يندفع المصريون بفعل أوضاع لها علاقة بتفكك داخلي، فصل السلطة عن الشعب وبات يهدد التماسك الظاهري، الذي صنعته يد السلطة بقوة الحديد، والبطش من جهة ووضع عامة المصرين، أمام حال من النرجسية، الموحية بالخطر المتربص بهم من جهة أخرى. إن التحالفات التي قامت عليها منطقة الشرق الأوسط، قاربت على التغيّر لصالح قوى الممانعة، الممثلة في التيار الرافض للمخططات الغربية، وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية، ومن يُراجع الاصطفاف الذي ظهر أثناء حرب إسرائيل على لبنان، وحربها على غزة، والدول التي اجتمعت في الدوحة، قبل مؤتمر الكويت، والدول التي اجتمعت، في شرم الشيخ، قبل مؤتمر الكويت، ثم ما تم في المؤتمر والدور الذي قام به الوفد المصري، على رأس قوى الموالاة، بدعم غربي، يفهم السلوك المصري؛ ما قبل واقعة كرة القدم الأخيرة، وذلك ابتداء من شهر ماي الماضي، حيث اتسم هذا السلوك بالعدوانية المبطنة، عبر إعلامه الخاص، والعام وكان كلما دنت الأيام من يوم اللقاء؛ اشتدت هذه العدوانية، ونمت بإطراد ضد الجزائر، وإن لم تُسْفر في بداياتها عما كانت تخفيه من رعب؛ قد يأتي به انهزام الفريق المصري، ويؤدي ذلك إلى اتساع الشرخ؛ داخل المجتمع، الأمر الذي قد ينتج عنه رد فعل على التصلب الممارس على كل القوى المصرية؛ المعارضة لهذا النظام، حتى خُيّل للناس أن المصريين يريدون الفوز بأية وسيلة كانت، وأن هذه العدوانية، والهيجان، عبر مختلف وسائل الإعلام، ما هي إلا مقدمة لغاية؛ أخطر. إن شحن المشجعين قصد رفع المعنويات يُعد مقبولا بين العامة، ومُقدرٌ أثرُهُ بين الرياضيين، لكن عند الراصدين لتطور الأوضاع الجيوسياسية، على مستوى الجزء الشرقي من الكرة الأرضية، يشعر بأمر ما يُدبرُ احتياطا لمرحلة قادمة، أدرك أصحبها أن الدائرة قد تدور عليهم، لاسيما بعد الفشل الذي يعرفه الحلف الأطلسي في أفغانستان، وفشل القيادة الباكستانية، في ضبط الأوضاع داخل البلاد؛ للحد من قوة طالبان، ومن الدعم الذي يأتيها من الباكستانيين عامة، ومن بشتون باكستان خاصة، والفشل المُخخيف في عدم القدرة؛على نزع سلاح المقاومة اللبنانية، والتأثير عليها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بتوكيل مصر للدعاية، وافتعال التآمر عليها من قبل حزب الله، وبعض المصريين الذين كانوا يعملون لصالح المقاومة الفلسطينيةفي قطاع غزة. يُجاور هذا المعطى، معطى آخر، هو فشل عباس محمود في تقديم ما كان مطلوبا منه، إلى القوى صاحبة الفوضى الخلاقة، والشرق الأوسط الجديد تحت إشراف مصريّ، بتوكيل من هذه القوى، وصمود قادة حماس في مساحة غزة على ضيقها؛ قوى الشعور بالخوف لدى الطبقة السياسية، التي تقود مصر حاليا وأعطي الانطباع بتخلي الغرب عنهم، وفتح باب الحوار مع قوى الممانعة، لاسيما بعد الفشل الذي أصاب قوى الغرب، وإسرائيل، ومجموعة الموالاة، في المؤامرة المدبرة ضد إيران قبل، وأثناء، وبعد، الانتخابات التي جرت فيها، وانفجار الوضع في اليمن، وتطاير شظاياه إلى الحدود السعودية، مُهددا هذه ألأخيرة بهز استقرارها وهي حليفة لمصر، الأمر الذي أدخل هذه الأخيرة، نطاق ما يمكن تسميته بالهلوسة خشية اقتراب ساعة الانفجار الداخلي، نتيجة التصدعات الداخلية، وتفكك روابط القوى الاجتماعية، وإدراك الغرب؛ أُفُول دور التأثير المصري في محيطه العربي وأن الحماية التي ظل يُوفرها للنظام، باتت دون جدوى، وهو ما فهمه المصريون أنفسهم، من هنا تأتي الحملة الإعلامية المصرية غير المقنعة لكثير منهم على الجزائر، لتلقيح النظام ضد السقوط، بعد فتور الغرب إزاءه. قال أحد الخبراء الأمريكان: نسمح بالمظاهرات في أي دولة شرق أوسطية إلا مصر لما لنظامها من أهمية جيوسياسية، بالنسبة للغرب في المنطقة. ولكن هذا الغرب يبدو أنه تأكد من تآكل نظام الحكم في مصر ولم يعد يثق في قدرته على البقاء، وأدرك نظام الحكم في مصر أن الغرب ما يلبث إلاّ بُرهة ثم يدعه وشأنه، سواء وجد الغرب؛ من يخلفه أم لم يجد، من هنا كان الشد الإعلامي لعل ذلك يُعيد اللحمة إلى المجتمع المصري، ويؤلف بين مختلف قواهُ من جهة ونظامه السياسي، من جهة ثانبة، وليس بفعل الدافع إلى التوريث؛ كما يشاع لأن التوريث؛حاليا؛ بالنسبة لنظام مصر ليس بالأهمية التي يظنها الناس ولكنه نتيجة الترويج ألإعلامي، والصراع السياسي داخل مصر، وحتى وجود أبناء الرئيس المصري؛ ضمن المحرضين على الجزائر، لا يعدو كونهم (كومبارس) في عملية أكبر من أحجامهم، وفي مسرحية لم يُتقنوا أدوارهم فيها، ولا حفظوا حوارها، بل اختلط حابلهم بنابلهم فراح الكل يزايد حتى وصل الأمر إلى مختلف فئات المجتمع المصري، وخشيه العقلاء منهم على أنفسهم، وإن كان وعي هؤلاء العقلاء قد سلكهم في سقر شراسة الحملة على الجزائر، حماية لأنفسهم، تحت غطاء حماية كرامة مصر، حتى لو اقتضى الأمر حرق مصر؛ في سبيل صيانة النظام، وحمايته مما قد تأتي به الأيام المقبلة، لاسيما وأن تباشير انهيار أصحاب (الشرق الأوسط الجديد)، قد لاحت، وأن تسويات جديدة، قد تكون على حساب المنتهية صلاحيتهم. وها هو الغرب يتوسط بين حماس وإسرائيل، وهاهم الإنجليز يعرضون اللقاء بحزب الله، وهاهم الأمريكان يغازلون الجزائر، وهاهي أوروبا تتحمل صرامة إيران، وإسرائيل تواجه التهديد الغربي بالاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين، وسوريا تنجو من تهمة اغتيال الحريري، وكل هؤلاء قوى ممانعة. في ظل هذا النطاق، تُفهم الحملة المصرية الواسعة ضد كل ما هو جزائري لعل ذلك يُلحم الصدع الداخلي، ويُقارب الشروخ التي اتسعت، ولم يعد بمقدور القائمين على النظام معرفة الساعة إذا أزفت، ما تحدثه من خسائر، وبمن تأتي به. إذا كانت هذه هي الحال هناك، فما هو الجواب هنا؟ إن إنشاء إعلام مرئي متعدد الاختصاصات من قبل الدولة، يخدم الدولة والمجتمع في ظروف كهذه وأخرى لا نعلمها قد تُفاجئنا بها الأيام، كما فاجأتنا من جهة لم تكن في الحسبان. لقد تأخرنا كثيرا دون مسوغ يُقنع الناس وهاهي الأيام تباغتنا على حين غرة؛ فما وجدنا بين أيدينا إلا الصحف المطبوعة والإلكترونية، ولولا هذه ما كان لنا لسانٌ، نُبلغ به الناس رأينا، ونُغيض به خصومنا. لقد بات من الحكمة؛ بناء مقرات جديدة للتلفزيون، واستوديوهات تُجاري الأنماط العالمية الحديثة، وبناء محطات ولائية، بعدد الولايات الحالية، تعمل على التواصل الثقافي، بين أبناء مختلف المناطق، بنقل الموروث من جهة، وإعطاء الفرص للطاقات والمواهب؛ للظهور من جهة ثانية، ثم فتح المزيد من القنوات الرسمية في الرياضة، والشؤون الاجتماعية، وفي الثقافة والتاريخ، وفي الأخبار الدولية، والمحلية، ولما لا قناة تهتم بالشأن العسكري، والثقافة العسكرية؛ عبر العالم، وقناة تهتم بالمرأة وتربية النشء، وقنوات تعليمية؛ تساعد التلاميذ والطلبة بدلا من الدروس خارج المدرسة، كل ذلك هو أحسن جواب على واقعة مصر. إن المباغتة التي أحدثها الإعلام المرئي المصري، لا ينبغي أن تمر دون أن نستفيد منها؛ ونهيئ أنفسنا للمستقبل، يقول المثل: احذر عدوك مرة، واحذر صديقك ألف مرة، ربما انقلب الصديق فكان أعلم بالمضرة، ويُقال: رب ضارة نافعة.