يخص الله سبحانه وتعالى بعض الأطفال بمواهب عديدة كانت حكرا على الكبار فقط كالشعر، المسرح، الموسيقى، الرسم والرياضات بمختلف أنواعها وحتى الطبخ. ويكون اكتشاف هذه المواهب عادة داخل العائلة فهناك من ترعى وتهتم بموهبة الأبناء إلى حد بعيد. وهناك من لا يهمها الأمر بل بالعكس تفرض على الطفل الالتزام بالدراسة فقط. اقترن الاهتمام بمواهب الأطفال بالعائلات الميسورة لما توفره لأبنائها من إمكانيات مادية ومعنوية ومتابعة وتحفيز كذلك لبلوغ أولادهم إلى ما يصبون إليه وتحقيق طموحاتهم، عكس العائلات غير الميسورة التي لا تستطيع توفير كل مستلزمات الطفل، وفي هذه الحالة فإن هذا الأخير حتى وإن كان بارعا في مجال ما فإنه يهمل موهبته، وقد يؤدي ذلك أحيانا إلى إهماله دراسته كذلك. الاهتمام بالدراسة فقط وإهمال الموهبة يؤثر سلبا على نفسية الطفل توجد حالات عديدة في مجتمعنا لأطفال يتمتعون بمواهب فذة غير أن الظروف والإمكانيات المادية حالت دون تمكنهم من تطويرها والاستمتاع بها، هو حال ''توفيق'' الذي كان مولوعا جدا بالرسم فقد أحبه من خلال مشاهدته للرسوم المتحركة التي كان كلما يشاهد شخصياتها يعيد رسمها لكن والديه لم يتركاه يمارس هوايته بل يطلبان منه الاهتمام بالدراسة فقط. إلا أنه وللأسف لم يتمكن من الظفر لا بالدراسة ولا بالرسم، ويقول إنه ندم على ضياع موهبته لأنه كان بإمكانه أن يحقق من خلالها أشياء كثيرة. كذلك هي حالة ريان الذي كان مولعا بكرة القدم، إلا أن ضغط والديه من جهة ونقص الإمكانيات المادية التي تمكنه من الانخراط بأحد النوادي من جهة أخرى منعاه من تحقيق حلم حياته وهو الاحتراف في مجال كرة القدم، حيث يقول إنه كلما يشاهد مباراة لكرة القدم يحس بحرقة في قلبه لأنه كان يطمح ويجد في نفسه موهبة تصل به إلى حد اللعب في أندية كبيرة، لكن للأسف توقفه عن ممارستها لأسباب سابقة الذكر أدت لتلاشي موهبته مع الوقت.. إذا كان هذا هو حال بعض الأولياء الذين لا يهتمون ويحرمون أولادهم من ممارسة وتنمية مواهبهم، فإن هناك من جانب آخر أولياء يولون أهمية قصوى لما يقوم به أطفالهم. توفير الإمكانيات المادية والمعنوية حافز على تطوير الموهبة لدى الطفل يكرس بعض الأولياء كل أوقاتهم وإمكانياتهم لمساعدة أطفالهم من أجل تحقيق أحلامهم وبلوغ طموحاتهم، من بينهم الطفلة ''آلاء'' التي تحب فن الطبخ وتبرع فيه تماما مثل والدتها التي كانت تساعدها وتراقبها أثناء قيامها بطبخ المأكولات والحلويات. فقد كانت الوالدة تساعد ابنتها وتتركها تختار بحرية ما تريد إعداده للتفنن فيه وإدخال البهجة والسرور في قلبها. أما نور الإسلام فموهوب في صناعة وتزيين الأواني الفخارية حيث يقول: ''رعاية والدتي كان لها ذلك الأثر الكبير في تطوير موهبتي، مع العلم أن والداي يعملان. وقد بدأت تتجلى موهبتي عندما بلغت السن الخامسة عندما كنت في دار الحضانة وكنا نمارس نشاطاتها اليدوية حيث لاحظت معلمتي موهبتي وتفنني في صناعة الخزف الفخارية، وأنا الآن ألقى تشجيعا كبيرا من والداي كما يحثاني على مواصلة الدراسة والتفوق في موهبتي كذلك. رأي الأخصائية: الوالدان المسؤولان الأساسيان في تنمية مواهب الطفل في هذا الخصوص تقول السيدة ''طالبي ليندة'' أخصائية نفسانية: ''إن الموهبة عند الطفل ترتبط بقدراته الخيالية والتصورية من جهة والعلاقة بين العائلة التي تشجع الموهبة عند الطفل وبين التي تهمشها من جهة أخرى، حيث إن العائلة تلعب دورا وتأثيرا قويا في تنمية شخصية الطفل مستقبلا وتطويرها. لكن هذا يرتبط بالرأسمال الثقافي لدى الوالدين، فكلما كان المستوى التعليمي للوالدين مرتفعا كلما كانت درجة الاهتمام بموهبة أطفالهم أكثر والعكس صحيح. زد على ذلك العامل الاقتصادي الذي يلعب الدور الكبير في ذلك، فالعائلة الفقيرة تجد صعوبة في الاهتمام بمواهب أطفالها نظرا للعوز المادي عكس العائلة الميسورة التي تسخر جميع الإمكانيات المادية منها والمعنوية من أجل تحقيق أحلام وتنمية مواهب أبنائهم. بالاضافة إلى نقطة مهمة وهي عامل التربية، فهناك أولياء يشجعون أبناءهم على الدراسة ونسيان موهبتهم، وهذا ما يدفع ببعض الأطفال إلى الانتقام وبالتالي تعمد الرسوب في الدراسة لأن موهبتهم تجذبهم أكثر ويتخذونها حلما يسعون لتحقيقه يوما ما، وآخرين يتبعون نصائح أوليائهم في الحالتين سواء شجعوهم على الدراسة أم صقلوا مواهبهم وفي هذه الحالة يكونون مرتاحين عكس الطفل الذي يرى أن والديه يضغطان عليه، وهنا تضطرب نفسيته ويجد نفسه بين حتميتين قد يحققهما وينهار نفسيا أو يتركهما ويرتاح أو يتبع إحداهما وهنا يكمن الانتقام. اكتشاف المواهب ينطلق من المؤسسات التربوية إن اكتشاف المواهب لدى الأطفال يبدأ أحيانا من المؤسسات التربوية، فالمعلمون والأساتذة يلعبون دورا هاما في اكتشاف هذه المواهب مثلما تؤكد السيدة (ب. خديجة) أستاذة في اللغة العربية: ''نتمكن أحيانا من اكتشاف هذه المواهب من خلال الدراسة عن طريق النشاطات الثقافية كالرسم، الموسيقى، والمسرح والتي تنظمها المؤسسة في المناسبات الخاصة. لكن للأسف هناك عدة مواهب أهملت بمجرد التحاق أصحابها بالجامعة والتي تفتقر في معظمها، إن لم نقل كلها، لفضاءات ملائمة لمثل هؤلاء الموهوبين. فالمشكل المطروح في بلادنا هو من يحتضن هذه المواهب ويصقلها ويهتم بها بعد مرحلة الدراسة، لذا فمن واجب وزارة التربية الوطنية إصدار تعليمات وزارية من أجل تنشيط الحياة المدرسية واكتشاف المواهب عن طريق تأسيس نواد داخل المؤسسات وتنظيم مهرجانات خاصة بالأطفال الموهوبين، وكذلك والأهم متابعة هؤلاء الموهوبين بعد نهاية الدراسة كذلك بفتح آفاق لهم تحتضن مواهبهم وتصقلها.