عن ملحمته الشعرية »الإمبراطور تشاكا العظيم «. ومن شعره بالزولوية هذه القصيدة القصيرة بعنوان »نوزيزوى «. وتدور عن خائنة باعت قومها وعملت في شرطة حكومة الأقلية البيضاء: كنت ستصبحين مركز أحلامنا وتهبين الحياة لجميع ما تركناه كنت ستشفين جراحنا وتجبرين العظام التي تكسرت ولكنك خنتنا! اخترت حبيبا من الأعداء ورحت تتباهين به أمامنا مثل خطيئة وجرؤت على معانقة قاتل أبيك وقدت عشائرك إلى المشانق. وهزئت بآلهة أجدادنا. وبحت بأسرارنا بصوت عال أمام الغرباء الصغار سخرت برؤوس شيوخنا المقدسة وألقيت شعرهم الأشيب أمام الأطفال فزمّوا شفاههم التي تحمل الحقائق القديمة وألقت عيونهم الغائرة اللعنة على جسدك. وها هو النهر الجاري سيبتلعك! و من الشعراء الذين كتبوا بالغة أجنبية الشاعر السينغالي الرئيس ليوبولد سيدار سنغور (1906-2001) مؤلف النشيد الوطني السنغالي الأسد الأحمر و هذا نموذج من شعره بعنوان: ليلة ليلاء، و تظهر فيه النزعة الانتفاضية: ها هو الليل صياح و غضب الليل جلاد النائمين المتيقظينو الشهداء الذين يحترقون فوق أسرّة مُثلهم العليا تخنقني رمال المشاكل المتحركة و أهذي بكرم الذهب و سراب القصور المزهرة في الواحات الخضراء ثم، و قد زج بي في سعير القلق أشم رائحة لحمي يحترق كرائحة شواء الغزال أسمع خشخشة رئتيّ أمام هبوب ريح الشرق اللافحة سعيدا أكون، إذا ما حورية الحلول عند انبلاج الفجر ، تسقيني من كأس تعبها اللذيذ بعدما تمسح عن جبيني عرق الكوابيس تهدهدني على إيقاع لمسات هدوء الصباح و نسيمه البحري. المسرح: ثمة اتفاق عام بين مؤرخي المسرح في العالم على أن المسرحية-كنوع أدبي-نشأت في أثمان الدين أو ما يشبه الدين. وبذلك تتساوى نشأة المسرحية في مصر القديمة واليونان مع نشأتها في أفريقيا جنوب الصحراء أو خارج حزام اللغة العربية. فعلى امتداد تلك الرقعة الشاسعة من القارة الأفريقية أدت العبادات والشعائر الدينية-ولا تزال-دوراً بارزاً في تطور الكثير من الفنون ابتداء من الرقص إلي الدراما. ولهذا الغرض الديني الحيوي اتحدت الدراما بالرقص والموسيقى والغناء منذ عصور سحيقة وصارت المحاكاة والتشخيص جزءاً من الحياة اليومية للجماعات والقبائل العديدة لا مجرد نشاط إنساني فطري يبدأ في مرحلة الطفولة. وظل المسرح في تلك المناطق-على مدى القرون-نشاطاً شفوياً ومرتجلاً شأنه في ذلك شأن الأدب الشعبي. ولم يعد وقفاً على الأغراض الدينية أو الشعائرية وإنما تعددت أغراضه واتسعت وصار له مؤلفوه و ممثلوه ورواده وأصبح تقليداً مرعباً بين الجماعة الإفريقية. ومن أمثلة المسرح الأوبرات ألفها أوجونمولا أوبرا »مدمن عرق البلح « التي اقتبسها من رواية توتولا وفي هذه الأوبرا نلتقي المدمن وقد غفا في جلسته. ثم يتغير المشهد فنعرف أن ساقيه مات وأنه لحق به في مدينة الموتى كي يعيده وتبدأ الأوبرا بحفل شراب كرنفالي يقيمه بطلها لانكي لأصدقائه حيث يغني فيه: فلنشرب جميعاً عرق البلح بكل ما أوتينا من قوة! إن عندي عبيداً وآخرين ملزمين بالعمل بغير أجر عندي ست زوجات وثمانية أطفال. عندي مال ودار إن هذا لغرور مني أما عرق البلح عرق البلح عرق البلح عرق البلح فلنشرب عرق البلح بكل ما أوتينا من قوة. ثم يستمر حفل الشراب على هذا النحو ثم يغني لانكي مرة أخرى لعرق البلح حتى ينتهي فيرسل ساقيه ألابا لإحضار المزيد. ولكن ألابا يسقط من فوق نخلة البلح .و يموت وعندئذ يلقى لانكي بنفسه على الأرض و يموت بعد أن يهتف: »لابد من عودة ألابا «. وهنا تبدأ مغامراته العديدة في مدينة الموتى حتى يصل في نهايتها إلى ساقيه. ولكن الساقي لا يستطيع مغادرة المدينة ويكتفي بإهداء سيده بيضة سحرية تحيل الماء إلى عرق البلح. ويعود لانكي سعيداً بالهدية الثمينة. ثم يستيقظ المدمن. ثم ننتبه أن كل ما مر بنا كان حلما. وعندئذ تنتهي الأوبرا-كما بدأت- بالغناء لعرق البلح! وهذه الأوبرا الفلكلورية كما يسمونها هناك الكثير على طرازها. وتقوم فيها الموسيقى والرقص والأغاني بدور مهم وتعالج موضوعات شعبية ابتداء من النقد الاجتماعي إلي السياسة وقصص الإنجيل والمآسي التاريخية وتستخدم لغة اليوروبا ولا تجد من يدونها ويحفظها ولكنها تجد إقبالاً كبيراً من الجمهور وتعرض في المهرجانات المسرحية وتنافس المسلسلات التليفزيونية. الفنون الأدبية الأخرى: أما الفنون الأدبية الأخرى كالرواية و القصة القصيرة و السير و الترجمة فإنها وفدت على أفريقيا من شمال القارة أو من أوربا. خصوصا الرواية فهي تصدير أوربي محض كم يقول الباحث الناقد أ. ر. داثورني: الرواية في أفريقيا هي الشكل الفني الأدبي الوحيد الذي دخل عن طريق الاستعارة الخالصة. و المثير حقا أن المحاولات الأولى لكتابة الرواية كانت باللغات المحلية التي أظهرت مرونة شديدة لاحتواء هذا الوافد الجديد. و كانت تتميز بالتعليمية فحفلت بالمواعظ و الإرشاد الديني و الخلقي. و مع ذلك نجح بعض أصحابها في تقديم روايات ناضجة فنيا. ويعد توماس موفولو 1948 ? 1867 م الذي كتب بلغة السوتو رائد هذه المحاولات وأكثر كتابها أصالة ونضجا. كتب أولى رواياته بعنوان»مسافر الشرق « نشرها مجزئةفي حلقات بإحدى الصحف المحلية وظهرت في كتاب عام 1907 م ثم ترجمت إلى الإنجليزية. وتدور في ليسوتو حول شاب يدعى فيكيزي يضيق بالحياة من حوله فيرتحل شرقا وغربا بحثا عن المعرفة حتى يهتدي إلى نور العقيدة المسيحية. ولا يكف أثناء تجواله عن المناطق بالطبيعة والتساؤل عن أسرار الخليقة والكون من وجهة مسيحية أخلاقية بحتة. أما القصة القصيرة فقد تأخر ظهورها في أوربا أصلا لأنها لم تشجع. و تأخرت في إفريقيا لتأخر ظهور الصحافة. و من أهم الجرائد المشجعة على انتشار القصة: مجلة الوضوح البرتغالية، و مجلة الوجود الإفريقي الباريسية، و مجلة الطبلة في جنوب إفريقيا، و مجلة أورفيوس الأسود النيجيرية، و مجلة الانتقال الأوغندية. و تميزت القصة القصيرة في فتراتها الأولى بإظهار الفقر، و استجلاب الموروث الشعبي، و فيها الكثير من الوعظ و الإرشاد. و الإبداع فيها كان ضعيفا مقارنة بالشعر و الرواية. و من أشهر كتابها: جيل مفاليلي، وجور ديمر.. أما السيرة فقصة حياة يرويها صاحبها أو تُروى عنه. و هي من أعرق الأنواع الأدبية ، نشأت ممتزجة بالتاريخ . و لم تزدهر السيرة في اللغات الإفريقية المحلية إلا ما ندر فهناك إشارات قليلة، منها في اللغة السواحلية سيرة عن تاجر من أصل عربي يدعى ''حامد بن محمد المرجبي'' ولد في زنجبار عام 1820 م اشتغل مع والده بالتجارة و قرنها بالإغارة، حتى استولى على أراضي واسعة في الكونغو جعلها فيما بعد مملكته، تخلى عنها و عاد إلى وطنه عام 1887 م. ثم استقل بشرق الكونغو، و لم يلبث أن ضاق بمملكته فعاد إلى زنجبار و توفي عام 1905 م . و أغلب كتاب السيرة من جنوب إفريقيا ، ربما يعود الأمر إلى أنهم عانوا من التفريق العنصري من البيض. و من أشهر هؤلاء : مفاليلي الذي جعل سيرته الذاتية بعنوان »في الشارع الثاني « وقد صدرت عام 1959م وفيها يروي نشأته في بريتوريا حيث ولد. و هاجر إلى الريف مع أختيه، و عودته إلى المدينة و معاناته مع البيض و كرهه لهم .. مودوبي كتب سيرته بعنوان »كنت متوحشاً « وظهرت عام 1958 م. بلوك موديزيني تحمل سيرته عنوانا طريفا هو» لمني على التاريخ « وقد صدرت عام 1964 م.. أما عن الترجمة فربما هي نشاط قديم قدم القبائل الإفريقية. فلقد احتاج الحكام منذ القديم إلى المترجمين الشفهيين للتعامل مع القبائل الأخرى و الوفود و عقد اتفاقيات السلام و الحرب و التجارة .. و بعد ذلك صارت حاجة ضرورية لوزارات الخارجية و الرئاسة و كذلك لترجمة الآداب إما إلى اللغات المحلية أو إلى اللغات الأخرى.. في نهاية المطاف أنصح من له رغبة في معرفة المزيد أن يرجع إلى كتاب الأدب الإفريقي للدكتور علي شلش و مختارات من الأدب الإفريقي لنفس المؤلف.