عجيب أمرنا .. لا نفرح كما يفرح الناس، ولا نحزن كما يحزنون، ولا نأكل ما يأكلون، كما لا نشرب كما يشربون، ولا نحب كما يحبون ولا نبغض كما يبغضون.. نستسهل الصعب ونستصعب السهل، غلبت علينا الشقوة والدعة والكسل حتى أننا لا نتدين كما يتدين الناس. قبل بضعة أشهر من الآن كانت أيدي الجزائريين على قلوبهم وهم يتابعون التصفيات الأولوية المزدوجة المؤهلة لكأسي أفريقيا والعالم في كرة القدم، وكلنا أمل أن يكون لنا فريق يناهز فريق الصومال أو مدغشقر، التي تفوقت حتى جامعاتهم على جامعاتنا، يتخلله سباب وعتاب للناخب الوطني، الذي ذرف دموع الخوف على أسرته من مكروه قد يصيبهم وخبر أن المدرجات احتلها المبرزون في الزطلة والكاشيات، الذين إذا انتصر من يهوون يخربون وإذا انهزم يخربون .. قلت لم يدم هذا الحال والفريق الوطني لكرة القدم يسير بخطى ثابتة محققا الإنجاز تلو الآخر حتى تحولت الأجنة في بطون الأرحام تفهم في علم الجلد المنفوخ وحساباته السياسية وغير السياسية، واسترجعت على إثر ذلك الأمجاد وتفاءل الجمع برؤى العجائز وهلوسات المجانين الذي وصل بأحدهم ممن تصل تكلسات مخاطهم الأنفي ''الخنونة'' إلى بطونهم يتحدثون عن نهائي كأس العالم في جنوب إفريقيا يكون إحدى منشطيه محاربو الصحراء كما اصطلحت الصحافة على تسميتهم، وفريق آخر قد يكون السامبا. والحال هذه جعلتني أرجع قرابة العقدين من الزمن إلى الوراء بعيد غزو الرئيس العراقي الراحل صدام حسين للكويت، وبوادر حرب الخليج الثانية، وكيف ازدهرت بورصات المجانين ورؤى عجائز المداشر، وأضغاث أحلام شيوخ الريف وابتهالات المصلين في كل مكان، حتى تحولت الجزائر ونواديها من شمالها إلى جنوبها إلى حصة سياسية كبيرة ميزتها حرية التنشيط والفرص المتاحة للتدخل في تحليل الوضع والتنبؤ بمستقبل المنطقة والعالم الذي كان يصنعه قليلو الكلام الذين أعدوا العدة والعتاد، وظننا نحن المحللين الأغبياء الحمقى أن صواريخ العباس والحسين ستحرر الأقصى وتطرد المحتلين من الأراضي العربية، وتعجل بأفول نجم الولاياتالمتحدةالأمريكية لينتهي الأمر بعد سنوات بتراجيديا عيد الأضحى التي يعرفها الكبير والصغير. وكم لمنا في كثير من المرات وضحكنا ملء الأشداق ووسمنا سكان الولاياتالمتحدةالأمريكية بالغباء والحمق، وهم الذين لا يعرفون مواقع كثير من البلدان جغرافيا، فضلا عن اهتماماهم بالقضايا الدولية التي تعتبر عندهم من فضل القول، ومضيعة للوقت، تاركين المجال لأهله، والتحليل لأهله والتخطيط لأهله، بينما من يعش معنا الأيام ذوات العدد سيفاجأ بتعدد مواهبنا في السياسة والاقتصاد والرياضة والعلوم العسكرية والحروب وعلم الغبار و''الكلكير''، والأديان والثقافات بينما حالنا في حال، وواقعنا في وِقاع وَقاع. وما غاضني في الأمر، واستفز مشاعري تلك ''الحرقة'' المبرمجة وغير المبرمجة نحو تدين مغشوش يسعى من ورائه من اختاره منهحا لهم ومسلكا مناصرة الفريق الوطني واستغلال الأشهر الحرم وعلى رأسها شهر رمضان المعظم، وشهور الحج والصلوات والجمع والجماعات للدعاء بالنصر للفريق الوطني لاسيما على نظيره المصري للتأهل إلى مونديال جنوب إفريقيا. وليس عيبا أن نتمنى جميعا التأهل والفوز الرياضي النزيه على المنافس أيا كان، لكن العيب أن تخل الكعبة والمسجد والأراضي المقدسة في حسابات سعدان وشحاتة، ومن يناصرون سعدان وشحاتة، حتى غلب الجميع على أمره يقظة ومناما، عادة وعبادة، ومما استعجبت له تفسير أحد المتدينين أو المتنطعين والمتطاولين بفهم الدين قول الله عز وجل ''إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم'' بأن الآية صريحة في الحديث على كرة القدم، وتثبيت الأقدام لا يكون إلا في التسديد إلى مرمى الخصم، ونسي هذا المتعالم أن يضبط تفسيره بربطه بشوطي المباراة أو بالضربات الترجيحية، رغم محاولته ربط الأمر بما حدث سياسيا في منطقة الشرق الأوسط، ونسي أن المقابلة المقبلة ستكون ضد فريق مصر لكرة القدم لا ضد الشعب المصري أو الدولة المصرية، كما أن تفسيره قد يصلح لو كان الفريق المنافس منتخب الفاتيكان من القسيسين والرهبان والذي لن يصلح لمجاراته والتباري معه غير الدعاة الأدعياء من أمثال هذا المفسر النحرير. سابق. ومن المضحكات المبكيات أيضا، أن يطلب الأهالي والشبان من قاصدي البيت الحرام لأداء فريضة الركن الخامس بالدعاء للفريق الوطني بالفوز والتأهل للمونديال، في استخفاف مقصود أو غير مقصود لا نظير له، ونسي هؤلاء القوم أنه لو كان الأمر كذلك لكان الأولى بالتأهل الفريق السعودي الذي أقصي من قبل نظيره البحريني، رغم أن الكعبة المشرفة والمدينة المنورة موجودتان في السعودية لا في البحرين، ولا أظن أن السعوديين قد بخلوا على فريقهم بالدعاء أو حتى بالطواف والنذر في المشعر الحرام للتأهل إلى جنوب إفريقيا، ولو كان الأمر كذلك لطالبت كل الشعوب بمختلف دياناتها بحقها في الذهاب إلى المشاعر المقدسة من أجل الدعاء لفريقها بالنصر والتأهل، لكنهم كانوا أذكى منا وجعلوا من إله الفوز عند اليونان علامة في ''الكالسيوات'' والأحذية والملابس الداخلية، واتبعوا القواعد والسنن الموصلة لتحقيق المراد بعيدا عن ضجيج قعقعات القاع.