لاشيء يشير لأدنى مؤشر تغيير في مشهدنا النقدي الأدبي .. مشهد راكد مشلول منذ عقود .. وكأن نقادنا مشغولون بكل شيء ما عدا النقد .. وكأن هناك طمس عمدي وإغفال مبيت للإنتاج الإبداعي وللمبدع نفسه .. ما جعل الساحة الثقافية في حال من اللاتوازن المزري.. حركة إبداعية نشيطة، وكم هائل من الإنتاجات الأدبية ينزل يوميا إلى السوق من جهة.. وصمت نقدي مطبق من جهة أخرى.. ما جعل الساحة الثقافية تنوء بحال من العرج المحزن.. النصوص الأدبية والكتابات الإبداعية من إصدارات روائية وشعرية وقصصية تتهاطل على المشهد الثقافي و''سيدنا النقد'' في غفلة تامة عن هذه الحركية.. زحمة المؤلفات خارج اهتمام النقد كأنه غير معني بما يجري حوله .. والمحير فعلا ، هذا الوجود الشكلي أو هذا الوجود الغائب لجيش من النقاد تغص بهم جامعاتنا ماعاد أحد يعرف صلب مهامهم.. وما عاد أحد من الكتاب اليوم مع الأسف يعوّل عليهم أو ينتظر أي لفتة منهم لما ينتجه.. لأنه أصبح يفكر في الناقد المتخصص بصيغة الفقد والعدم والإهمال المكرس.. مبدعنا اليوم يكتب وهو يعرف أن لا أحدا سوف يحتفي بنصوصه، لا أحد سيعير بالا لإنتاجاته وإبداعاته.. والمقروئية ليست وحدها ما يشغل المبدع ويغرقه في حال من الانتكاس واللاجدوى.. كارثة الإبداع الأولى تتمثل في غياب حركة نقدية تتابع جديد الإصدارات وتسلط الضوء عما يكتب من مؤلفات .. ما تشهده الحركة النقدية في بلدنا ليس مغايرا عما تعرفه الساحة الثقافية العربية عامة .. فالظاهرة شاملة للإبداع العربي، ونظرا لهذا الفقد المستفحل للنقد الأدبي المتخصص أخذ الكثير من الكتاب والمبدعين مهمة النقد على عاتقهم فنجدهم يتولون نقد نصوص بعضهم البعض، وفيهم من يلتزم النزاهة والأمانة الأدبية فتأتي نصوصه النقدية مكتملة الشروط، زاخرة بالأحكام الموضوعية والرؤى الأدبية المستخدمة في تشريح وتقييم النص، حتى أن من الكتاب والمبدعين من تفوق براعتهم النقدية النقاد المتخصصين الواقعين في الغالب تحت سطوة المصطلحات الأكاديمية الرنانة والنظريات الطنانة التي تحوم حول النص دون التمكن من اختراقه واستنطاقه من أجل استجلاء قيمته الإبداعية، وإبراز مستواه الفني الإضافي، ولا يخلو المشهد الثقافي ممن يتخذ من الكتابة عن كاتبا ما أو نصا ما وسيلة لتبادل المجاملات وطريقة لإبداء المحاباة وإن على حساب الأمانة النقدية بالتالي تفرغ المهمة من معناها.. نحن الآن أمام جيش من الكتاب والمبدعين وأكداس من الإبداعات الروائية والقصصية والشعرية والمسرحية مقابل صحراء نقدية قاحلة إلا من وجود مزوّر لنقاد ما عاد يشغلهم شيء مثل تسلق سلم الرواتب والارتقاء إلى درجات مهنية إضافية، والانهماك في تنميق ما يتكرمون بنقده بمخزون مصطلحي خشبي لا يفيد النص ولا القارئ في شيء مثلما يفيد قي إظهار شغفهم باستعراض ثروة المصطلحات التي يشهرونها كل مناسبة في وجه القارئ.