يعد المهرجان الثقافي الإفريقي الثاني الذي عاد إلى احضان الجزائر بعد أربعين عاما اكبر حدث ثقافي قاري عرفته الجزائر في عام 2009 ، حيث كانت التظاهرة بمثابة ترجمة للإرادة السياسية في السير قدما بالقارة ضمن ديناميكية طموحة جعلت من الجزائر ملتقى لألوان القارة السمراء و ثقافاتها .ولعل اختيار الجزائر لاحتضان الطبعة الثانية للباناف ، دليلا كافيا على أن هذا البلد كان، ومازال، رائد الصحوة الإفريقية، والداعم الاكبر والأساسي لكل قضايا التحرر. وهي الرهانات التي رفعتها الطبعة الثانية من المهرجان تحت شعار ''أفريقيا التجديد والنهضة''. لقد سخرت الجزائر إمكانات مادية ومعنوية كبيرة في مستوى الحدث، وهو ما اعتبره الكثيرون فرصة لفك العزلة الثقافية التي عاشتها الجزائر كما الدول الإفريقية الأخرى لأعوام طويلة، وهو ما ترجمه الخروج الجماهيري الكبير للجزائريين خلال الاستعراض الافتتاحي الذي شهد مشاركة حوالي 8 آلاف فنان ممثلين ل 51 دولة إفريقية ضمن الموكب الإفريقي الذي انطلق من أمام حديقة صوفيا وسط العاصمة إلى حي باب الوادي في محاولة ثقافية لتوطيد أواصر الأخوة والصداقة بين هؤلاء المشاركين والتعريف بقيم وتقاليد وحضارة أفريقيا الضاربة في جذور تاريخ البشرية. وقد تميزت التظاهرة بمشاركة شخصيات ثقافية وفنية أفريقية بارزة في الأدب والفنون المرئية والموسيقى والمسرح والسينما والتراث، كما نظمت على هامش التظاهرة عشرات الندوات واللقاءات التي تناولت مواضيع تتعلق كلها بالحقبة الاستعمارية وكفاح الشعوب الإفريقية. ومن ضمن أهم الانجازات التي شهدتها التظاهرة ميلاد شراكة سينمائية بين الجزائر ودولة جنوب إفريقيا، ضمن عملين سينمائيين مشتركين أسند الأول إخراجيا للجزائري لمين مرباح والثاني لسليمان رمضان من الدولة الشريكة. كما تم بالمناسبة بعث مشروع ''4+ 4'' المقترح والمنفذ من قبل السلطات الجزائرية في إطار مبادرتها في دعم السينما الإفريقية. حيث منح البرنامج مبلغ مليار سنتيم للأفلام الطويلة و250 مليون سنتيم للأفلام القصيرة. مشروع أثار امتعاض السينمائيين الجزائريين الذين لم يسمعوا به و لا بالمسابقة مع أنها من اقتراح جزائري. واليوم وبعد مرور عدة أشهر عن الحدث نتساءل: هل تكفي سنّة المهرجانات لبعث العلاقات الثقافية والفنية بين البلدان الإفريقية ؟ في تقديري أن المهرجان الثقافي الإفريقي الأول الذي انعقد بالجزائر كان تعبيرا سياسيا عن انتهاء الكولونيالية الأوروبية في معظم البلدان الافريقية. ومن هنا، فإنه يمكن اعتبار التظاهرة خطوة إيجابية لتصحيح خطأ التمركز الوطني المغلق على مستوى القارة الافريقية والبحث من جديد عن الصيغة الثقافية لتأمين وتأهيل الاتحاد الإفريقي.