أثار وباء أنفلونزا الخنازير حالة استنفار كبرى وسط الأطباء والمؤسسات الاستشفائية ، بل وحتى في قطاعات أخرى على غرار التربية والجامعة والسجون والمساجد ، وما إلى ذلك من الهيئات والهياكل التي وجدت نفسها وسط هذه '' المعمعة '' الوبائية من حيث تدري أو لا تدري . وما سجل في هذا السياق ، أن كلام كثير قيل وإشاعات أكثر ترددت بخصوص هذا المرض واصله وفصله ، حتى أن الشارع الجزائري لم يعد له حديث غير أش1 أن 1 . وشيء جميل أن يهتم الناس بأوضاعهم الصحية وأجمل منه أن يتابعوا كل ما من شأنه أن يمسهم بسوء ، لكن لا يجب أن يكون ذلك مطية لتذكر هذا المرض ونسيان قضايا أخرى تعد هي الأخرى ذات أهمية وربما أكثر من أنفلونزا الخنازير الذي تحول إلى حديث العام والخاص . ما دفعني إلى تسجيل هذه الملاحظة ، أنه إلى غاية أن يحدث العكس ، ما زالت حوادث الطرقات ومرض السرطان يعد في الجزائر السبب رقم واحد في عدد الوفيات ، بحيث يحصد الأول أزيد من 4000 روح سنويا ، وهو ما يعادل زوال سكان مدينة بحجم دائرة من خريطة الجزائر كل 10 سنوات ، أما الثاني فتقول الأرقام المسجلة فقط لدى مصالح وزارة الصحة ، لأن ما خفي أعظم ، أن 30 ألف وفاة بالسرطان تحدث سنويا في الجزائر ، بالرغم من أن الطب تطور كثيرا في هذا المجال بالذات . ما جعلني أحرص على تسجيل هذه الملاحظة الشخصية ، أنه ليس المرض الذي يقتل الناس في الجزائر، وليس نقص وسائل العلاج والاستشفاء هو الذي يزيد من عدد الوفيات ، ولا حتى ضعف فعالية الدواء المستورد الذي تعمل بعض المخابر المصنعة له على الغش فيه ، وإنما الذي جعل الأمور تتفاقم، هو ضعف حملات التحسيس، بل انعدامها، وعدم ايلاء الأهمية للوقاية على أساس أنها أفضل من العلاج ، ومن ثم إلصاق الفشل وتعليقه كل مرة في خانة '' القضاء والقدر '' لعدم كشف وتحديد المسؤوليات . إذا كان البعض ينظر إلى وباء الأنفلونزا على أنه نقمة حلت على العالم ، فان ذلك لا يمنع من أن نعيد على ضوء استخلاص الدروس منه ، تكييف أولويات منظومتنا الصحية، ولكن من دون أن ينسينا مرض جديد أمراضا أخرى موجودة، وهي أشد منه فتكا بحياة الجزائريين .